| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حكمت مهدي جبار

 

 

 

الثلاثاء 25/10/ 2010

 


هل امتلك الشاعر العربي في العصر الجاهلي رؤية تشكيلية
معلقة (الضعائن) لزهير بن ابي سلمى أنموذجاً

حكمت مهدي جبار

كتب الكثير من الباحثين في مجال الأبداع الفني والادبي حول موضوعة فن الشعر وفن الرسم .وما هي علاقة الفنين ببعضهما؟ وفي مكتبتنا العراقية ترجمت الأستاذة القديرة (مي المظفر) كتابا قيما للبروفيسور (فرانكلين روجرز) وأصدرته تحت عنوان (الشعر والرسم) من خلال دار المأمون للترجمة والنشر في سنة 1990.تناولت فيه وبشكل عميق العلاقة بين فن الشعر والرسم.من خلال الغوص في اغوار العمل الفني وحاولت الأمساك بأطرافه شعرا كان ام رسما .فقدمت صورة عن بنية العمل الفني الابداعي والتقطت اوجه التشابه بين الأبداعين .الا انها لم تتناول بشيء ولو بسيطا عن الشعر العربي وخصوصا الجاهلي وعلاقته بالصورة (الرسم) . وقد يكون المبرر لذلك هو انها قدمت كتابا مترجما وليس تأليفا .

ومع ذلك فقد وجدنا ما يشير الى تحديد مؤلف الكتاب المذكور (فرانكلين روجرز) الى العلاقة بين الشعر والرسم .حيث قال: (ان هناك صلة حيوية بين الرسام والشاعر)
ص11 . وفي صفحات اخرى اشار الى كتاب (هوراس) (الشعر هو التصوير) والذي وجد له عبر القرون بطرق كثيرة من قبل الرسامين والشعراء معا.فقد يجد المرء على سبيل المثال في النصيحة التي ادلى بها (انطوان كويل) في خطابه امام الاكاديمية الملكية للرسم والنحت سنة 1741م حيث قال : على الرسام في اسلوبه الراقي ان يكون شاعرا).الى آخر العبارات والمقولات في ذلك الكتاب القيم.ص45
وأنا اقرأ مجموعة من ابيات معلقة للشاعر العربي الجاهلي الكبير (زهير بن ابي سلمى) .فقد اوقفتني وأنا اقرأ مفرداتها والتي لم أتمكن من فهم معاني بعض مفرداتها الا بالأستنجاد بالمنجد في اللغة.فوجدت ان هناك رؤية فنية صورية اتقن الشاعر نسجها مثلما يتفنن الرسام في وضع عناصر اللوحة المعاصرة.فالشاعر العربي في ذلك العصر كان شديد الحس والشعور بمشاهد الحياة اليومية رغم امتدادات الصحراء وعدم استقراره في مكان ثابت.وأعجبتني عبارة لـ (لدكتور صلاح صالح) في كتابه (عتبات لرؤية مضاعفة).عندما شبه معلقة زهير كـ (اللوحة الفعلية يستطيع القاريء ان يبصرها امامه كما لو كانت معلقة على جدار).وفعلا فمن يقرأ ابيات تلك المعلقة يجد الكثير من المشاهد التي تبهر العين بما يجعلها قريبة من رؤية الرسام الحاذق .

جاء في القصيدة المعلقة:

تبصر خليلي هل ترى من ظعائن     تحملن بالعلياء من فوق جرثم
جعلن القنان عن يمين وحزنه        وكم بالقنان من محل ومحرم
وعالين انماطا عتاقا وكلة            وراد الحواشي لونها لون عندم
ظهرن السوبان ثم جزعنه           على كل قيني قشيب ومقام
ووركن في السوبان يعلون متنه    عليهن دل الناعم المتنعم
كأن فتات العهن في كل منزل       نزلن به حب الفنا لم يحطم
بكرن بكورا وأستحرن بسخرة     فهن ووادي الرس كاليد في الفم
فلما وردن المازرقا جمامة          وضعن عصي الحاضر المتخيم
وفيهن ملهى للطيف ومنظر        انيق لعين الناظر المتوسم

فالشاعر استخدم مفردات كما لوكانت وصفا لأشكال تخاطب العين رسما (صورة) مثلما تخاطب الوعي والخيال (شعرا). فبدت ابيات القصيدة المعلقة كعناصر فنية لأنجاز لوحة تشكيلية.فضلا عن المفردات والألفاظ التي توحي بالرؤية والبصر والمشاهدة لظواهر الطبيعة برؤية جمالية. فكثيرا ما كان يذكر (التبصر – هل ترى – اللطيف – الأناقة – الناظر – المتوسم -)وهو بذلك يؤكد على متعة جمالية وذوقية أتت من تأكيداته التعمق في البصر والمشاهدة.

وعندما يبحث قاريء الشعر عن معاني المفردات لاسيما مفردات الشعر العربي الفصيح في عصر ما قبل القرآن يجد ان زهيرا يشير في قصيدته الى الألوان والخطوط ولو بصورة غير مباشرة.فرغم الأجواء الصحراوية ذات الألوان الترابية فقد ذكر الوان أشياء اخرى كألوان الستائر الوردية الضاربة للحمرة.خاصة عندما جاء ذكر الدم ليوحي بالأحمرار القاني.مع ذكر ثمار برية حمراء كـ (العندم) ومفردة (زرقا جمامة) وغيرها.اما بالنسبة للخطوط فنجد في القصيدة ذكر للعصي والاوتاد بأستخداماتها في نصب الخيام (بيوت الشعر) من خلال اوضاعها العمودية والافقية والمائلة وهي توحي بالخطوط .فضلا عن انحناءات الحبال وتقوساتها.

أن زهيرا في قصيدته المعلقة تلك يزاوج مابين الشعر الذي اعتبره البعض انه الفن (الوحيد القادرعلى تقديم تتابعات حكائية تمتد عبر الزمان والمكان) وبين فن الرسم الذي قال عنه البعض بأنه يقتصر على انطباعات بصرية مفردة .وبذلك فقد حقق الشاعر وحدة واندماجا بين فني (الشعر والرسم).

يقول المرحوم الدكتور (عناد غزوان). (ان الشعر هو الصورة,أي أن مقاييس جودة الشعر او رداءته تكون على وفق جودة الصورة) ومن هنا فقد تمكن زهيرا من اعتماد معاني مفرداته كمادة (صورية) في معلقته.عندما أستعار من ظواهر الطبيعة والاشكال والألوان صورها بلغته المجازية العالية

اعتقد لو كان قد توفرت للشاعر العربي في ذاك الزمان ادوات فن الرسم كما توفرت للفنان اليوناني والروماني لكان قد قدم اروع اللوحات والاعمال الفنية التشكيلية.

 

مراجع
- الشعر والرسم ـ ترجمة مي المظفر – دار المأمون للترجمة والنشر1990
- عتبات لرؤية مضاعفة – مساهمة في الثقافة البصرية العربية – د صلاح صالح – دار المدى – 2010
- مستقبل الشعر وقضايا نقدية – د عناد غزوان – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد - 1994
 

free web counter