| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حكمت مهدي جبار

 

 

 

الجمعة 21/1/ 2011

 

رواية
(صحراء نيسابور)
للكاتـب العــراقي حميــــــد المختــــــــــــار
السعي لتأسيس رواية صوفية

حكمت مهدي جبار

انا لست بناقد أدبي . انما ر سام . ومن المهتمين كثيرا بالفن التشكيلي. وواحد من عشاق قراءة القصة والرواية لاسيما العراقية منها على وجه التحديد. تتولد لدي انطباعات عن النتاج القصصي والروائي بعد الانتهاء منه . ثم ابدأ بكتابة ما يتولد عندي من تلك الانطباعات وهي تمثل قولي ورأيي في ذلك النتاج. على قدر ما لدي من ثقافة ادبية خاصة في مجال الفن القصصي والروائي..وعندما قلبت صفحات رواية (صحراء نيسابور) للكاتب العراقي حميد المختار في طبعتها الاولى والتي صدرت سنة 2008 أستصعبت في البدء مواصلة القراءة فيها نظرا للغتها التي تضمنت مفردات ونصوص صوفية فضلا عن بعض المشاهد الغرائبية الغامضة والتداخلات النصية والانتقالات ما بين مشهد وآخر.غير انني سرعان ما وجدتني منزلقا ما بين سطورها بعد ان وجدت فيها التماعات جديرة بالتوقف. فقرأتها مرة اولى. ثم قراءة ثانية وثالثة. حتى غرقت في مساحات الرواية رغم صغر حجم كتابها الذي بلغ 118 صفحة من الحجم المتوسط..

تألفت الرواية من 7 سبعة فصول . كل عنوان من الفصول السبع يوحي بأن الكاتب يخوض الى جانب تجربته الادبية تجربة صوفية من نوع خاص .وهو بذلك يوظف الصوفية في الفن الروائي , بل يوظفه بجرأة .ورغم أن المشتغلين في الأدب الروائي لا يطلقون لقب الروائي الصوفي الا على سبيل المجاز . حيث ان توظيف الصوفية في الرواية يختلف عنه في الشعر . ففي الشعر يمكن المزج والالتقاء بالتصوف ونستطيع ان نطلق لقب الشاعر الصوفي اطلاقا حقيقيا . حيث نرى ان الشعراء الصوفيون اكثر من الروائيين الصوفيين. كالحلاج ورابعة العدوية وابن الفارض وابو العتاهية وجنيد البغدادي وغيرهم.

نقول رغم ذلك فأن (حميد المختار) في روايته (صحراء نيسابور) حاول ــ واراه قد نجح ــ في وضع عنوان (للرواية الصوفية في العراق), عندما قام بأستدعاء الشخصيات والجماعات الصوفية في عمله الاخير الى جانب توظيف حدث عاشه وهو يمكث في السجن . ولم يكتفي بالشخصيات فقط انما استعان بأساليب اللغة الصوفية معتمدا على الأستعارة النصية الكاملة لاسيما في أستهلالات فصول الرواية السبع بما يتوائم مع ما يبغيه في متون روايته.

أستهل حميد المختار روايته في فصلها الاول بنص للفيلسوف العربي المتصوف (ابو حامد الغزالي) لتكون مدخلا لوقائع قصته والتي وضع لها نموذجا قصصيا يقترب بملامحه كثيرا من شخصيته. نتعرف على نموذج القصة (البطل) بأنه رجل منسي مركون ينظر اليه رب العمل كونه زائدا عن الحاجة لا فائدة من وجوده في الدائرة رغم انه صحفي معروف وكاتب قدير .. ومع كل ذلك فأن رب العمل يختاره ليقوم بمهمة كتابة سلسلة تحقيقات عن مراقد بعض الأئمة . ويبدأ بالعمل ليذكرنا بعنوان الفصل الاول وهو (أسفار الشيخ الجبلي) كعنوان لرحلته وهو يقوم بالتحقيق الصحفي عن مرقد الشيخ الجبلي أحد كبار المتصوفة.

مع سفر الصحفي المكلف بالتحقيق تتعدد الشخصيات , كالمصور الذي يرافقه لتصوير التحقيق والنجار والصبي الجميل . ومع تتابع الأحداث تزدحم الرواية بالصور . وتفاجئنا (المرأة ) ـ الحاجة ـ ذات الشخصية القوية والتي يقف ازاءها الصحفي مندهشا . وصورة المرأة مثيرة . من خلال دورها بأعتبارها تمثل (القيمة) على المرقد . وهي تعكس ملامح انوثة مغرية جاءت تحمل هواجس جنسية من خلال بعض السطور والتي اقتحم من خلالها الكاتب عالم سريا لأمرأة تؤدي واجب خدمة (المرقد الديني).والحاجة في متوسط عمرها تبدو قمة في الاثارة من خلال المشاهد التي جاءت في الرواية.

لقد رأى الصحفي الحاجة (القيمة) وهي (تخلع ملابسها قطعة قطعة حتى بانت ملابسها الداخلية التي اظهرت تفاصيل جسد ابيض من طول اخفاء وبعد عن ضوء الشمس , لحظات سمعت خلالها تأوهات وحسرات وأنين يرتفع وصوت ارتجاج شيء ما , ثم انها وبحركة واحدة وسريعة نضت عنها آخر ما تبقى من ملابسها الداخلية والقتها بعيدا عنها كاشفة بذلك عن عري فاضح)
ص 20 – 21

ان مشهد تعري المرأة (الحاجة) عند ضريح الشيخ تصوير قمة في الجرأة .. ولا ندري ماذا كان يريد الكاتب من مشهد التعري المثير لأمرأة قرب مرقد شيخ ؟. ثم يدخلنا الكاتب في مشاهد ورؤى غريبة عندما تتحول المرأة الى أفعى بيضاء من خلال احلام وصور غرائبية فانتازية .. ومع تلك المشاهد يضمن الكاتب سطوره عن نقل الصور والاحلام لغة أهل التصوف والكشف والحلول.(ها انت تقرأ التكملة , اكمل ما بدأته فان الطرق الصاعدة اليه بعدد انفاس الخلائق ولا تنسى ان تتبع اهل المعنى والرواق)
ص 23 .الى جانب تداخلات نصية ما بين الرؤية الدينية الصوفية ومعاناة بطل الرواية داخل السجن , وقد صور الكاتب الطقوس الدينية اروع تصوير وبوصف بانارومي جاء على لسان الفتاة , وتعود التداخلات النصية ما بين السجن والشيخ.

وفي الفصل الثاني يفتتح الكاتب بنص للأمام علي بن ابي طالب , مع نص من الصحيفة السجادية .معتمدا على مخطوطة سمى بها فصل الرواية الثاني (المخطوطة الملكوتية) حيث عرضها كنص كامل تشعر القاريء المتمعن بأن المخطوطة منفصلة عن المتن الروائي. ونص الحكاية هنا يبدو بعيدا نوعاً ما عن اللغة القصصية الحديثة.وفي الفصل الثالث الذي وضع له عنوان (السفر الى برزخ الخلق) يستهل فيه نصا من كتاب العهد الجديد من الأصحاح الثاني عشر رؤيا يوحنا.. ثم يسترسل في نصه القصصي ليصور لنا يوميات سجنه عبر معاناة وعذابات تتداخل مع عبارات اثيرية مستوحاة من مضامين اللوحة التشكيلية والتي وضعها لتكون واجهة لغلاف الرواية وهي من اعمال الفنانة العراقية عفيفة لعيبي . يتواصل الكاتب في الصفحة الأربعين 40 بسرد الحدث بلغة صوفية روحانية لتكون الرواية رواية رؤية وليست رواية حدث, عندما يصور المشهد في السجن وهو (يتكون خلف ستار السماء ذلك المشهد الذي سنرى فيه مرآة لاجسادنا وهناك سنتجلى واضحين في لبوس الاجساد الترابية ....) الى آخر العبارات التي تتحول من بعد ذلك الى فنتازيا وغرائبية . وهو اسلوب نجده عند بعض روائيي وقصاصي العراق ومنهم جليل القيسي.

في الفصل الخامس يعطينا كاتب الرواية نصا صوفيا آخر لمحي الدين بن عربي الصوفي الاندلسي الكبير الذي لقب بالشيخ الاكبر . ليكون كمقدمة استهلالية لهذا الفصل بعنوان (مشهد الوجود). يلجأ حميد المختار في بداية فصل الرواية هذا الى اسلوب التقطيع على طريقة المنتجة السينمائية. واستخدام الترقيم كما استخدمها الروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي. الا ان الكاتب لم يبرح في سرده للحدث اللغة الصوفية وقد حشيت ببعض النصوص الفلسفية التي تتحدث عن تكون الانسانية والوجود وكيف حمل الانسان امانة الأرض. وأن رحم الأم هو فردوس النقاء والطهارة . ثم يستعير آيات من القرآن الكريم (فغادرت مهدي سائرا صوب افق جديد من ارض اخرى حاملا الأمانة في قلبي وسري وقد تهيأت لدخول شكل آخر وبهاء آخر في سفري الذي شارف على النهاية لولا انني لم اصل بعد الى بغيتي وحانتي البعيدة القريبة فأرتوي من دناتها انا الوارد العطشان فما احوجني الى سكرة تغنيني عن ملاحظة نفسي وافعالي واحوالي ,( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين)
ص (54)

وفي المقطع (4) نجد الكاتب يتجه الى اسلوب حكي عادي . ففي الصفحة 55 (صار الاطفال يتحلقون حولي وهم يرمونني بالحجارة التي شجت رأسي وأجرت دمي .........) ليفهم من الناس الذين حملوه انه انما رجلا مجنونا!‍ وبالفعل نجد حتى اللغة هنا تبدو مجنونة. ومع كثافة لغته المجنونة فأننا نجد ينابيع انسانية واضحة عندما بدأ بطل الرواية يتمرد على اسباب الحياة من اجل الأنسانية ومن خلال حواره الفلسفي المشوب بفكر (وجودي) في الصفحة (56)

( - ما رأيك ان نقترح اسما ليكن اسمي حسن)
- اريد اسمك الحقيقي.
- اسمي الحقيقي لا ينفعك في شيء عليك تدوين اسم حسن فهو يفيدك تماما وينهي هذا المراء والجدل
- انظر اليه انه يتفلسف.
- لست فيلسوفا ولكنني طفل يلتقط الحياة بمنقار وجوده ورغباته....

في (المقطع الخامس) من (الفصل الرابع) اذا ما تمعن القاريء فيه يجد انه يقرأ قصة قصيرة كأنها منفصلة عن الرواية. قصة قصيرة بكامل شروطها الفنية . والجميل فيها هي تلك الحوارات التي تتم ما بين العقلاء والمجانين بلغة حكي عادية. والتي ضمنها الكاتب بما يشبه التعاويذ والطلاسم السحرية . (ثم اكتشفت في احد الايام ورقة صغيرة مكتوبا فيها كلمات بحروف غريبة لا تقرأ بسهولة لكنني حين امعنت النظر بها عرفت انها تعويذة سحري واو طلسم)
ص 62 مع انتقالاته الجريئة في تصوير مشاهد قراءة القرآن بأخطاء نحوية وتصوير مشهد الحاجة العارية وممارسة الأستمناء (العادة السرية) بما يدل على امتلاك الكاتب ادق الأدوات والعين الثاقبة في رؤية صغائر الامور رغم تفاهتها ليوظفها في بناء معماره الروائي وبهذه الطريقة الماهرة.

وكان حديث (صبحي) حديثا مثيرا للغاية . ورغم ان الكاتب قد عرفنا (بصبحي) كشخصية متأثرة نوعا ما بالفكر الوجودي الا انها كانت (وجودية مؤمنة) غير ملحدة. اذ ان سعي صبحي للأنتحار جاء ليمنع رموز السلطة من التلذذ بقتله (ولو انك سألتني عما دفعني الى الانتحار لقلت لك انني قمت بذلك كي اقهر اعدائي من اشباح اخوة يوسف حتى لا امنحهم شرف قتلي ولذة الانتصار علي)
ص 66.

يبقى (المقطع الخامس) من (الفصل الرابع) مليئا بصور محتشدة بالأثارة وهي تنتقل من لقطة الى لقطة اخرى. فمشاهد الجبهة وذكريات الحرب جديرة بأن تمنحنا شعورا بالقلق الرهيب الذي لم يعيشه النموذج الروائي فحسب انما كل المثقفين من العراقيين. حيث رهبة الموت وانتظار الحتف من الحياة في اية لحظة (بقيت وحيدا بعد ان مات الجميع فجأة قررت الخروج لأنني ان بقيت هناك فسأموت لا محالة).
ص67

والنماذج الروائية (الشخصيات) هنا لم تكن كعادتها مقتنعة بالحرب . لذلك تراودها الافكار بالتعلق بالحياة والتشبث بها اكثر مما هو عليه في ظروف السلم . فأثناء لحظة المواجهة في القتال . هل بأمكان الانسان وهو يحارب ان يكتشف انتمائه وانسانيته (لقد جمعتنا الحياة والخوف من الموت هناك في تلك الحفرة الحارقة الضيقة وهناك استحممنا في ظلام واحد وتطهرنا من كل براثن العداء والحقد)
ص67.

اما صور (المقطع السادس) من (الفصل الرابع ) فأنها تقدم لنا بطل الرواية وهو غارق في تساؤلات فلسفية تبحث من جديد عن حقيقة الوجود. مع كثافة الشعور نحو مرجعية الانسان وهو يسقط من الفردوس. وهنا يصور الكاتب الارض بأنها مكان خرب يعيش فيها الانسان تعيسا. حيث الشعور بالأنفصام واللاأنتماء الى العوالم السوية المتزنة جراء ظلم السجن وقساوة المحاجر والزنازين ,حيث (ثمة عوالم صارت تتكون حولي وتحيط بي بكل هدوء وبسرية مطلقة , لم اعد اكلم احدا. فقد اصبح الصمت شعاري والنوم دثاري في محجري الجديد)
ص 69. ثم يدخلنا الكاتب في لحظة تحول والعودة الى عالم آخر, وهو يستذكر (زوجته التي تركته) وهمومه مع صديقه (صبحي) . وتلك التحولات تأتي لعبور برازخ الى عوالم بعيدة لم يقدر عليها الا من هم بدرجة الأولياء والصالحين. ففي الصفحة 70 يقول الكاتب بأنه (مستعد الآن ليتحول من جديد ليعبر برزخا آخر فالستارة ما زالت مفتوحة في كبد السماء ومشهد الوجود والحضور مستمر الى الابد) .
اعتمد الكاتب في (فصله الخامس) على نفس اسلوبه في الفصول الأخرى. وقد اسماه بـ (خان الصعاليك) قدمه بأستعارة نص صوفي غاية في الجمال للشاعر الصوفي (بابا طاهر) ذلك (الشاعر الأيراني) وهو من الأولياء عند اتباع مذهب (اهل الحق) حيث له رباعيات مشهورة . سرح الكاتب كالعادة في عوالم صوفية روحانية أخاذة. وذهب بنا الى مدن خيالية . موظفا الحوارات الواقعية في النصوص المقتبسة بأحلام ورؤى اثيرية تفيض على حدود الخيال, بما لا يؤثر على المعمار الروائي من ناحية السرد والحدث بما يمنح الرواية التماعات وتوهجات رائعة . وبقي الكاتب يسعى للمعرفة والارتقاء وكشف الوجود وحقيقة الخلق على طريقة اهل التصوف رغم عذابات الواقع. الا اننا نصطدم في نهاية الفصل الخامس بعبارات غامضة مبهمة , لم تخلو من جمال.

في (مشكاة النار) وهو عنوان (الفصل السادس) من الرواية والذي استفتحه بنص صوفي آخر لـ (فريد الدين العطار) وهو من كبار شعراء الفرس , يستدعي الكاتب فيه مرحلة الطفولة ليجعلها وسيلة في مواجهة اقداره في حياته المليئة بالعذاب . غير انه لم يغادر توظيف النصوص الفلسفية في سرده الذي حمله كثيرا من الصور لتكون رموزا للطغيان والحاكم المستبد. وقد استخدم لغة دينية مستقاة من كتاب (الصحيفة السجادية) كواحد من الأدعية التي يضطر فيها المظلوم ليناجي الله عسى ان ينقذه من محنته. ومع تلك الأجواء الروحانية المشحونة نجد الكاتب يقدم لنا مشاهد من السجن بطريقة وصفية مشفوعة بلغة متدفقة وقد اعلن تمرده ضد قمع الانسان واضطهاده على يد الحاكم المستبد. الى جانب رفضه للحرب وبشاعتها. وفي ومضة ابداعية ونتيجة قساوة الظلم ورخص البشر يتساءل (- لماذا هذا الموت المجاني , الهذه الدرجة صار الانسان رخيصا , فيولد ويجوع ويكبر فيدحر وتتلاقفه الحروب ويدخل اتونها فيموت ثم يترك جثة متفسخة تأكلها الضباع والسباع بلا دفن او طقوس او دموع)
ص 98.

لقد اخذ العذاب وطره من بطل الرواية الى حد حسد الحيوانات على حياتها وهي تتعاون فيما بينها رغم شراستها وشريعة الغاب التي تحكمها. عندما قدم لنا (مشهد النحلة وهي تهبط الى هناك وتضع حبة الحنطة في المنقار المفتوح للعصفور).
ص 99.

يسترجع الكاتب في مكان من الرواية حقائق التاريخ وجذوره الانسانية عندما ارتكب ابو البشر آدم الخطيئة الكبرى محذرا من تكرار الجريمة.(ولكن اياك ومجارات الجوع او استدراج الماء ومداعبة التفاحة لأنها ستقود الى الغواية)
ص101

تنتهي الرواية الرواية بـ (فصلها السابع) وبهذه النهاية يعود بنا الكاتب الى من حيث بدأ. وفكرة العودة قد ضمنها الكاتب ليقول عنها انها جاءت قسرا . فكانت افكار كثيرة تحاصره (كان اكثرها صعوبة واشد ايلاما هي (فكرة العودة) من حيث اتيت بعد ان رأيت ما حدث لرفاق رحلتي الذين قضوا في ترحالهم دون ان يصلوا الى مبتغاهم)
ص 106. وهكذا يعود الكاتب الى بداية القصة وهي عودة كما يبدو لتشكل صورة لرحلة بلا نتيجة . وكأن الكاتب يطرح لنا رأيه الفلسفي بلا جدوى الأشياء التي تتعلق بالانسان , فقد خرج بعد ذلك السفر وكأنه يخرج من بحر (خالي الوفاض الا من القواقع التي تعلقت بأذيالي وانحاء جسدي اما الان فقد راح كل شيء في طي النسيان) وكانت لغته ذات مسحة فلسفية الا انها لغة بسيطة خالية من المصطلحات والمفاهيم الفلسفية الصعبة.

في نهاية الرواية يخبرنا الكاتب انه رأى (الشيخ الجبلي) بطريقة حلمية ورؤية اثيرية مستعينا بلغته الصوفية التي هيمنت على اكبر مساحة من الرواية. رآه وهو (يجلس بصحبته شيخ الرواق مع محمود المجنون والسكران الذي اضاع كؤوسه , رأيت مدوني واصحاب الصحيفة الملكوتية , رأيت اقماري الخمسة تحيط بالمكان من جميع الجهات . رأيت اصدقائي المساجين بمعية صاحبي احمد رأيت الاشرف بن الشهيد واخيه وأبيه وابن عمه ابا عبد الله ..... الى اخر الرواية الذي يختتم فيه عبارة (بينما ظل الجرس يرن رنينا متواصلا)
ص 118 والأخيرة . وكأن رنين الهاتف في غرفة بطل الرواية وهو في غرفته الذي جاء في اول عبارة في الرواية (بدأ الأمر حين رن هاتف غرفتي رنينا متواصلا) ص 6 . هو الذي اشعل الشرارة الاولى لبداية رحلة الكاتب وهو يكتب تحقيقا عن الشيخ الجبلي..

لقد مثل الكاتب حميد المختار في روايته صحراء نيسابور تجربة روائية عراقية ممتدة زمنيا , وقد تفاعلت هذه التجربة مع الاحداث الساخنة التي مر بها المجتمع العراقي ابان الحكم الدكتاتوري . وهذا يمكن ان يعطي صورة جيدة لحميد المختار في انه اكتشف تفاعل الفن الروائي مع الرؤية الصوفية. موظفا معاناته الشخصية كمثقف متمرد ضد الظلم لينتج عملا ابداعيا استطاع من خلاله ان يوجد لنفسه مكانة روائية متميزة على مستوى الرؤية والأداة.



 

free web counter