| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حكمت مهدي جبار

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء 16/8/ 2011

 

قصص قصيرة جدا

تخطيطات بقلم الرصاص

حكمت مهدي جبار

التخطيط الاول
الرجل الكبير الذي يجتر أيامه . يجلس على دكة . يعلك كما الجمل . فتتماوج غضون وجهه وجبهته وما تحت جفنيه . يسرح بنظره نحو حصان العربة . ومن بين شفتيه شبه المتيبستين ثمة همهمات مصحوبة بأنات . لم يبرح الشيخ الحصان وهو يأكله بنظراته كمن وجد فيه سرا عظيما.. تجوب عيناه على القوام الأبيض . شعر الرقبة المسترسل على جانبيه . رأسه الأشم . عينيه المكورتين الملتمعتين . ظهره الرشيق . وردفيه العريضين ...غزته نومة , فأضطجع على الدكة الترابية , لافا رأسه بيشماغه [ كان يرتقي صهوة حصانه الابيض . يغطي رأسه يشماغا محيطا بوجهه. ليتوج رأسه بعقاله العربي. وعلى كتفه بندقيته (البرنو) معلقة بشكل عمودي..وهو يلتحق بأصحابه الخيالة للمشاركة في غزوة ضد الترك.. صهلت الخيل وأنطلقت تشق الريح وعلى ظهورها (هوسات الكونة ) تدوي مع رصاص البنادق ]
فز الشيخ الكبير من غفوته . ورأى نفسه وسط زمرة من الجنود الأمريكان وهم يطلقون النار في الهواء . بينما فر الصبي صاحب العربة بحصانه الى مكان مجهول.

التخطيط الثاني
وجه متغضن , رسمت خطوطها على جبهته حروفا , لم يفك أسرارها الا المتمرسين في أسفار الأحزان وجبال الهموم .وعلى رأسه استوطنت كوفيته منذ أن شعر بكي الشمس في قيظ الصيف ولسعات البرد في هرير الشتاء..لم يبرح ظهره حمل الأكياس في خضم الأسواق المزدحمة..عندما تودع الشمس صخب المدينة وتهجع الأشياء في صمت الليل . يعود (كاظم الحمال) الى زوجته وصغاره وهم بانتظاره تحت بيت الصفيح على أرض لايملك فيها شبر واحد . تعلوه أبتسامة لا يعرف كيف باغتت بؤسه . يعد (الفلوس).ثم يبتاع خبزا من (أم جاسم ) يأتي به الى بيته . يعطي لزوجته ما يسد رمق الغد.. ليخبيء في قلبه أجوبة لم يحدد وقتا للبوح بها لرغبات وأمنيات تغص بها روح زوجته . يتدثر بغطاء بؤسه المعتاد ليغط في نومة عميقة بأنتظار فجر يوم جديد.

التخطيط الثالث
منذ أن كنا صغارا . وعندما كان الصاعود يتسلق جذوع النخيل بمهارة كما لو أنه جرذ. نتحرق شوقا لصعود تلك الأشجار السامقة . ونتباهى بعلونا مع سعفاتها التي تراقص هبات الريح.. ونقطف بضعة تمرات نقذف منها كمية في عبنا وألأخريات نطوح بها فوق رؤوس الفتيات وهن يمرقن في درب البساتين. عسى أن تكون تلك التمرات المقذوفات بداية لقصة حب .. وعندما يتعبنا التعلق ما بين السعفات وأشواكها المدببة . ننزل قاذفين بأجسامنا المعروقة في وسط النهر نطرطش بالماء ونشاكس بعضنا البعض.. نستغرق في عومنا , عندما ينزلن الصبايا ليسبحن . فنتلذذ بعريهن الطافر من خلف أثوابهن المنقعات بالماء . ولكن عندما يأتي الكبار يقمعون شهواتنا ويعتقلون براءتنا..

التخطيط الرابع
عبرت الى قلبها , ورحت افتش فيه . فوجدت أسمي محفورا في أحد شغافه . وعندما عدت خلسة . رمتني بسهام عيونها .. ارادت أن تبوح بسرها الذي اعرفه . وقلت لها :
دعينا نعشق بعضنا بصمت .

التخطيط الخامس
قبالة المرآة كان يراه . أنه هو . ولكنه بدا مسطحا . فكلما اراد أن يتحسسه . يرتطم أصبعه بحاجز أملس . فلا يملك الا ان يرسم خطا وهميا من قمة رأسه حتى أخمص قدميه ..أنه هو .هي ذي ملامحه..شعره الذي غزاه الشيب . وعينيه الغائرتين في محجريه. وأنفه الأقنى الذي يشبه انف أبيه الميت منذ سنين.وشفتيه المطبقتين ..ورقبته وأذنيه وكتفيه ونحره وظهره وساقيه الطويلتين ...
عندما اشمأز منه ..غادره الى خارج الغرفة . راح يمشي تحت ضوء الشمس المتحول. فأمتد اليه بظل أطول منه . لكنه كان يتحرك كما يتحرك . يستطيل الظل كلما مالت الشمس . يتكور تحته فيصير شكلا مفلطحا :
- لا أريدك...اذهب عني . لا أريد أن تقلدني.
ملأ صراخه البيت . فلسعته اشعة الشمس لتمد زوجته يديها زوجته وتزيح عنه غطاؤه.

التخطيط السادس
بكت عليه أمه كثيرا .. ولم تتوقف دموعها عن الذرف. وهي تنتحب وتنعى أسمه وتمسح على صورته الملصقة بأحكام ما بين الكوة المؤطرة بالطابوق ..عندما انتهت من هذا العزاء . نهضت لتغادر قبره . وتترك بضعة أحجار تحت وطء الشمس الحارة.. الا ان ثمة ما استوقفها . عندما رأت وريقات نبتة خضراء قد أينعت من بين شقوق الطابوق .

التخطيط السابع
كل التماثيل في ساحات المدينة, عالية .. فوق مستوى النظر.. مصنوعة من صخر أو من حديد أو ربما كان منها من ذهب. رموز لرجال كان لهم شأن في الحياة. هكذا نظر الناس لهم. تنتصب التماثيل فوق منصاتها وقد مرت عليها الفصول. في الشتاء ينقرها المطر. لكنه يسيل بقطراته فوق صلادتها فلم يلين من جمادها القاسي. وهكذا مع الربيع وشمس الصيف وريح الخريف.. التماثيل جامدة .. جامدة لا تتحرك . لا تتحدث .. غير انها احتفظت بأبتسامات حجرية .. وأيماءات بأذرعها الصلبة.. ومع ذلك الجمود لازال الناس يصفقون لها ويهتفون ويمجدون ويرقصون تحت كتلها الثقيلة .

 

 

 

free web counter