| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حكمت مهدي جبار

 

 

 

الأثنين 14/11/ 2011                                                                                                   

 

مؤسساتنا التربوية وأفتقارها للتربية الجمالية..

حكمت مهدي جبار

جاء في المعجم الفلسفي المختصر (1) أن ((التربية والتعليم هما أسلوبان أساسيان في تكوين الشخصية ,يتحققان عبر منظومة مختلف المؤسسات الأجتماعية كالأسرة ,والمدرسة , والمجتمع , والبيئة ,الى آخر المؤسسات الأجتماعية ألأخرى.وأن المضمون الأساسي للتربية والتعليم هو تكوين القدرات والمؤهلات الأجتماعية والثقافية والعلمية والمعرفية)).وعرفها (جون ديوي) (2) بأن ((التربية هي التي تشتمل على جميع الآثار التي تتركها الطبيعة والمجتمع بما فيه من تعليم مدرسي وصحافة واذاعة وصلات عائلية وتقاليد اجتماعية وعقائد دينية وسياسية في الأفراد الذين يتعرضون لآثارها فتتجلى في مظاهر سلوكهم وفي تكوينهم الفكري والعاطفي والأجتماعي.

وفي تعريف آخر. أن التربية (3) هي نظام أجتماعي يحدد الاثر الفعال للأسرة والمدرسة في تنمية النشءمن النواحي الجسمية والعقلية والاخلاقية حتى يمكنه أن يحيا حياة سوية في البيئة التي يعيش فيها.

وقسمت التربية حسب ميول البشر ورغباتهم وأتجاهاتهم وما تميل اليه عقولهم وافكارهم ومذاهبهم في الحياة.فكانت التربية العلمية والتربية الدينية والرياضية والأجتماعية والاخلاقية ,الى جانب تربية العلوم والمعارف الأخرى كالطبيعيات والفلسفة والجغرافية والتاريخ وعلوم الرياضيات والأحياء وغيرها.

ومن أقسامها أيضا (التربية الفنية). تلك التي تشمل نواح عديدة من أهتمامات النشء بالهوايات والميول وما يتعلق بعواطفهم ومشاعرهم وأحاسيسهم . فضلا عن تنمية نزعة العمل وممارسة الحرفيات والمهارات السائدة في مجتمع معين من المجتمعات.
والتربية الفنية كما عرفها - الدكتور جميل قاسم - (4) هي تربية تكاملية ,تتطلب ثقافة فروعية متعددة ,فوظيفة التعبير الفني هي تحقيق الأنسجام الداخلي لدى الطفل والتوازن في علاقاته مع الآخرين ,وتنمية طاقاته الذاتية ,والشعور,وحرية التفكير , والملاحظة ,وأخذ المبادرة,والخلق والابتكار.

أمام هذا التعريف الذي وضعه ذلك الباحث نجد أن ألأمر ليس بالهين فيما يتعلق بمعلم ومدرس التربية الفنية,اذ يتطلب أن يكون اعداده شاملا وملما بأساليب ونظريات لمختلف العلوم التربوية والنفسية والاجتماعية,فضلا عن الأمام الواسع بعلم الجمال.وهنا فأن واجب المعلم والمدرس يبدو كبيرا ومهما جدا وهو يتعامل مع نفسية الطفل وعلاقاته وسير نموه ومشاعره وطرق تفكيره .فمعلم التربية الفنية ليس بالضرورة أن يربي ويعلم لكي يخرج (أنسان فنان) فقط .انما ينشء أنسانا منسجما مع الحياة ومتغيراتها يشعر بتوازنه وثقته بنفسه.

ويؤكد نفس الباحث (5) أن معلم التربية الفنية اذا لم يكن ملما بالنظريات التربوية الكلاسيكية والحديثة والمقومات الأساسية للنفسية بغية تطوير السلوك والتصرف عند تلامذته وتنمية ملكات التعبير النفسية والعقلية والروحية لديهم فمن شأن عملية التربية أن تؤثر سلبا على نفسية الطفل والراشد على حد سواء .

وفي العديد من مدارسنا نجد أن هناك أهمالا واضحا في درس التربية الفنية .والذي كتبنا كثيرا عنه (كمشكلة التربوية) ونشرنا مقالات وبحوث ودراسات عديدة حول الموضوع ,ورغم ذلك لم نجد ما يحقق الغايات التربوية المثلى .حيث لم تلتفت المؤسسة التربوية الى الأمربشكل عميق ودقيق الا ما ندر.

لذلك فأن الخسائر كثيرة بالنسبة للطلبة الموهوبين والمبدعين الذين هم ضحية سوء التخطيط التربوي الاداري والتخلف المزري لبعض أدارات المدارس والنظرة الضيقة لبعض الكوادر التدريسية بل وحتى من بعض المسؤولين في المديريات العامة لتربيات المحافظات والمناطق.

لقد سبب ذلك ألأهمال (متعمد أو غير متعمد) للتربية الجمالية في مدارسنا الى حدوث خلل واضح في نفوس وشخصيات ابنائنا الطلبة .ومن مظاهر ذلك الخلل:-
1 – تجميد ملكات التعبير النفسية والعقلية والروحية.مما انسحب ذلك الى افتقار الطلبة الى قدرة التعبير الأنشائي والشرح في دروس الأجتماعيات مثل التاريخ والجغرافية والتربية الوطنية .
2 – الخوف والتردد من أكتشاف الواقع ومتابعة الظواهر من خلال التأمل الفني الجمالي لروعة الطبيعة .عندما قمعت الميول والرغبات تحت وسائل التهديد والتخويف من قبل بعض الأسر وادارات المدارس في أن لاجدوى من درس التربية الفنية فما هو الا لهو ولعب ومضيعة للوقت!!!! وبذلك فقد الطالب وسائله في أكتشاف قيم الجمال وفقد ثقته بنفسه في أكتشاف الواقع من خلال الرسم والموسيقى والغناء والنحت وغيرها.
3 – استشراء نزعة التخريب والعدوان في نفسية الطلبة .لعدم وجود وسائل لتسريب طاقاتهم بطريقة تربوية منظمة.
4 – ألأكثار من المواعظ وألأرشادات والتلويح بالعقوبة .وأشعار الطالب بأهمية الجانب المادي والوظيفة والتعيين والمنصب على حساب عواطفه وأحاسيسه .وذلك بالضغط عليه بضرورة الألتزام بـ (الدروس المهمة والأساسية ) وترك ما يلهيه ويشغله عن دروسه.
5 – قتل روح المبادرة واماتة الشعور بالتفكير الحر بالتعبير الفني الصادق النابع من اعماق الطفل بلا خوف من الخطأ ولا تردد في المواجهة.

أننا كمربين لا يمكننا أن ننمي شخصية الطفل في عملية التعبير عن شخصيته لتحقيق الأنسجام الداخلي عنده والتوازن في نفسه وفي علاقته مع الآخرين الا بتنمية الحس التعبيري الحر وضمن الحدود التي تضمن حقوقه كأنسان يعيش في مجتمع منظم .وعندما نسمح لطاقاته أن تأخذ مجراها بلا سدود كما يجري ماء النهر بلا موانع فأن مشاعره ستينع وتنمو مزهوة متدفقة.وبالتالي تنمو شخصيته بالطريقة التي نريدها كمربين..

أن دور معلم التربية الفنية والمدرس دور مهم وخطير.فهو الذي يربي ويعلم الطفل على الأحكام الجمالية.ويعلمه أن القانون جميل والعدالة جميلة والتسامح جميل والديمقراطية جميلة . فهو عندما يتحدث لهم عن الجمال ويعلمهم كيف يتذوقوه فأنهم سوف يستمتعون .وعندما يدعوهم في أن يكتشفوا انفسهم ويكسروا حاجز الروتين والتقليد سوف يتشوقون للحياة أكثر فيكونوا منتجين بلا شك.ويتعلموا كيف يكونون الأفكار ويقيمون المشاريع في الحياة.وبذلك سوف لم ولن يكره الطالب المدرسة عندما تتحول في نظره الى حياة متجددة كلها حيوية .وليست معتقلا للتعلم القسري في زق انواع المعارف والعلوم بطرق كلاسيكية قديمة.

أننا نفتقر الى تربية (جمالية) وذوقية في اغلب مدارسنا بمختلف مراحلها ,الا في قلة وبعدد الأصابع ,حيث تتوفر فيها الوسائل والأدوات والكوادر المتخصصة وأهم من كل ذلك (أدارة مثقفة) وواعية ومدركة لأهمية درس التربية الفنية وتخطيط جيد لايعطي أهمية لدرس دون الآخر.
 

المصادر:-
(1) المعجم الفلسفي المحتصر – دار التقدم – موسكو – ترجمة توفيق سلوم – 1986.
(2) جون ديوي – تأليف نوري جعفر – 1954.
(3) مفاهيم في الفلسفة والاجتماع – احمد خورشيد النور هجي – 1990 – بغداد
(4) التربية والجمال – د جميل قاسم – مجلة العربي الكويتية – العدد 582- تموز 2007-
(5) نفس المصدر .

 




 

free web counter