| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   الجمعة 9/12/ 2011

 

اجراس الخطر من زاخو

حسين القطبي

ليست البنايات العالية ، ولا مكياج الصبايا في المولات الفاخرة ، وحدها دليل على رقي المجتمعات وتحضرها، بل هذه ظواهر اقتصادية بحته، تشير الى مرحلة تطور رأس المال في ذلك البلد، فقط.

عمرانيا تنتعش كردستان هذه الايام ، فبقدر ما تبنى مأذن في محافظات العراق ، تشهق العمارات في كردستان، كأنها فطر تنبت من تلقاء نفسها.

وهذا البناء، وتوسع المدن ، وتغيير نمط الحياة للناس ، اقتصاديا على الاقل ، له تبعات نفسية على الفرد، ويراكم تغيرات اجتماعية كثيرة، تؤثر في شكل العائلة، تمس العلاقات الاسرية، وتترك بصمات واضحة وخطيرة على الانسان.

لذلك، فان التطور يتطلب بناء الانسان، بذاته، بناء نفسي يوازي البناء المادي، لكي يستطيع الفرد ان يؤقلم نفسه مع المستجدات الاجتماعية، ويستطيع استيعاب هذه المتغيرات التي تدور حوله.

لكن ما يشهده الاقليم اليوم ، يبدو وكأنه تسارع في توسع المدن ، وتغيير نمط حياة الانسان، دون محاولة تأهيل هذا الانسان نفسيا لتقبل هذه المستجدات، والتأقلم معها.

فالتطور يتم بوتيرة تسارع اكبر من قدرة الانسان ذاته على مواكبتها. وسرعة بناء الانسان في كردستان، كما يبدو، لا تواكب سرعة انشاء الطرق والعمارات والمرافق السياحية.

بالنسبة للكردستاني البسيط ، يجد نفسه وكأنه في بلد ثان ، هذه الايام ، فمدينته التي الف حياتها، واعتاد نمط اخلاقياتها، تبتعد عنه تدريجيا، حتى يكاد يجد نفسه غريبا فيها.

بدأ هذا المواطن يتذمر من زحف ثقافة احترام رأس المال، وتجاوزها للقيم التقليدية التي اعتادها، اولا.
وبدأ يشكو من سقوط الشعارات الوطنية ، وتهرئ المبادئ امام الفساد الاداري . الذي لم يعتد عليه الى الماضي القريب.

وبدأ يعاني من ارتخاء بعض الروابط الاسرية، ومن زحف صامت لـ "صناعة الترفيه"، مثل بعض الفنادق الراقية، و"عيادات الماساج"، الخ . وهي ظواهر مرافقة دائما للتطور العمراني ، ولتوسع المدن ، وقد بدأ المواطن الكردستاني يصطدم بها على حين غرة.

هذا كله ، وكردستان ليست استثناءا، فقد مرت بعض الدول في الشرق الاوسط بظروف مشابهة ، تطور سريع ومباغت ، وتغيرات ادت في اغلب الاحيان الى نتائج كارثية.

ففي اواسط السبعينات ، من القرن الماضي ، شهدت المملكة الايرانية قفزات عمرانية هائلة ، تبعتها تغيرات اجتماعية مفاجئة ، لم يكن بوسع المواطن الايراني المحافظ التكيف معها. مما ادى الى ردة دمرت كل المنجزات التي حصلت بسرعة انذاك.

تبع ذلك القفزة الاقتصادية المفاجئة التي حصلت في بلدان الخليج ، وما تبع ذلك من تشويه طال البنية الاجتماعية، واثر في شكل العائلة، والعلاقات الاسرية ، والانكفاء للدين ، الذي افرز كل هذه التيارات السلفية التكفيرية الناقمة على كل اشكال التطور الاجتماعي.

خطأ الشاه محمد رضا بهلوي ، الديكتاتور الطموح ، كان عدم احترام قدرة الفرد الايراني ، على التأثير في محيطه، والتركيز على الانجازات المادية القسرية، باعتبارها اقصر الطرق للتحضر.

وخطأ حكام الخليج هو ابتعادهم عن القيم الحضارية ايضا، والقفز بشعوبهم من قيم البداوة الى المدن الكوزموبوليتية ، بسبب الرغبة في الاستثمارات السريعة المردود.

اما خطأ القيادة الكردستانية اليوم ، هو مزيج من كلا التجربتين، فهي ما تزال تهمل الدور الذي يلعبه الوعي الاجتماعي في بناء البلد وتحضره، وتعتقد كما كان الشاه يؤمن ، بخطط تنموية انفجارية ، وفوق هذا، تبحث مثل القيادات الخليجية ، عن استثمارات سريعة العوائد.

فهذه القفزات غير المسبوقة بدت تخلخل منظومة القيم التي يحملها الفرد الكردستاني ، وتصطدم بالجديد، فاما ان تأخذ هذه التغيرات وقتا اطول ، وترافقها حملات توعية ، كرفع مستوى التعليم ، وتشجيع الاعلام الهادف لكي يستطيع الفرد استيعابها، واما مواجهة ساخنة قد تكرر تجربة ايران والخليج في كردستان هذه المرة.

ويلعب الاسلام دورا كبيرا في الحفاظ على منظومة القيم الاخلاقية للمجتمعات المسلمة ، ويقاتل في سبيل حماية هذه المجتمعات من المتغيرات الجديدة ، فالاسلام دين قوي ومتكامل ، وبامكانه ان يعيق استنساخ تجارب الشعوب الاخرى ، خصوصا تلك التي حصلت في دول شرق اسيا، في ستينيات القرن الماضي ، لان الديانات هناك، كالشنتو، الكونفوشيوسية والبوذية اكثر مطاوعة ، وتقبلا للتغيير.

وما حصل في زاخو في الاسبوع الماضي ، من حرق محلات بيع الخمور، والماساج ، وحرق الفنادق في دهوك والتحذير في كلار وكرميان ليس مجرد مفاجئة، او تخرصات امام جمعة سلفي ، انه اكبر من ذلك بكثير، انه جرس انذار، بأن كردستان قد قطعت شوطا كبيرا، وعليها ان تستريح ، ان توقف الاستثمار بالارض ، وتبدأ الاستثمار بالانسان ، من اجل ان يعي هذا الانسان كيف يساير الاستثمار بالارض.


 

free web counter