| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 8/8/ 2012

 

حرب كردستان.. ضرورة لبقاء العملية السياسية

حسين القطبي

منهك، ورائحة فمة اشبه بمخلفات بركان تتبخر من تحت معدته، ومع العطش الرمضاني يتحمل الصائم الحر، ولا يجرؤ على مطالبة الحكومة بتوفير الكهرباء له، اسوة بالشعوب المجاورة، لان المطالبة بالكماليات مثل الماء الصالح للشرب والوقود والكهرباء يضر بالعملية السياسية، كونه يظهر للملأ فشل القادة في المنطقة الخضراء ويوفر العذر لاعداء "العملية" السياسية.

و"العملية السياسية"، وانا فرح بها اسوة ببقية العراقيين، لا تتوقف عند تحريم المطالبة بالكهرباء، بل يجب مداراتها مثل طفل مريض، او امرأة مزاجية، فعلى العراقي ان يتحمل من اجل عينيها الكثير.. ارتفاع اسعار السكن، قلة الادوية والمستشفيات... يقال ليس هنالك جهاز لغسل الكلى في محافظة ميسان، فعلى المريض ان يسافر الى البصرة وينام بالدور، او ان يقيم في ايران.

وعلى العراقي ان يغض الطرف عن نقص المدارس وانحطاط التعليم وما لذلك من تبعات مستقبلية على الجيل الناشئ.. وان يسكت عن تفشي الفساد الذي طال القضاء واصبحت النزاعات تحل في دواوين العشائر، والعدالة يقطع بها شيخ قد لا يكون اختصاصه سوى سرد الحكايات وفي افضل الاحوال حفظ الابوذية.

الاسوأ من هذا هو العيش في هذا الوضع الامني الذي يعتبر من الاخطر في العالم، لم تجابهه الحكومة الا باساليب بدائية فاشلة، حتى بات الارهاب يتعب ثم يستريح ثم يضرب من جديد. والحديث عن مقاضاة المسؤلين عن هذا التقاعس يعتبر محرما ايضا، لانه قد يطيح ببعض المسؤولين، مما يضر بالعملية السياسية.

وصبر العراقي على تردي الحصة التموينية وارتفاع الاسعار وتكاليف السكن، ثم على انعدام الخدمات كالكهرباء والصحة، ثم على الوضع الامني، امر ميسور، فبامكان السيد المالكي اللجوء الى ابر تخدير يحقن بها الشارع العراقي، على غرار "حقنة" المئة يوم، التي اظهرت سرعة بديهته.

هذه المرة العملية السياسية بحاجة الى تنامي الشعور الطائفي في العراق، لان هذه المشاعر الملتهبة والمشدودة هي التي تحافظ قدر الامكان على نفس تشكيلة المنطقة الخضراء، وتحد من مخاطر انقلاب الطاولة على العملية السياسية.

وبمعنى اوضح ان الروح الطائفية، كل ما قوت اكثر في الشارع العراقي، كلما جاءت اصوات الانتخابات سلسة، بالشكل الذي يرضي العملية السياسية، ويساعد على نموها بنفس الرتابة التي عهدناها منذ نشأتها في العام 2005 الى اليوم.

والساسة الموجودون في المنطقة الخضراء هم كلهم ابناء هذه "العملية السياسية" التي تستمد بقائها من الشحن الطائفي والعرقي في العراق. فمن هم افضل من هؤلاء الساسة من نواب ووزراء وروساء لحمايتها وديمومتها؟

نحن بحاجة لتعزيز الروح الطائفية من اجل حشد التأييد لهؤلاء السياسيين، الا انه وفي ظل تراخي الشحن الطائفي "الشيعي السني" بفضل الوعي المتنامي، فان هنالك بوادر "حقن" طائفي من نوع اخر، يعتمد على العرقية القومية، يستهدف حشد الشارع العراقي لهذه الشخصيات التي بدى جليا بان لها القدرة ان تستبدل جلدها بسرعة وسهولة من "اسلامية" الى "قومية".

فرسان هذا الشحن هم السيد حسين الشهرستاني، الذي يبالغ كثيرا بمسألة تهريب النفط من اقليم كردستان، ويغض الطرف عن التهريب الى ايران عبر منافذ الوسط والجنوب، كذلك بعض البرلمانيين والمتزلفين لـ"العملية السياسية".

وكنا نعتقد بان الدفع باتجاه هذا التصادم القومي ليس سوى شحن اعلامي من قبل ساسة تدفعهم طموحات المناصب العليا، وذلك بالظهور امام الشاشات بمغالاة في استعراض دروس الوطنية. الا ان ذلك الرأي كان شديد التفاؤل.

بدا مؤخرا بان الشحن القومي هو خيار ستراتيجي فكري امام العملية السياسية من اجل الحفاظ على ديمومة الاستقطاب الانتخابي فيها. وما الحرب الاعلامية ثم التحشيدات العسكرية التي تتحرك باوامر رئاسة الوزراء، الا دليل واضح على التوجه الجديد .

ولأكن متفائلا واقول بان التصعيد الاعلامي سيكون كافيا لرص صفوف بعض فئات الشارع العراقي خلف راية السيد المالكي، خصوصا من تلك التي ما تزال تحن الى عهد الديكتاتورية وزمن الحروب الكارثية المباد، وان التصعيد العسكري سيقتصر فقط على تحريك بعض القطعات على مناطق التماس بين القوات الحكومية وقوات الاقليم

ولكني لا اخفي سرا اذا قلت بان التصعيد هو حاجة ماسة لسد جوع العملية السياسية، هذه التي اصبحت كالتنين، تلتهم الاخضر واليابس دون ان تمتلئ معدتها، وهي بحاجة الى حرب جديدة بدأت نذرها تلوح في الافق، وليس السيد المالكي، والسيد البارزاني، برغبة او مكرهين، سوى اذرع لهذه العملية التي لم تعد سياسية .
 

 

free web counter