| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   السبت 6/8/ 2011

 

شعوب غير مؤهلة للثورة

حسين القطبي

ما شاهدناه في تونس ومصر هو استبدال رأس النظام، بفوضى مؤقتة، ثم سرعان ما تعود الامور لتستتب على رأس جديد، يكمل ما وصلت اليه الحالة في لحظة سابقة، ونشوة الشعوب هذه تشبه استراحة الغواص الذي يجر نفسا عميقا ثم يعود الى الماء مرغما مرة اخرى.

فالمظاهرات العفوية وحدها لا تعني الثورة. وخروج مليون من المحتجين الى الشوارع بدافع النقمة، ودون تصور مستقبلي لبرنامج واضح ومدروس، لا يعني حتمية التغيير الجذري في هيكلية النظم القائمة ابدا، وربما هذا ما يفسر سر عدم اكتراث الغرب من كل ما يجري في عموم دول الشرق الاوسط، اذ ليس هنالك ثمة خطر جدي يهدد حالة الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي المصالح الحيوية له في المنطقة.

وقد يدعم الغرب سقوط رئيس كما في العراق (1991 - 2003م) وايران (2010م) ومصر (2011)، ويدعو لبعض الاجراءات الديمقراطية الشكلية ولكنه لا يقدم هذا البرنامج الثوري المتكامل الذي يمكن ان نصف التغيير الذي يجري على اساسه بانه "ثورة". ولهذا فما حدث في تونس ومصر بداية هذا العام، وما يجري اليوم في اليمن وسوريا لا يمكن تسميته بالثورة، لان الشعوب في هذه الدول ما تزال غير مؤهلة لاجراء هذه التغييرات الثورية.

فالمطالبة بسقوط ديكتاتور، دون تصور لشكل النظام ما بعد السقوط، تعني بالضرورة المرور بمرحلة انفلات مؤقتة لتستتب الامور لديكتاتور قوي اخر، ولو بشكل ومسميات اخرى، ولن يعدو الامر كونه دوران في حلقة، تجد نفسك بعد دورة كاملة وانت تعود الى نفس النقطة السابقة.

والبرنامج المستقبلي، الضروري للمرحلة الجديدة لابد وان يدرس الحالة الاجتماعية للبلد، خارطة الثروات، نمط الاقتصاد، وحجم الطبقات الحقيقي، وآلية توزيع هذه الثروات، ويدرسها بعمق، ثم يقدم هذا البرنامج حلول منطقية مقرونة بضمان تنفيذها، لا بالصورة السطحية التي تحيل كل جرائم تكديس الثروات الى مجرد جنح بالفساد والرشوة، وتصويرها وكأنها مجرد استهتار مجموعة من المسؤولين بالمال العام، تنتهي بمحاكمة بضعة من المسؤولين.

وبرنامج كهذا لا يمكن ان تقدمه سوى نخبة واعية، منغمسه في التناقض الاجتماعي، وتفهم صراع الطبقات، وتضارب المصالح في داخل المجتمع نفسه، وقد تنتظم في حزب او تيار جماهيري، ولها القدرة على البدء باجراء الاصلاحات مباشرة بعد سقوط النظام.

البلدان التي هبت فيها فئات واسعة على امل الثورة سرعان ما وجدت نفسها تنحرف في نزاعات طائفية مع السلطات كما حدث في البحرين وسوريا، او قد تناهت الى التلاشي كما في الاردن، العراق، المغرب وان كانت الاخيرة هي الاكثر وعيا وتنظيما.

وسبب انحراف مسيرة الاحتجاجات هو اساسها الضعيف، الهش، لفقدان هذا البرنامج الواضح الذي كان من الواجت ان تصاغ المطاليب الجماهيرية على خطاه.

اما الوعي الجماهيري الفطري فانه يتجه الى قيادات باسماء اكتسبت سمعة جيدة بمماحكاتها الاعلامية، وهنا نسجل غياب الشخصيات الواعية، التي تركت الساحة لمساجلين مثل القرضاوي والعرعور! وشخصيات انتهازية اخرى.

لذلك فان الهبات العفوية هذه لا يمكن التعويل عليها، وما دامت الشعوب تفتقد الى تيارات سياسية وفكرية واعية، فهي غير مؤهلة للقيام بثورات حقيقة بعد .


 

free web counter