| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

الجمعة 4/2/ 2011

 

الفيسبوك رجس من عمل الشيطان

حسين القطبي

لا شعارات دينية ولا قومية بين هتافات الشارع المصري، وهذا مؤشر لمستوى الوعي الذي بلغه المواطن هناك، بحيث لم تعد تنطلي عليه الطرق الايديولوجية الملتوية للسلطة، والتي تهدف في النتيجة الى اخضاعه عن طريق السيطرة على تفكيره.

ولو حدث ان قامت انتفاضة مشابهة في ثمانينيات القرن الماضي، لرفع المتظاهرون ملتحي الاخوان المسلمين على اكتافهم وهم لا يرددون سوى "الله اكبر"، ولساهموا بخلق سلطة ثيوقراطية كانوا سينتفضون عليها الان بشعارات مغايرة.

ولو حدث ان قامت انتفاضة مشابهة في سبعينيات او ستينيات القرن الماضي، لغلب شعار "فلسطين عربية"، معتبرين ان هم المواطن المصري هو القضاء على الصهيونية، ولوضعوا اركان سلطة مشابهة، لا تختلف الا بالشعارات، ولكانوا انتفضوا عليها الان ايضا.

بل شاهدنا ان الشعارات الوطنية البراقة قد اختفت ايضا، فلم يرتفع اسم مصر كصنم او فرعون جديد للعبادة على شاكلة الدين السياسي، او الشعارات القومية، سوى من قبل الاعلام الرسمي الذي يتمترس ورائه.

الجديد هو ان هذه الجموع تطالب باساسيات الحياة، وهي طريقة توفير العمل ولقمة العيش بحرية وكرامة للانسان البسيط، وهذه النظرة المتعصبة لانسانيتها فقط، هي مادة الثورات الكبرى عبر التاريخ، التي حدثت في فرنسا، روسيا، الصين وغيرها من شعوب سبقتنا.

وقد يعزى هذا التطور النوعي الى ان الجيل الجديد، عماد هذه الانتفاضة، هو باغلبه من مستعلمي وسائل الاتصالات العلمية الحديثة، ومرتبط بصداقات وعلاقات انسانية عابرة للقوميات والاديان واللغات، مع اخرين في بلدان الغرب والشرق.

وهذا التواصل الحضاري ساهم في نقل مشاعر الانسان الاخر، في الغرب خصوصا، الى المجتمعات العربية، واثر في سلوكية ونمط تفكير الشباب عندنا. والانسان في الغرب تجاوز ومنذ زمن، ازمة الهوية، الدينية والقومية، بل وحتى الوطنية، واصبح ينظر الى انتمائه الانساني على انه اعلى من اي انتماء اخر.

ففي كل مدينة في الغرب ترى من الوجوه المتباينة السحنات وتسمع من اللغات ما يجعلك تعتقد بانك تعيش ساعة القيامة، كما وصفوها، حين ينحشر الناس بعضهم ببعض من كل حدب وصوب وجيل، فاذا رأيت مجموعة من الصبيان تركض في ساحة ما، سترى بينهم الاسود والصيني والاشقر، يجمعهم الانتماء الانساني الاسمى فقط.

وبما ان الحكومات عندنا، لا تعيش الا على اشغال المواطن بصراعات جانبية، وتتخندق وراء الطائفية، والنعرات العدائية بين المذاهب والقوميات، وتستغل شعارات الوطن وتقديسه الزائد عن الحاجة، لقمع ذات الانسان، فانها لا محالة متأثرة بهذا السيل من المشاعر الانسانية التي يفيض بها الفيسبوك، والتويتر، واليوتيوب، وتخشى من غوغول، والياهو، لان هذه البرامج تعبر النعرات، وتقوض الشعارات الطائفية، وتسلب السلطات سلاحها الفكري الذي تلعب به على عقول العامة..

فعندنا في العراق، ولحد عام 2003، لم يكن هنالك من يعرف ما هو الانترنيت، او ماذا تعني كلمة ايميل، او من هي غوغول، الا القلة من المختصين، وعلى نطاقات ضيقة، او الذين يرتبطون بصلات نسب مع اقارب في الخارج.

ومواقع التواصل الاجتماعي عادة ما تمنع، او تراقب بحذر في احسن الاحوال في الدول المجاورة، لانها عين هذه الشعوب على الخارج، ووسيلة للتعرف على اخر ما وصل اليه الفكر الانساني من مستجدات، بينما هي في نظر سلطاتنا القمعية الخاشعة الورعة ليست سوى "وسيلة هدم" ورجس من عمل الشيطان، لكنه آت لا محالة.
 

free web counter