| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

السبت 4/12/ 2010

 

متى يفكر المسؤولون بتعويض الكرد الفيليين ؟

حسين القطبي

عندما اعلنت ليبيا مسؤوليتها عن حادث تفجير طائرة لوكربي وافقت على دفع مبلغ 2.7 مليار دولار لعوائل الضحايا الـ 270، اي بواقع 100 مليون دولار عن كل ضحية، واذا كان الاعتراف والتعويض قد تما بضغوطات دولية، بعد 15 عاما من الواقعة، فانها "ليبيا" وافقت طواعية على تقديم التعويضات ايضا عن ضحايا ارهاب الجيش الجمهوري الايرلندي السري في بريطانيا لانها كانت تموله بالاسلحة.

وتعويض الدول والشعوب هو مبدأ قديم، اسست له سلسلة ما عرفت بدعاوي الباما، تقدمت بها الولايات المتحدة ضد بريطانيا بسبب مساعدة الاخيرة للولايات الكونفيدرالية اثناء الحرب الاهلية الامريكية، اذ باعت 150 سفينة حربية لهذه الولايات، وقد اضطرت الحكومة البريطانية لدفع مبلغ 15.5 مليون دولار في العام 1872م كتعويض مادي.

ومازال الغرب الى اليوم يحتفظ بحق الضحية في التعويض عن الاضرار، حتى الى المجرمين، فقد وافقت الحكومة البريطانية على دفع مبالغ طائلة لمعتقلي غوانتانامو عن مدة من السجن وصلت الى 1.6 مليون دولار للفرد.

ومن يسجن بالخطأ يدفع له تعويض خيالي يفوق جائزة اللوتو، كما حصل مع الامريكي الان نيوتن، اذ اكرمته الحكومة الامريكية بمبلغ 18.5 مليون دولار بعد ان اثبت ان سجنه عن جريمة قتل كان عن طريق الخطأ.

ولو تركنا العالم المتحضر، فان الدول العربية هي الاخرى تقدم التعويضات لمتتضرري الكوارث والحروب ايضا، فقد قدمت المملكة العربية السعودية مبالغ وافية لمتضرري سيول جدة والرياض، في نوفمبر 2009م، والهزة الارضية التي ضربت منطقة العيص قرب المدينة في نفس العام.

ووافقت الحكومة السودانية على تعويض متضرري حرب دارفور حسب اتفاقية ابوجا التي عقدتها مع حركة جيش تحرير السودان عام 2006م، وانشأت مفوضية خاصة لهذا الغرض.

كما دفعت الحكومة المصرية مبالغ طائلة لرعاياها من متضرري حرب الخليج الذين كانوا يقيمون في العراق والكويت حينها، تراوحت بين 2500 دولار ومئة الف دولار للفرد الواحد.

وحتى في العراق، فقد دفعت الحكومة تعويضات هائلة للكويت، بلغت اكثر من 30 مليار دولار، وهو حوالي نصف المبلغ الذي ستكمله على دفعات.

ووافقت على دفع 147 مليون دولار للاردن بسبب تأثرها اقتصاديا بحرب الخليج، دفعت منها الى الان 107 مليون.

بل وافق العراق على تعويض بعض المواطنين الامريكان بسبب ما وصفوه بـ"المعاملة السيئة" التي تعرضوا لها بين عامي 1990 و 1991م في الكويت.

وداخليا تم تعويض بعض متضرري العمليات الارهابية، اسوق مثالا واحدا هو حادث ناحية المدحتية في بابل، الذي وقع في شهر مايس هذا العام.

بينما لم تفكر جهة سياسية الى الان، ولا جهة دينية، ولا اخرى "حقوق انسانية" بتقديم ثمة تعويض لمتضرري عمليات التهجير القسري التي قامت بها الدولة العراقية لما يربو على المليون من الكرد الفيلية لايران، او لاحتجاز اكثر من 10 الاف شاب، (بين 18 و 28 سنة) من ابناء العوائل المهجرة في العام 1980، وما زال مصيرهم مجهولا، ولم يعثر لهم الى اليوم على اثر، حتى في المقابر الجماعية!

والتعويض لعوائل الكرد الفيلية ليس تكريما معنويا فقط، فالجريح في بلاد الغاب يلعق جراحه وحيدا، دون انتظار "مكرمة" معنوية، بل انه حاجة مادية اقتصادية لمئات الالاف من العوائل التي وجدت نفسها ذات ليلة وقد استولت الدولة العراقية على كل ممتلكاتها، وصادرت اموالها، ودفعتها الى خارج الحدود، الى دولة منكوبة بثورة اسلامية حديثة وحرب طاحنة.

ولم تستطيع هذه العوائل اعادة بناء نفسها، بسبب الفقر، العازة، والوضع الاقتصادي المريع في ايران. اذ ماتزال الالاف من تلك العوائل تعيش على حافة الحياة بعضها في مخيمات مثل "ازنا"، والاخر يكابد من اجل الحصول على منزل "ابسط مقومات الحياة"، وهم بحاجة الى تشغيل، وتأمين مدارس اطفالهم، والتمكن من دفع اجور المستشفيات وشراء الدواء.

فهل يفكر المسؤولون العراقيون بانصاف هذه العوائل المتضررة، التي تحتاج الى اعادة تأهيل نفسها، الى مبالغ تعيد بها شراء محلاتها المصادرة، وبيوتها المغتصبة من مالكيها الجدد على اقل تقدير. وتحتاج الى الدعم المادي لكي لا تضطر لاجبار اطفالها على العمل، سواء تلك التي تمكنت من العودة الى العراق، ووجدت نفسها تصارع طواحين الهواء، او تلك التي ما تزال تكابد في المغتربات.

والعراق الذي يدفع التعويضات لاغنى دول العالم "الكويت" بسبب عصا العم سام، يمتلك واحدة من اكبر ميزانيات الشرق الاوسط، بلغت في الاعوام الاربعة الاخيرة 311 مليار دولار، منها 72.4 في هذا العام وهي اكبر من ميزانية اربعة من الدول العربية مجتمعة، على رأسها مصر (36.5 مليار)، سوريا (16)، الاردن (7.6) ولبنان (6.2).

وهذه المليارات الفلكية في ميزانية العراق جاءت كزيادة غير منتظرة، اذ لم تتجاوز في العام 2003، الميزانية التي اقرها بريمر، الحاكم العسكري الامريكي 6.1 فقط.

اي ان العراق قادر على دفع حق الضحايا، من العوائل المتضررة، لكن المسؤولين كما هو واضح لا يفكرون بالحق، وانصاف الضحايا، بل بالباطل ومواصلة سياسة الانكار التي ورثتها من سابقاتها قبل 2003، من تلك التي ارتكبت بحق الكرد الفيلية جريمة الابادة العرقية "الجينوسايد"، الامر الذي اقرته المحكمة الجنائية العراقية في 29 نوفمبر الماضي.

المسؤولون الحكوميون منغمرون كما يبدو في بحر الفساد، يمرحون على امواج المال، فبنظرة عابرة على ميزانيات الوزارات يمكن ان نعرف بماذا يفكرون بالفعل، دعني اسوق مثالين واترك الباقي.

خلال الأربع سنوات الاخيرة خصص لوزارة النفط 18.6 مليار دولار والغريب أكثر ان الوزارة لم تقم بحفر بئر واحد في العراق خلال هذه المدة وان جميع الحقول التي تعمل تم حفرها قبل ذلك الوقت.

وزارة الكهرباء امنت خلال السنوات الاربع الاخيرة 650 ميكاوات فقط وقيمتها في السوق العالمية اقل من 570 مليون بينما الميزانية التي خصصت لها هي 11.8 مليار.

وعدم تعويض العوائل المهجرة هو استمرار للفساد، ولغمط الحقوق، وهو سرقة من قوت العوائل الفقيرة، التي لا طريق امامها الى في التقدم الى المحاكم الغربية.

 

 

free web counter