| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   الخميس 31/5/ 2012

 

المالكي اكثر خطورة على العراق من صدام حسين

حسين القطبي

اذا كان الديكتاتور الاسبق صدام حسين قد مثل خطرا على العراق، كونه زج البلاد بحروب، فان المالكي يقحم العراق اليوم في عاصفة من الطائفية و"العرقية"، تدمر الهوية الوطنية العراقية، اكثر خطورة من الحروب الخارجية السابقة.

فالحرب العسكرية الخارجية مهما حصدت من ارواح، ورغم كل تبعاتها الاقتصادية، وتأثيراتها النفسية في المجتمع، فان بالامكان خلال سنين تجاوزها، وهذا ما حدث بعد حرب الخليج الاولى، اذ عادت العلاقات بين الشعبين الجارين (العراق وايران)، وكأنها لم تتأثر اساسا، بدليل هذه الاعداد المتزايدة من الزوار التي تتنقل على جانبي الحدود يوميا، وبكلا الاتجاهين، بل حتى القوى السياسية الايرانية، الموالية للحكومة، والمعارضة (مجاهدي خلق)، على السواء، تجد حلفاء لها في داخل العراق.

حتى الحرب الثانية، فانها لم تخلف صدعا بين الشعبين الجارين (الكويتي والعراقي)، ولو تتصرف القيادات الحاكمة في البلدين بحكمة وروية افضل لانتهت جميع الخلافات المالية والحدودية منذ زمن، ولبدأ البلدان مرحلة جديدة من التعاون والشراكة الاقتصادية والتعايش المزدهر.

الا ان ما يقوم به السيد المالكي من تجييش اعلامي لتعبئة مكونات المجتمع العراقي ضد بعضها البعض، والتأصيل لحالة العداء المزمن بين المكونات العراقية، من اجل استمراره في السلطة، فانه يقود الى نتائج اكثر كارثية، ويترك تبعات اكثر خطورة من حروب صدام، ومخلفات نفسية على الفرد العراقي اسوأ بكثير مما تركته تلك الحروب السابقة.

فلاول مرة يؤمن العراقي (من مكون معين) بان العراقي (من مكون اخر) هو "اخر"، بمعنى بروز ثمة تعارض في الانتماءات بين فرد عراقي واخر، يصل الى حد الاصطدام، وهذا ما لم يكن معروف سابقا، وسياسات التجييش الاعلامي التي انتهجتها القوى الدينية من اجل تهيئة اجواء ومسببات بقائها وانتشار شعبيتها، بتسخير كل الوسائل الاعلامية المتاحة لها، هي التي زرعت هذا الشعور.

واذا كانت السياسات الطائفية السابقة (منذ 2003) قد اوجدت شرخا في العلاقة بين "الشيعي" و "السني"، فان التجييش القومي في الاعلام، والذي يشعل فتيله السيد المالكي شخصيا، لا يقل خطورة على تجانس المجتمع العراقي من التجييش الطائفي، اذ صار يؤسس لثقافة خطيرة اخرى هي "العربي" ضد "الكردي" هذه المرة، والخطورة تكمن في انها قد تمثل رصاصة الرحمة في جسد الهوية الوطنية العراقية الشاملة، التي حددت سمة العراقي منذ تأسيس هذه الدولة في العام 1921 الى 2003.

سياسة التجييش الطائفي التي مارستها الحكومات الدينية بعد عام 2003 افرزت ثقافة التقسيم للمرة الاولى، اذ برزت الى السطح مطاليب شعبية تختلف "الشيعية" منها عن "السنية" في تراجع واضح للمشاعر الوطنية "العراقية"، الامر الذي لم يكن معروفا من قبل، بل برزت مصطلحات جيو- طائفية على شكل المثلثات الجديدة، كالمثلث السني، ثم التقسيم الاكثر وضوحا، مثل "المحافظات السنية" مقابل "المحافظات الشيعية"، بل امتد الاستقطاب الطائفي الى احياء المدن نفسها في ظاهرة جديدة وخطيرة وهي نشوء الاحياء الطائفية!

وسياسة التجييش القومي التي يدفع بها السيد المالكي الى الواجهة، من اجل اجنداته الخاصة، والتي تتلخص جلها بـ"افضل طريقة للبقاء على الكرسي"، فانها في بدايات تشكيل شرخ جديد في جسد المجتمع العراقي، يسخر السيد المالكي خلالها ما يتوفر له من اجهزة اعلامية، ومن برلمانيين وصوليين وساسة حديثي عهد "انتهازيين" على شاكلة احد المتزلفين الذي يدعو الى طرد الكرد من بغداد. وهذا الشرخ اخطر بكثير من الشرخ الطائفي السابق، وهو ملف حساس ينبغي التعامل معه بعلمية وايثار بعيدا عن المصالح الذاتية.

يتلخص سيناريو السيد المالكي من اجل البقاء في السلطة في سعيه لرسم ملامح عدو وهمي للعراق، يحاول هذا العدو ان يمزق جسد الكيان العراقي، وقد اختار له كردستان، وانه (السيد المالكي)، مقابل هذا العدو، هو المدافع الوحيد عن وحدة الاراضي العراقية، وهكذا فانه يتقدم الصفوف في حرب اعلامية، تتحول لاحقا الى شن مناوشات عسكرية، يعد لها على هامش اجتماعات مجلس الوزراء، فى كركوك والموصل. لتكون النتيجة ايهام الشرائح نصف المتعلمة في المجتمع، وهي الاكثر تأثرا بالاعلام الحكومي، بان شرط بقاء العراق موحدا هو في بقائه على الكرسي، هذه الشرائح بالتحديد هي التي اوصلته في الانتخابات السابقة، وهي التي يراهن عليها مجددا.

سيناريو كهذا للعراق، يشبه فرحة طفل رضيع يمارس هواية اللعب بالسكاكين، فاذا كانت حروب صدام الخارجية، واثارها قد اندملت، بفعل الزمن، فان حروب المالكي الداخلية، باستخدام سلاح الاعلام الجماهيري، واللعب بسكاكين الطائفية سوف تترك، في حالة نجاة العراق، اثارا اكثر خطورة، لن يستطيع الزمن تجاوزها، لانها تقطيع، واجتثاث للهوية الوطنية العراقية من الاساس، وهو على ما يبدو الثمن الذي يدفعه المجتمع العراقي من اجل بقاء المالكي على كرسي الحكومة.

 

 

free web counter