| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسين القطبي

 

 

الأربعاء 29/9/ 2010

 

عبد القادر العبيدي يقود غزوة انقرة

حسين القطبي

وفي ظل التصاعد المضطرد في وتيرة الاجتماعات الثنائية، في المنطقة الخضراء، والحصار الذي يواجهه السيد المالكي، فقد اندفع الى انقرة في خطوة تبدو وكأنها ذكية ومحسوبة لسببين اساسيين.
اولهما لاعتقاده بان تركيا قادرة على التأثير في الموقف الامريكي، بسبب المصالح الستراتيجية التي تربط الجانبين، وان الثقل التركي يؤثر بلا ريب في كسر سياسة توازن القوى التي تمارسها الولايات المتحدة بين فرقاء الكتل البرلمانية، لصالحه، وهو اعتقاد يبدو مقبولا، خصوصا اذا ما اخذ بمعزل عن سياقه التاريخي، وعن حقيقة الدور التركي الذي سبق وراهن عليه السيد الجعفري ايضا، اخر ايام وزارته.

وثانيهما هو الضغط المباشر على التحالف الكردستاني والقوى المؤتلفه فيه، في محاولة لاضعاف المواقف الداعمة لترشيح السيد عادل عبد المهدي امامه، لان البديهة السياسية تقول حارب الاكراد بالاتراك.

ورسالة السيد المالكي الى انقرة هي ان العرض السخي الذي يقدمه لشراء الدعم التركي يتضمن بندين معلنين واخر خفي، وهذا الاخير هو ما يسيل له لعاب الترك منذ زمن.
المعلن من العرض هو استعداد حكومته للمشاركة عسكريا في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، والمشاركة في الطيران الحربي تحديدا، اذا ما قدمت الحكومة التركية بعض التسهيلات التقنية التي يحتاجها العراق.
والبند الثاني هو تسهيل دخول الشركات التركية، للعمل تحت شعار "اعادة اعمار العراق"، وما يتداعى الى الذهن من تمرير صفقات خاصة بعضها يمتاز بالسرية، مع شركات البعض منها مملوك للشخصيات السياسية صاحبة النفوذ في الشأن السياسي. والشركات التركية هذه، التي تنتظر على الجانب الاخر من الحدود، تشبه الى حد كبير مجموعة من اسماك "الحرش" الجائعة، التي تنتظر افتراس جثة طافية، ولهذا وصفت الزيارة كما جاء على لسان السيد الوزير في انقرة بأنها "امنية اقتصادية".

اما الثمن الذي لم يعلن عنه السيد المالكي، ويدخل ضمنا في هذا السياق، فهو غلق ملف المياه، والتعهد بعدم الاعتراض على مشروع "غاب" والسدود الجبارة التي تبنيها تركيا على نهري دجلة والفرات مثل سد السو واتاتورك وغيرها، مما يعني التزام الصمت عن تجفيف رافدي وادي الرافدين. والحلم الذي يراود تركيا منذ عقود هو مقايضة النفط بالماء، اذا ما تصحرت مساحات اخرى من العراق واصبحت هذه البلاد النفطية مجرد امتداد صحراوي للجزيرة العربية.

الا ان الملفت للنظر، ان الحكومة التركية تجاهلت العرض، وكأنها قد حصلت على هذه المطاليب من قبل، أو وقعت بعض بنودها في اتفاقية ابرمها معها السيد ابراهيم الجعفري حين كان يعاني مع التحالف الكردستاني من ظروف مشابهة في مايو من العام 2005، وكذلك في اتفاقية الشراكة الاقتصادية في مايو من العام الماضي.

وهكذا يبدو ان السيد المالكي لم يقرأ الواقع التركي الراهن، بصورة جادة، واتبع البديهات السياسية وكأنها قوالب جامدة، فهذا البلد يمر في هذه الاسابيع بالذات، في مرحلة انتقالية هي الاكثر حراجة في تاريخه الحديث، تكاد تعصف بكل القيم الاتاتوركية التي رافقته منذ تاسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال باشا "اتاتورك" في العام 1923 الى اليوم، وسياساته الخارجية تمر بانعطافات حادة، وغير متوقعة.

فقد تزلزلا وترنحا عمودا النظرية الاتاتوركية في هذا الشهر بالتحديد، وهما العلمانية والتتريك، في الاستفتاء الاخير الذي جرى على الدستور قبل اسبوعين فقط (الثاني عشر من ايلول)، اذ قلص التعديل سلطات الجيش، ومنح زخما غير مسبوق لصالح الحريات الدينية والثقافية، وترجم سياسيا الى نصر لقوى الاسلام السياسي من جهة، والقوى القومية (الكردية بالتحديد) التي يعترف للمرة الاولى بوجودها، كقوميات اخرى تعيش في كنف تركيا.

وهذا الحدث قوض كثيرا فرص الحكومة العراقية في اللعب على الورقة الكردية في تركيا، من جانب، واعطى الساسة الكردستانيين زخما اقوى في العملية السياسية في العراق، لانها القوة العراقية الاكثر تأثيرا في الوضع الداخلي التركي، بسبب النفوذ الثقافي المتبادل على جانبي الحدود.

الرد التركي على رسالة المالكي جاء في اليوم ذاته، على لسان وزير الخارجية بشير اتلاي الذي حضر الى اربيل، والتقى برئيس الاقليم السيد البارزاني. وكما جاء في محضر اللقاء الذي نشرته صحيفة "حريت" التركية، اعتراف الوزير اتلاي بان انقرة تفاوض زعيم الحزب الكردستاني عبد الله اوجلان مباشرة للخروج معه بصيغة حل للقضية الكردية، وهذا هو بالتحديد ما يضعف اي دور محتمل لدول الجوار التركي من لعب هذه الورقة.

والغريب ان الموقف الكردي، وفقا للصحيفة، لم يتغير، اذ كرر البارزاني رأيه بأن "السلام" هو الحل الأمثل للمشكلة، وما يعنيه ذلك من دعوة لانقرة الى الرضوخ للمطالب الجماهيرية في كردستان تركيا ونبذ خيار الحرب، دون اعتراض من وزير الداخلية التركي!

لذلك فالسببان اللذان دفعا المالكي للتوجه الى الاناضول، كقشة نجاة اخيرة، اي التعويل على ثقل انقرة في الموقف الامريكي من جانب، والضغط الذي يمكن ان يفك الموقف الكردي ويضعف منافسه على كرسي المنطقة الخضراء، السيد عادل عبد المهدي، من جانب اخر، لم يكونا سوى قراءة خاطئة للموقف السياسي الراهن في تركيا، ولن يعود الوزير العبيدي، لهذا، من غزوة انقرة بخيبة اقل من كان في غلة السيد ابراهيم الجعفري.



 

free web counter