| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

الأثنين 29/11/ 2010

 

ثقافة الحب مقابل ثقافة الكراهية

حسين القطبي

عندما بدأ الفلسطينيون عملياتهم الانتحارية ضد الاسرائيليين، قابل الاعلام العربي المتلهف للمستجدات الساخنة، هذه الاعمال بالتهليل لها على انها اعمال بطولية.

وكان حصيلة ذلك هو التأسيس لثقافة قتل النفس من اجل قتل الاخر، العدو، وساهمت قنوات الاعلام، المرتبطة اغلبها بالانظمة العربية، بانتشار هذه الثقافة بين اوساط الشباب المتحرق للنضال.

ثم انسحبت هذه العمليات من ضد "الاسرائيليين" الى ضد "اليهود"، يعنى ان يكون المستهدف هو اليهودي بغض النظر عن كونه جندي يخدم في الجيش الاسرائيلي، او امرأة عجوز تتسوق في زقاق، ولم يعترض الاعلام العربي على هذا التغيير، وواصل التمجيد، واعتبار الانتحاري شهيدا.

وكانت انعكاسات ذلك التمجيد خطيرة، اذ تلاشى الخط الفاصل ما بين المجرم والبرئ، واصبحت المجموعات السكانية بكاملها تصنف على اساس انها عدوة، وليس الافراد المسؤولين باسمائهم.

حكومات، عربية واسلامية، اعلنت تضامنها مع هؤلاء "الشهداء"، ولم تكتفي بدعمها معنويا، بل قدمت بعض هذه الحكومات مساعدات مادية لعوائل الاستشهاديين من اجل تشجيع المزيد من الشباب، العاطل على وجه التحديد، لتقديم انفسهم قرابينا لمآرب سياسية واجندات خفية.

ولما كان "العدو" هو كل مجموعة سكانية تختلف معي، وفق هذا المبدأ، فقد اصبحت الخلافات العربية الداخلية، ساحة للقتل على اساس الهوية وليس على اساس الذنب.

فالمسيحي عدو، والشيعي عدو، والكردي عدو، وما اكثر الشرائح في المجتمع العربي، وما اكثر التقسيمات الطائفية والقبلية والعرقية فيها.

ولما كان سلاح "الاستشهاد" مباحا، وهو بطولة، فلماذا لا يستخدم ضد زوار الامام موسى الكاظم، او في مسيرات عاشوراء، او في الكنائس، او الاحياء التي تقطنها اغلبية كردية، شيعية او سنية؟ وكل هؤلاء يمثلون كتل سكانية معادية من وجهة نظر البعض من الاصوليين المتشددين؟ فليس بينهم ابرياء، كما هو الحال تماما مع اليهود.

وعندما اعتبرت منظمة فتح عدوا لحماس، فلم تتردد الاخيرة في اللجوء الى العنف في مجابهتها للحد الذي وصلت حدة الخلافات فيه الى رمي الفتحاويين في غزة من المباني العالية.

وقد دخلت هذه المفاهيم في مقدسات المتشددين فاصبح الاعتراض عليها يعتبر تمردا على الدين، وكفرا، وبالنتيجة دخولا طوعيا في خانة الاعداء.

لكن مقابل هذا الطرز من التفكير تقف قلة من المثقفين، الذين لا يكاد يسمع لهم صوت، تحاول التذكير بان سلاح الحقد له حدين، وان ثقافة الكراهية هذه، بقدر ما هي سلاح يمكن استخدامه ضد العدو، فانه يتوجه في حال الافراط في استخدامه الى الذات، ويطعن المجتمع الذي تسود فيه هذه الثقافة. وان الاحتفاظ بقليل من الحب تجاه الاخر من شأنه ان يشيع ثقافة التسامح.

والتسامح الاجتماعي ليس ميوعة ولا رومانسية حالمة، بل هو استنتاج منطقي توصلت اليه كل المجتمعات المتحضرة اليوم بعد ان كابدت معاناة قاسية مع الكراهية، استمرت قرونا من الزمن، اي ان ثقافة المحبة والتسامح هذه ليست تهومات شاعر، بل هي علاج علمي اكتشفته تلك المجتمعات على مراحل، وعندما تكتشفه مجتمعاتنا، وتعي ضرورة التعايش مع الاخر، انذاك فقط سندخل مرحلة تطورية تجعلنا نستطيع ان نقول باننا مجتمعات متحضرة.

 

 

free web counter