| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

حسين القطبي

 

 

 

 

الجمعة 29/10/ 2010

 

سيرك سياسي

حسين القطبي

ليست من علامات الساعة، ولا من مؤشرات ظهور الامام عج، بل ان المستحيلات التي تحققت في الاسابيع الاخيرة تكاد تفوق ذلك غرابة. فاذا كان يوم القيامة، وظهور الامام صاحب الزمان امران مفروغ منهما لدى الغالبية، وهما متوقعان، فان الانعطافات المفاجئة التي يصطلح علي تسميتها العراقيون بـ"الدقلات" السياسية في الاسابيع الاخيرة، اذهلت الشارع العراقي، وفاقت كل التصورات.

فهل كان ثمة عراقي يتخيل ان يتوجه السيد الحكيم، رئيس المجلس الاسلامي الاعلى بدعوة البعثيين للاشتراك في الحكومة!؟

وهل كان ثمة عراقي اخر يتوقع نجاح هذه "الدقلة" الستراتيجية في سياسة التيار الصدري بدعم ائتلاف دولة القانون، وترشيح المالكي لرئاسة الوزارة.

ومن كان يحسب بان النجيفي سيتوجه يوما الى اقليم كردستان ويعتذر ضمنيا، وفي اربيل، عن مواقفه "القومية" العروبية المعادية لسياسة الاقليم ولسلطات البيشمركة في نينوى؟

تخريجة السيد الحكيم لم تكن موفقة تماما، وهي التفريق بين البعثيين الملطخة اياديهم، والبعثيين الذين لم تتلطخ "اياديهم"! لأن في هذا التفاف ضمني حول الخلاف الفكري بين الاسلام الاممي والبعث القومي، واختزال الصراع العقائدي الى مجرد خلاف قانوني؟

وتبرير السيد مقتدى الصدر لم يكن موفقا هو الاخر، حين القى التبعية على "ضغوطات" من دول الجوار، لأن ذلك يؤكد، وبصورة غير مباشرة، وعلى لسانه، تبعيته لقوة اقليمية (المعنية ايران).

اما تبريرات السيد النجيفي فكانت الاغرب اذ لخص الخلافات مع الاقليم على انها كانت "تشنجات تعود لمرحلة سابقة"، والاغرب من ذلك هو الاستقبال الحار الذي لقيه في اربيل!؟

السياسي الناجح في البلدان شبه الديمقراطية، هو الذي يجيد الانعطاف في مثل هذه المواقف الخطيرة، فيكون قادرا على تقديم التنازلات مقرونة بتبريرات هشة من جهة، ولا يفقد شعبيته بين جماهيره في الوقت نفسه من جهة اخرى، وهي معادلة ليست باليسيرة، تتطلب التحلي بشجاعة المجازفة، وثقة فائقة بالنفس، وبالجماهير التي يقودها.

ووفق هذا الوصف فان السيد الحكيم، والصدر، واسامة النجيفي، كاشخاص، اثبتوا نجاحهم، واستيعابهم لدروس علم السياسة، بغض النظر عن المدرسة الفكرية التي ينطلق منها كل منهم.

ونجاحهم هذا هو الذي سيطيل اعمارهم السياسية، ويبقيهم في الواجهة، لان الادارة الامريكية، التي تتكفل دعمهم تعتمد دائما على الشخصيات الناجحة من هذا الطراز، تلك التي تتمتع بامكانية ترويض جماهيرها وقيادتهم في انعاطافات خطيرة كهذه، واقناعهم بتقبل التنازلات عن الثوابت والخطوط الحمر. ولا يهم اذا كانت منطلقات السياسي في الاساس مبدأية ام انتهازية.

نعم، سياسة توازن القوى التي تتبعها الادارة الامريكية بين المكونات الاثنية والطائفية في البلاد تتطلب تقديم التنازلات. وبدون هذه التنازلات لا يمكن الحفاظ على الاستقرار، وديمومة النظام الديمقراطي، واعتقد ان هذه الشخصيات قد اجتازت امتحانات هذه المرحلة بكفاءة، مرحلة الانعطافات والدقلات الخطيرة، واوصلوا الديمقراطية الى مرحلة اكثر نضجا، لذلك فقد تمتعوا هم ببقاء كراسيهم، وتمتعنا نحن بمتابعة سيرك سياسي مثير لاول مرة في العراق.

 

free web counter