| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   الثلاثاء 26/4/ 2011

 

انهم يحرقون البحرين، في العراق

حسين القطبي

في صيف عام 2003 كنت في زيارة خاطفة للبحرين، وكنت اتوقع حينها ان ارى المارة ينعمون بمظاهر الرخاء، في مولات مكيفة، اسوة بابناء الامارات المجاورة، (المواطنون منهم على الاقل)، وان زحف المظاهر العمرانية قد اكتسح بلا رحمة نمط الحياة التقليدية، التي لم يعد لها وجود الا في مصاغات الحلي البحرينية المشهورة.

الا ان ما اثار انتباهي، في ذلك البلد، المحسود لثرائه، من قبلنا، في العراق، هو تزاحم علامات الفقر والمعاناة التي يعيشها اغلب المواطنين، اولئك الذين تطبخهم الرطوبة الساخنة على مهل.

ففي قلب العاصمة كانت هنالك ازقة غير معبدة، ومقاهي مفتوحة للسموم الحارق، وندماء بفانيلات بالية يتغدون من اطباق الباقلاء في صحون الشاي مع قطع الخبز والبصل.. بل سمعت نقاشات سياسية وتذمر على وجوههم السمراء بما يشبه الى حد بعيد اجواء الجنوب العراقي في مرحلة الستينيات من القرن الفائت.

ولان هنالك ثروة طائلة، وفقر قاسي، فان التفاوت الطبقي هذا، بين من يستغلون هذه الثروات دون استحقاق، ومن يستحقونها دون القدرة على استغلالها، التفاوت هذا، لا بد ان يفرز حالة من التذمر، او انها حالة من تراكم الغضب الجماهيري حتى بلوغ درجة الانفجار.

لهذا فلم اشعر بالغرابة من اندلاع انتفاضة جماهيرية اليوم، تطالب فيها الفئات الفقيرة بحقها من الثروة، ليس فقط عن طريق تحركات شبابية عفوية، بل بوعي سياسي وطبقي ايضا، كنتيجة لهذا الحرمان الطويل، والافقار العمد.


الا ان استغلال التيارات الدينية-الطائفية بشقيها الشيعي والسني لهذه الانتفاضة، سواء في داخل البحرين او خارجها، لم يؤدي الا الى محاولة حرف اهدافها من المطالبة بالعدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، الى مجرد نزاع طائفي هو في احسن وجوهه غير حضاري.

وعندما تطالب الطبقات المسحوقة في البحرين بحقوقها المشروعة، لا تمتلك الحكومة حق استخدام القسوة المفرطة امام اصحاب هذه الحقوق، اخلاقيا على اقل تقدير، ويحضى المنتفضون بتعاطف من الشعوب الاخرى، كما حصل في التعامل مع انتفاضتي التونسيين والمصريين من قبل.

بينما في حالة اعتبارها مجرد نزاع طائفي، فان الاستقطاب الشيعي السني سيضيع على البحرينيين فرصة اعادة بناء بلدهم وارساء نظام اكثر عدالة، من جهة ويفتح الباب من جهة اخرى للمزايدين بالشعارات الدينية من اجل اذكاء نار صراع طويل الامد يتحول الى مصدر رزق غير مشروع سيدفع المواطن البحريني فاتورته لاجيال قادمة.

ومحاولة دمغ الانتفاضة بسمة "الطائفية" وفر الفرصة للسلطة البحرينية للاستفادة من قوات درع الجزيرة وقمع المتظاهرين بشكل سافر، ثم الحصول على دعم جماهيري لها في الدول الاسلامية المجاورة.

وفي العراق يستغل البرلمانيون، وبعض الاحزاب الدينية ورقة البحرين في مناكفاتهم داخل قاعة البرلمان وخارجها، كجزء من اللعبة الديمقراطية، بين من يؤيد الانتفاضة "الجناح الشيعي" ومعارض لها "الجناح السني"، وهو اساءة لثورة شعب البحرين، بالضبط كما حدث في ايران والسعودية.

فاذا لعب رجال الدين في قطر والسعودية دورا غير حميدا في جر الانتفاضة الى مجرد صراع طائفي، يبرر قتل المتظاهرين العزل، ولعب في الجانب الاخر رجال الدين الايرانيين دورا في وسم الانتفاضة بالطائفية المحضة، لمزايدات سياسية، فان ما يجري في العراق من انقسام حولها لا يخرج من نفس دائرة المزايدات التي يحصد السياسيون الطائفيون مزاياها، ويدفع فاتورتها المواطن البحريني.

استغلال ورقة البحرين في الاستقطاب الطائفي الدائر في العراق، يمنح البرلمانيين والساسة العراقيين امتيازات جديدة، ويعزز رصيدهم بين صفوف طوائفهم، بالتأكيد، لكنه يساهم في حرف الانتفاضة، وتأخيرها، لاجيال، واستمرار حرق ازقة البحرين، ومقاهيها، برطوبة الخليج الخانقة.

 

free web counter