| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

الأربعاء 26/1/ 2011

 

فادية حمدي، صفعة على مقياس ريختر

حسين القطبي

كم كان زين العابدين بن علي يتمنى لو صفعته الشرطية التونسية المسترجلة فادية حمدي على وجهه بدلا من وجه بوعزيزي، لكانت الامور سويت حينها، ولكان الان يعد خطابه الذي سيمثل فيه "شعب تونس" بين القادة العرب في مؤتمر قمة بغداد، ولما اضطر ان يرى وجه زوجته من خلف النقاب، يتعرق في حر السعودية الصحراوي.

صفعة تلك الانسة الثلاثينية، او "الانس الثلاثيني" احدثت زلزالا في تونس لا يستطيع مقياس ريختر تدريجه، وهزات ارتدادية في دول الجوار الافريقي وصلت الى السعودية (قام سعودي باحراق نفسه في جيزان).

فتونس هي البلد الذي يعتبر الاكثر انسجاما مع نفسه، تكاد تنعدم فيه الصراعات الطائفية، ولا مكان لتناحرات مذهبية تذكيها السلطات من اجل ابعاد الخطر عن الكرسي، الكل تقريبا من دين واحد، ومذهب واحد (المالكي)، وهو يمتاز عن بلدان شمال افريقيا باستقراره القومي، وقد حلوا مشكلة الامازيغية على اساس ان الكل اليوم عرب، واسلافهم امازيغ، وليست هنالك اقلية ما تزال تتمسك بقوميتها الحقيقية، وليس هنالك قومية ثانية تحاول فرض ثقافتها بالقوة، كما هو الحال في بلدان الجوار.

اذاً فليس هنالك ثمة تفاوت ما بين التونسيين سوى هذا التعارض الطبقي، بين الاغنياء والفقراء، وهذا هو مكمن اكثر الثورات التي اشتعلت في العالم، من وزن الثورات الجماهيرية المعروفة تاريخيا، كالفرنسية والروسية، اي ان انعدام التناحر الطائفي ساهم بشكل جلي باظهار حدة الصراع الطبقي على حقيقته للتونسيين، وللطبقات المسحوقة منهم على الاخص.

وبينما تلعب الصراعات الطائفية (العبثية بمجملها) دورا حميدا في البقاء على انظمة الحكم الديكتاتورية في اغلب بلدان افريقيا واسيا، فان الشعب التونسي متحرر منها تماما، وليس هنالك غطاء، او عرين، تلوذ به السلطات القمعية، وليست هنالك سوسة فكرية يمكن ان تنشرها بين الجماهير لتتفادى موجة غضبها حين يشتد هذا الغبن الطبقي.

ومحمد بو عزيزي لم يكن هو سبب هذه الانتفاضة الشعبية، وانا اجزم بان الفقراء الذي تظاهروا في مدن تونس لم يكونوا يعرفوه شخصيا، ، وعندما طالبوا بسقوط بن علي، لم يكن ذلك بدافع حقد شخصي على الرئيس، فليس هنالك من راه وجالسه، ولكنه كان رفضا لنظام القمع وعبودية الفقير للغني، اذ كان كف فادية حمدي الذي لطم وجه ذلك الشاب، بائع الخضار الفقير، يمثل كف السلطة التي تلطم وجوه الفقراء، وقد تحسسوها على وجوههم.

ولم يقم البوعزيزي بحرق نفسه لانه صفع مرة، فقد يكون تلقى منها الكثير، لكنه كان بسبب الجزع من الحياة، فهو شاب ترك الدراسة بعد البكالوريا من اجل اعاشة عائلته، ولكن لم يجد عملا سوى بيع الخضار على عربة.

وحتى هذه المهنة كانت ممنوعة عليه، فمنذ ان بدأها قبل سبع سنين كانت قوانين البلدية، وهي قوانين الاغنياء تقف في الضد، وتصادر بضاعته، حتى وصل به الجزع الى التفكير بعد هذه السنين بحرق الذات من اجل التخلص من حياته التي اصبحت عبأ عليه.

في ذلك الصباح الشتائي (17 ديسمبر)، كان محمد فرحا لانه نجح "بالواسطة" في استرداد بضاعته (كم كيلو برتقال) المصادرة منه قبل ساعات، وعاد الى الساحة ليعمل، لكن الشرطية المسترجلة لم تمهله سوى عشر دقائق، اذ عادت لتصادر قوته ثانية.

ولم تكن تلك الشرطية، فادية حمدي، حين تطاولت بكفها السميك، الذي اتخيله اشبه بكف عمليق، انهال على وجه محمد، ولطمه لتنفر حبات العرق من خده، لم تكن تعرف ان الشعب التونسي بغالبيته يعاني مثل بوعزيزي، وانها تلطم وجه تونس، كل فقراء تونس، وان هذا البلد الذي تشبه خارطته الدمعة المعلقة بالبحر المتوسط، بحاجة الى هذه الصفعة، صفعة واحدة فقط، ليهتز، ويهز شمال افريقيا، ووجدان العالم، صفعة يجب ان تصنف على مقياس ريختر.

 

free web counter