| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

السبت 25/12/ 2010

 

ما علاقة المالكي بالتكنوقراطية؟

حسين القطبي

كل من يضع ربطة عنق، ويحلق شاربه، ويبتسم بثقة امام الشاشة يسمى تكنوقراط، حسب التعبير الدارج في العراق الان.
وعلى ابواب تشكيل الحكومة الجديدة تعالت المطالبات من السيد المالكي بتشكيل حكومة تكنوقراط، ثم اعلن الكثير عن خيبة املهم بعد قراءة الاسماء الفائزة بقرعة الوزارة.

والمطالبة بحكومة تكنوقراطية في العراق تضم ابناء العشائر، والاسلاميين المنتخبين ديمقراطيا، تشبه الى حد بعيد طبخة عشاء مكونة من الحصى وفكة النقود وسائل التنتريوك.

التكنوقراطية هي مرحلة اقتصادية متطورة من مراحل نشوء النظام الرأسمالي، وقد بلغت ذروة اوجها في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الامريكية، يسود فيها حكم اصحاب المصانع، يعتمدون فيها على قدرات المهندسين وكفاءاتهم التقنية، ويستخدمون السلطة التشريعية لسن قوانين توفر لهم السيطرة على اقتصاد البلد.

وفي هذا الحال لا يمكن المزج بين التكنوقراطية والديمقراطية، اذ تعتبر الاولى نوع من ديكتاتورية المهنيين الصناعيين، بينما تعتمد الاخيرة على نتائج الانتخابات لفرض قادة قد يكونون من الد اعداء التكنوقراط.

واعداء التكنوقراطية كثيرون، اولهم فئة التجار، التي وان كانت قريبة طبقيا من اصحاب المصانع، الا انها تفضل الاحتكار، والتلاعب بالاسعار، واحكام السيطرة على الانتاج من اجل ان لا تغرق الاسواق بالبضائع.

وكان الاقطاع من الد اعداء التكنوقراطية ايضا، اذ ساهمت الاخيرة في تخريب الريف عن طريق اجتذاب القوة العاملة في الزراعة من الارياف الى المدن، وقوضت سيطرة الاقطاعي في عقر داره.

ويصطف رجال الدين مع الاقطاع دائما بسبب الحلف التاريخي الذي يربط بينهم، الذي من علاماته هذا التلازم الواضح بين الدين والارياف، اكثر منه مع ثقافة المدينة.

العدو الاخر، وهو الاقوى، هو النظام الاقتصادي العالمي، فهو من جهة لا يستسيغ بروز قوى اقتصادية صناعية جديدة، حرة ومنفلته، قد تساهم في المزيد من الاضطرابات في السوق العالمية، ومن جهة اخرى لا تستأنس الهوة الطبقية التي تفرزها حكومة التكنوقراط، ولا عودة الشعارات الثورية، والعراق اليوم يدار من هذه القوة بالتحديد!

فكيف ننتظر تشكيل حكومة تكنوقراطية في بلد غير صناعي مثل العراق، عمادها نتائج الانتخابات الديمقراطية، التي افرزت رجال دين وقادة عشائريين، ومن حكومة تعتمد اساسا مجالس الاسناد والصحوات وكونفرانسات العشائر التي تحضى بتشجيع من اعلى السلطات التنفيذية، والبلد فوق هذا يخضع لادارة مباشرة من القوة الاقتصادية الاولى في العالم، اذا كانت التكنوقراطية اساسا تتعارض مع الديمقراطية، وهي اقرب الى البيروقراطية منها الى اليات الانتخاب المباشر الحر؟ وتتعارض مع سلطة الاقطاع المتمثلة بالهيمنة العشائرية، علاوة على هذا تعتبر من وجهة نظر النظام الاقتصادي العالمي اليوم، مرحلة اضطرابات طبقية غير حميدة؟

ربما كانت ثورة 14 تموز في العام 1958 هي الاقرب لكي تكون حاضنة تكنوقراطية لولا انتكاستها في العام 1963، اذ سنت قانون الاصلاح الزراعي وحدت من سلطة الاقطاع من جهة، وكانت جريئة بما فيه الكفاية للتأسيس لمشاريع صناعية، وان كانت تحت ادارة الدولة، ومن جهة اخرى، لم تعتمد النظام الديمقراطي ولا الاشتراكي، وكان ذلك هو التطور الطبيعي الذي يتدرج الى تكنوقراطية ثم الى الديمقراطية تبعا.

حتى نظام البعث السابق، كان امام فرصة لاقرار قوانين تساهم في تصنيع البلد (غير التصنيع العسكري)، ودعم الكفاءات وتوجيه رؤوس الاموال المتوفرة الى الصناعة، الا ان عقلية نصف البدوي ونصف الريفي فضلت الاعتماد الريعي على مداخيل النفط، والتجارة فقط.

وفوق هذا فان التكنوقراط هو الاضعف، بسبب الحاجة الدائمة الى الخبرات التقنية، والى الاسواق، وتوفر المواد الاولية، فضلا عن قوانين تشريعية خاصة، واحتكار السلطة التنفيذية، بينما لا تتطلب التجارة، المعروفة بالربح السريع، ذلك، ولا تثقل كاهلها كل هذه الشروط الاقتصادية السياسية القاسية.

فهل هنالك ثمة مكان لتشكيل حكومة تكنوقراطية في العراق الان؟ هنا اسأل الاخوة الذين طالبوا المالكي بتشكيل حكومة تكنوقراط، ما علاقة المالكي بالتكنوقراطية؟

 

free web counter