| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   السبت 24/12/ 2011

 

قضية الهاشمي تكشف الشرخ الطائفي في العراق

حسين القطبي

صار بامكانك ان تعرف طائفة العراقي من خلال موقفه من قضية السيد الهاشمي، فبين من يطالب بانزال العقاب الفوري (شيعي) بحجة انه ارهابي مجرم، ومن يدافع عنه (سني) بحجة عدم كفاية الادلة.

وتدحرجت كرة النار اكثر بعد لجوء الهاشمي الى كردستان، فصار للكردي موقف متميز ايضا، ينطلق من خصوصيته هو الاخر، يدعو للتريث، بحجة عدم التسرع في اتخاذ القرارات.

فلماذا ينقسم الشارع العراقي بكل هذه السهولة بين شيعي وسني وكردي لمجرد كلام قيل عن رجل واحد فقط؟ طائفة تهاجم (قوى سياسية، واعلام رسمي)، ومقابلة تدافع (قوى سياسية، واعلام رسمي)، وثالثة تهدئ (قوى سياسية، واعلام رسمي)!

والمثقفون العراقيون في هذا الخضم يواجهون الخطر الطائفي على غرار سياسة النعامة، فيدفنون رؤوسهم في الشعارات خوفا، مع ان التجربة اثبتت بان سياسة النعامة هذه قد فشلت في الحد من تفاقم الشرخ بين الطوائف العراقية، وانما زادته عمقا، بل اثرت هذه النخب سلبا بتجاهلها للخطر، للحد الذي باتت معه قضية رجل واحد فقد تثير من حولها كل هذا الاستقطاب الطائفي، وكأن الجميع يقفون على رؤوس اصابعهم.

وهذا الاستقطاب الحاد مرده احتمالات ثلاثة، اولهما هو ان تكون التركيبة الاجتماعية في العراق هشة من الاساس، وان هذا البلد هو مكون غير متجانس من ثلاثة بلدان لا تطيق بعضها بعضا، جمعت قسرا في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ثم بدأت اواصرها بالانحلال بعد مرور قرن فقط. اي يجب التفكير جديا اما في بناء دولة المواطنة الحديثة، على غرار البلدان المتطورة، اوفك الروابط على غرار ما حدث في تشيكوسلوفاكيا في العام 1991، وبصورة حضارية، تجنبا للمزيد من الجرائم والكوارث والحروب الطائفية غير المستبعدة.

وثانيا ان تكون عرى المجتمع العراقي متماسكة اصلا، الا ان القوى الطائفية التي وصلت الى السلطة في العام 2003 قد اصبحت من التمكن والخبرة بحيث تستطيع تجييش الشارع بسهولة باستغلال حدث بسيط، نتيجة للامكانيات الاعلامية والمادية غير المسبوقة التي صارت تمتلكها. فضلا عن الارث السيئ الذي تركته حقبة الديكتاتورية السابقة.

اي ان اسباب هذا الاستقطاب في الشارع العراقي تكمن في مصالح متجانسة جدا، لقوى سياسية – دينية، تحاول كل منها رص صفوف طائفتها ورائها من اجل ضمان دعمها وبقاء السطلة في متناولها.

الاحتمال الثالث هو ان الطائفية السياسية تمثل المشروع المستقبلي للعراق لأنها ميزة لازمة للانظمة شبه الديمقراطية في الشرق، على غرار الباكستان والهند ولبنان، وهي التي توفر ظهيرا جماهيريا للقوى السياسية المتبارية في الانتخابات من اجل ضمان استقرار السلطة، ودورية تناوبها بين قوى معروفة التوجهات، وبذلك تحول الطائفية دون بروز قوى راديكالية، غير مضمونة، تنمو على هامش الحراك الاجتماعي والسياسي، قد تدمر العملية الديمقراطية غير الناضجة. خصوصا واننا نعيش في الشرق مراحل انتقالية، وبلداننا على ابواب ثورات اجتماعية بسبب ارتفاع نسبة تزايد السكان، وتوسع المدن، من جهة، والتغييرات الاقتصادية المتوقعة، من جهة اخرى.

اي ان الطائفية كنظام اجتماعي تعتبر مكملا للعملية الديمقراطية الشرق اوسطية، وبدونها لا يمكن التكهن بنتائج اية انتخابات ضمن البلدان التي تعتبر "ديمقراطية" في المنطقة، وهي ضرورة لازمة وتتم وفق خطوات علمية منهجية مدروسة.

وما كشفته ملابسات قضية الهاشمي هو ان كل هذه الاحتمالات واردة، فحول هشاشة التركيبة الاجتماعية العراقية، فشل العراقيون كما هو واضح، منذ تأسيس الدولة عام 1921م الى اليوم، في تكوين مجتمع تعددي متحضر يتجاوز الخلفيات الاثنية والمذهبية. وهنا يتحمل كل من السياسيين والمثقفين مسؤولية في هذا الفشل التاريخي.

وحول نشاط القوى السياسية الفاعلة اليوم، فانها بغالبيتها، تعتمد على رصيدها من الطائفه، والزخم الذي تقدمه لها، اذ ساهم هذا الاستقطاب الطائفي لوحده في بقائها في السلطة، ولولاه لما استطاعت الصمود مع كل هذا الفلتان الامني والفساد الاداري وتردي الخدمات الذي تسببه.

وفوق ذلك فان الطائفية المنهجية "العلمية" يبدو وكأنها تسير وفق خطوات رصينة ومدروسة، فهذا الشد الذي خلفته قضية الهاشمي، كمثال، قد عاد بالفعل على القوى الرئيسية الفاعلة جميعها بالفائدة، ورص صفوف طوائفها من خلفها.

فالمالكي استفاد، حصد تأييدا شيعيا، وتحول الى ايقونه في مكافحة الارهاب "السني"، رغم انه بالتحديد كان السبب وراء هروب الهاشمي، عندما منحه حرية التنقل ليومين "لاثبات البراءة"!

والهاشمي استفاد، هو الاخر، فقد استدر عطف الشارع السني، للحد الذي تحول فيه من "متعاون" مع حكومة نصبها الاحتلال، الى رمز من رموز الطائفة.

كذلك القوى الكردستانية استفادت، هي الاخرى، فقد اظهرت للمواطن الكردستاني استقلاليتها، وقدرتها في اتخاذ القرار، واستعرضت اخر المنجزات السياسية التي وصلتها.

وبغض النظر عن كونها قضية ارهاب، ام لا، فان السؤال الذي طرحته ابعاد قضية الهاشمي، هو حول سهولة فرز العراقي، بحسب طائفته، هو سؤال في غاية من الاهمية، لأنه يتعلق اساسا بهوية هذا البلد، والجواب العلمي عليه يشير الى توجهات العراق المستقبلية، ومصير الملايين من المواطنين الذين يعيشون داخل حدوده.

وما يجب على النخب المثقفة في العراق عمله، هو اخراج رأسها من رمل الشعارات، وتقديم دراسة علمية وافيه لمخاطر الطائفية في العراق، لأن قضية الهاشمي هذه، على الاقل، كشفت بأن الشرخ الاجتماعي قد وصل الى مدى لم يعد من الحكمة تجاهله.



 

free web counter