| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                                   الجمعة 21/9/ 2012

 

كتب شارع المتنبي "الارهابية"

حسين القطبي 

في الوقت الذي تضرب موجة الارهاب محافظات العراق عرضا وطولا، يرد السيد المالكي بالهجوم على المنتديات الثقافية والنوادي الاجتماعية الامنة، ومقرات التجمعات السلمية المناهضة اصلا للارهاب.

اخر ضحايا سياسة مكافحة الارهاب، الغريبة هذه، التي تنتهجها ادراة السيد المالكي، هو شارع المتنبي، سوق الكتب التي تباع على الارصفة، والمتضرر هم ليسوا فقط الباعة، وانما سوق الكتاب والمستهلك، وعقل المواطن الذي يحتاج لثقافة التسامح ونبذ العنف، التي تنشرها المعرفة.

البعض يرى ان السيد المالكي قد اعياه الارهاب، فصار اشبه بملاكم اصيب بعينه على الحلبة، اخذ يضرب يسارا ويمينا، مغمض العينين، دون ان يميز بين وجه الخصم والحكم وحتى الجمهور، فهو امر مضحك حقا ان تنقل الحكومة صراع الشعب الاساسي من مكافحة ارهاب ضارب ليس له مثيل في اي من دول العالم، الى حرب ضد الكتاب والثقافة.

لكني ارى الموضوع اكثر تعقيدا من ذلك بكثير، فهنالك خطط خجولة لمكافحة الثقافة، اكثر حزما من مكافحة الارهاب، مازالت في مراحلها الاولى، تشبه الى حد بعيد اجراءات "انقلاب فرهنغي" في ايران، اوائل تأسيس الجمهورية الاسلامية، او "الثورة الثقافية"، التي استهدفت المكتبات والجامعات والنوادي الثقافية، وحتى دروس الموسيقى، ورغم انها اخف وطأة من ممارسات طالبان في افغانستان، الا انها نفس المقدمات المدروسة لوضع اسس ايديولوجية للدولة الثيوقراطية المراد مأسستها في العراق.

انه تضارب المصالح بين السياسي والمثقف، فشارع المتنبي، هذا السوق الذي لو كان في احد المدن الاوربية لتحول الى معلم يزوره السواح ليس لشراء الكتب وانما لالتقاط الصور التذكارية على غرار سوق بورتوبيلو في لندن، هذا السوق اصبح مصدرا لنشر الثقافة والوعي في زمن تحاول فيه الحكومة، ورجال الدين، سد كل منافذ المعرفة.

نعم، بين الحكومات والثقافة عداء دائم، فمصلحة الحكومات تتطلب ان يبقى المواطن جاهلا "خام"، من اجل ان يصدق خداع الماكنة الاعلامية ووجهة النظر الرسمية كي لا يعي مقدار الظلم الذي يحيق به.

وبين الدين والثقافة ايضا حرب، مزمنة، مصلحة الدين تتطلب ان يبتعد الانسان عن التفكير، ويتجنب انتهاج السلوك العلمي في تحليل الظواهر المحيطة به من اجل ان يصدق "المعجزات" التي غالبا ما تكون من نسج الخيال، ويخضع بذلك لسلطة رجل الدين الكهنوتي المحترف.

فما بالك بحكومة دينية؟ كحكومة، فان حربها الاساسية ليس ضد سياسة التجييش والحروب والدمار، فهي مهنتها في العراق، وكدينية، عداءها ليس ضد التعصب، والعمى الفكري، فهذه هي ارضية الايمان، والقبول بالمسلمات بدون مناقشتها، بل ضد الثقافة والوعي والسلوك العلمي في تحليل الظواهر المحيطة بالانسان.

والسلوك العلمي (الشك والتدقيق في المعلومة حتى تثبت صحتها) يمنح المواطن القدرة على تفسير وتحليل المستجدات في الساحة السياسية الراهنة في العراق، وهو ما لا تريده الحكومات قاطبة، كما يحرر الانسان من الوهم والخضوع المسبق للمعلومة، وهذا ما تعادية سلطة رجال الدين ايضا.

وشارع المتنبي، والكتب المرصوفة في الشمس، على الارصفة، تقوم بنشر ثقافة الشك والتدقيق في المعلومة، ثقافة المساءلة، هذه التي يخشاها السياسي، ويمقتها رجل الدين، ولذلك فان كتب شارع المتنبي، من وجهة نظر الحكومة، الدينية، ومن زاوية مصالحها الراهنة، مخلوقات اكثر خطورة من الجماعات الارهابية.
 

free web counter