| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

الجمعة 1/1/ 2010



بئر الفكة النفطي ... من المستفيد ومن الخاسر من الازمة؟

حسين القطبي

ثلاثة اطراف اجادت في استغلال التوتر حول بئر الفكة النفطي على الحدود الايرانية، وطرف واحد على مايبدو هو الخاسر من هذه الضجة.

المستفيد الاول هو الحكومة الايرانية التي تبحث عن قشة لانتشالها من مأزق سياسي خانق تمر به، ومتنفس لازمتها المتصاعدة منذ صدور نتائج الانتخابات الرئاسية واعادة احمدي نجاد الى السلطة في 12 من حزيران العام الماضي.

المستفيد الثاني الذي استقبل الحدث بحماس هو الاحزاب والكتل السياسية العراقية، المقبلة على انتخابات برلمانية وكل منها بحاجة الى شعار سياسي في سوق المزايدات الوطنية، خصوصا تلك القوى التي تصنف اعلاميا على انها "موالية" لايران، فهي بأمس الحاجة الى ثيمة انتخابية تواجه بها هذه المزاعم وتبعد عنها هذه الشبهة التي أثرت على جماهيريتها.

والطرف الثالث، والمستفيد الخفي، هو الجانب الامريكي، الذي يواجه اختبارا صعبا يتمثل في الاستفتاء الشعبي العام على مصير الاتفاقية الامنية الذي من المؤمل ان يكون موضع جدال بين البرلمانيين قريبا.
وقد تكون هنالك اطراف اخرى، مثل دول الجوار التي تتصيد الازمات بين بغداد وطهران، مثل السعودية، مصر، تركيا الخ.

ولا يمكن تناسي الشركات العاملة في السوق النفطي التي سارعت لرفع الاسعار، وغيرها.
الخاسر الوحيد من هذا التصعيد هو الشعب (العراقي والايراني)، الذي يتطلع الى علاقات جوار مسالمة والى ابعاد شبح الحروب الدامية التي كلفت ملايين القتلى والمعوقين والاسرى وخيمت على البلدين بالفقر والتضخم والديكتاتورية طوال عقد الثمانينيات المظلم.

طهران من جانبها تمتلك تجربة طويلة وباع لا يجارى في استغلال بؤر التوتر مع الخارج كلما تصاعدت ازماتها الداخلية، وتجيد استثمار الاحداث الصغيرة سياسيا لتوحيد الصف الداخلي وتحريك الشارع الايراني بالوجهة التي ترتأيها، وللمثال ليس الحصر اذكر احتلال مبنى السفارة الامريكية في العام 1979، وأزمة سلمان رشدي عام 1989، واعدام الصحفية الكندية زهرا كاظمي فضلا عن التهديد غير المبرمج بضرب اسرائيل.

اما قوى الاسلام السياسي – الشيعي على وجه الخصوص – والتي تكرس كل طاقاتها الاعلامية هذه الايام استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة في 7 مارس- اذار المقبل، فانها تعاني من عقدة بدأت تتفاقم عليها هذه الايام وهي علاقاتها الايجابية مع الجارة الشرقية ايران للحد الذي بدى وكأن هذه العلاقة قد اثرت على قاعدتها الجماهيرية سلبا، كما اتضح من نتائج الانتخابات البلدية (مجالس المحافظات) في العام الماضي، وهي تبالغ في مجابهة ايران لاثبات هويتها الوطنية.

ولواشنطن، فان الهاجس الاكبر هذه الايام هو قرب الاستفتاء الشعبي على الاتفاقية الامنية بين العراق وامريكا، والفشل المتوقع لها يفاقم من قلق ادارة الرئيس الحالي باراك اوباما، فالخروج من العراق بخفى حنين، وخسارة كل ما بناه سلفه جورج بوش يعتبر نكسة تاريخية تسجل باسمه شخصيا، ومع الفشل في توفير الامن والخدمات، فان الورقة الاخيرة التي يلعب بها الرئيس الامريكي لاقناع العراقيين على قبول الاتفاقية هو حماية حدودهم الشرقية، والازمة الاخيرة تقوي موقف البعض من البرلمانيين العراقيين الداعين الى عدم اجراء الاستفتاء اصلا.

واذا حصدت دول الجوار ايضا المكاسب، لاضعاف الدور الايراني في العراق، واذا جنت شركات النفط المزيد من الارباح بزيادة الاسعار، واذا انتعشت قوى الارهاب بسبب ارتفاع وتيرة الاحتقان على الحدود الملتهبة اصلا، فان الخاسر الوحيد هو الشعب الذي تمرر عليه، وبواسطته، وبمثل هذه السهولة، مثل هذه الفرقعة الاعلامية الواهية.

فليس من مصلحة الشعبين العراقي والايراني اختلاق مشاكل غير مبررة واعادة التوتر الى الحدود التي ماتزال رائحة البارود تخنق مزارعها وقراها، بل تحتاج الى نزع الفتيل والاحتكام الى القرارات والمواثيق الدولية، والتفكير الجدي ببناء مجتمعات مزدهرة ومتحضرة على غرار تجربة الاتحاد الاوربي في حل المشاكل والنزاعات الحدودية، فكل عائدات بئر الفكة لا توازي ارباح يوم واحد من التجارة الحرة اذا ما اعيد تطبيع الاوضاع بين البلدين الجارين.

واخيرا، ستعود كل القطعات العسكرية، العراقية والايرانية، الى مواقعها السابقة حول البئر، وتهدأ الازمة، وتركن الى النسيان، ولكن ليس الان، بل بعد انتهاء الانتخابات واقرار الاتفاقية الامنية بين العراق وامريكا، وعودة الهدوء السياسي للشارع الايراني.

حينها سيجد المتحمسون في الاعلام العراقي، الذين كانوا جزءا من ردة الفعل العفوية هذه كم كانوا متهورين وسريعي الرد وقصيري النظر، هذا اذا تذكروا الفكة، وبئرها النفطي، اصلا، بعد زوال الازمة.




 

free web counter