| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

                                                                   الخميس 1 / 8 / 2013

 

هل اصوم من اجل ارضاء الاصدقاء؟

حسين القطبي 

سألني احدهم في جلسة خاصة عن مدى معاناتي مع الصيام هذه الايام، خصوصا وان شهر رمضان جاء مع موسم الحر هذه السنة، فضلا عن طول ساعات النهار، و.. فقلت له مباشرة ودون تردد "انا لست صائما".

وفجأة قفزت من محياه تلك الابتسامة الوادعة، وحالة التلذذ بالمعاناة، التي ترتسم على وجوه الصائمين الورعين، فاكفهر، بسرعة الكهرباء، وتبدلت نظراته نحوي وكأنني وجهت له اهانة شخصية.
تذكرت طلائع الليبيين الذين ظفروا بجسد معمر القذافي حيا في صحراء سيرت، اذ رأيت في عينيه نظرات تشبه نفير الذئاب الضارية.

وربما لانت نظراته قليلا بعد ان استدركت له بان الطبيب هو الذي منعني من الصوم، بسبب معاناتي مع مرض السكري.

الغريب هنا، مع اني لم تربطني علاقة صداقة طويلة بذلك الرجل، لكنني اعرف انه من مرتادي بلدان المغرب العربي، اولئك المسافرون خلسة، دون معرفة عوائلهم، وهي عادة بعض المتصابين بالسر من متوسطى السن، ممن تجاوزتهم الملذات، اذ تستأجر هناك فتيات العوائل الفقيرة، في اغادير ومراكش، لايام، كرقيق جنسي، برخص لا يليق بالانسانية.

كما كان الشائع قبل ذلك ان الانسان لا يحاسب على مدى تقيده بالطقوس، فهي فهم ذاتي صرف وحق شخصي للانسان، وليس من الواجبات الاجتماعية، عكس التقيد بالاخلاق والفضيلة، فهي ليست حقوق، وانما واجبات يحق للاخرين محاسبتي عليها، لذا، ورغم اني اعتبره من الرياء الخلط بين التصرفين، بحيث يحاسبك شخص ما على الطقوس، ويمنح نفسه حرية ارتكاب الرذيلة، الا اني شعرت بالندم على صراحتي البريئة.

في اليوم الثاني كنت اتحدث مع صديق عبر الهاتف، لم اره منذ فترة ليست بالقصيرة، فسألني عن مدى معاناتي مع الصيام هذه الايام، خصوصا وان رمضان هذا العام جاء مع موسم الحر وطول ساعات النهار، في تكرار لذات الكليشة.

للحظة وجدت نفسي وكأنني مازلت في جلسة الامس، ترددت قليلا في الجواب، ثم قلت له، من اجل ان لا اخسره كصديق، بصوت احسه كان متقطعا "ما يهمني الجوع، بس العطش صعب" وهي حيلة يبدو انها شرعية، تعلمتها من احد الكسبة، سمعته يرددها لزبائنه في رمضان، ذات مرة، مباشرة بعد ان تناولنا وجبة الغداء، في السر، سويا.

الصديق اصر على تناول وجبة الافطار هذا المساء مع بعض، لما قال مازحا، انه يريد ان يكسب القليل من الثواب بواسطتي!

ومن الصدف ان يكون الصديق الثاني من متلذذي الاصناف الراقية من الخمرة، وقد جمعتنا في ما مضى بعض جلسات الراح سوية.

ولذلك عندما اتصل بي اخي، بعد ذلك، وهو في كربلاء، للزيارة، قررت قبل بدء الحديث ان اتغدى به قبل ان يفطر بي، فسألته مباشرة، ودون انتظار، عن معاناته هو مع الصيام، خصوصا وان رمضان هذا العام... الخ، فضحك، ولم يجب، وكلما تلقف الانفاس عاد للضحك بصوت اعلى، وكأنه يقرأ ما في دواخلي. لانه هو، الملتزم بحذافير الطقوس الدينية، قرر اعفائي من السؤال، بينما صرت انا الذي اشاكسه هذه المرة.

اعترف انني لست من متابعي التلفزيون، وملحد جدا فيما يتعلق ببرامج الفضائيات، حتى اني لم اوصل جهاز استقبالها، الرسيفر، الذي اشتريته قبل عامين، الى التلفزيون، ربما بسبب انشغالي بعالم الانترنيت، فقد وجدت فيه ضالتي، وصدقا اقول انني لم اشاهد ابداع الفضائيات العربية المتواصل الا عندما اكون مضطرا، في اثناء زيارة لبيت صديق، او في محل عام.

في هذا المساء، عندما كنا بانتظار مائدة الافطار، في بيت صديقي العزيز، وكان هو يقلب المحطات على شاشة الجهاز، بحركات عصبية سريعة، ضجرة، بسبب الجوع، احسست بالطوفان الحقيقي للزيف، وطغيان التمسك الشكلي السطحي بالطقوس، المفرغة اساسا من محتوى الدين.

الفضائيات كلها تقريباً ، التي اعتقد انها تعد الان بالمئات، تمزج بين الروزخونيات الساذجة، والنكت المبتذلة، والايحاءات الجنسية، لتقدم شكلا لرمضان يفي باغراض الجميع، دون ان يقترب من جوهر الدين، يذكرني بمقولة "مذهب الخاكشير" للمفكر الاسلامي، الراحل، الشهيد على شريعتي، في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"، عندما وصف رجال الدين، المتزمتين بالطقوس اكثر من التزامهم بقيم بالفضيلة، بانهم اشبه بعطار مفلس ليس لديه سوى عقار واحد، يصفه لكل الامراض، دون ان يعالج احد.

تلمست العذر للاصدقاء، وهم يفقدون البراءة، بالتدريج، فهم افراد يجرفهم طوفان الزيف في عالم تتحكم فيه رؤوس الاموال الشرهه، والفضائيات المجهولة المرام.



 

free web counter