| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

الأثنين 17/1/ 2011

 

شكرا بن علي

حسين القطبي

لا شك ان الرئيس شم رائحة اللحم الانساني المشوي وترك تونس. شكرا لانه لم يتلذذ بها. فبين السابع عشر من دسيمبر، حين اقدم الشاب الاول على حرق نفسه، والرابع عشر من يناير، لم يمضى شهر حين ترك بن علي قصر الرئاسة.
ولانه ترك خيار انزال الدبابات الى الشوارع واصطياد المتظاهرين، كما فعلت ديكتاتوريات اخرى في بلدان المشرق، فانه يستحق الشكر.

وصورة الديكتاتور في اذهاننا كانت عكس ذلك، فقد شاهدنا احدهم جر بلاده الى حروب كارثية لاربعة عقود، وتسبب في ملايين الضحايا، سواء بحروبه الخارجية، او حملات التأديب الداخلية، بالاعدامات والغازات السامة، لكنه رفض مجرد التفكير بالتنازل، وظل بعد اندحاره يصور البيانات الرئاسية من حفرة تحت الارض ويرسلها لقناة الجزيرة، ثم ظل يصر على انه الرئيس في قاعة المحكمة التي طالت شهورا، وحتى حين رفع على منصة الاعدام، ظل مصرا على انه الرئيس.

وديكتاتور اخر انطلقت في بلاده "انتفاضة خضراء" بمجرد صدور نتائج الانتخابات الصورية، وعرف العالم اجمع مدى التزوير الذي مارسته اصابعه الاخطبوطية فيها، الا انه واجه المتظاهرين بالرصاص، وظل يسرب اخبار التجاوزات الجنسية في السجون لارعاب المواطنين وصدهم عن المشاركة في الاحتجاجات، ومازال رئيسا، يفخر ببقائه على الكرسي.

وديكتاتور في بلد ثالث مل من الرئاسة، التي تسلمها في صباه، واعلن طواعية انه لن يشارك في الانتخابات القادمة، فاصاب العالم بالذهول، لكنه تبين انه كان يتسلى بعقول مواطنيه، فرشح نفسه قبيل ايام من موعد الانتخابات ليبقى.

ورابع ادرك الثمانين، حتى صار اشبه بهرم تاريخي، فانزل ابنه كلاعب احتياطي، يؤهله للرئاسة في حالة الوفاة المفاجئة، رغم انه يحاول باصباغ الشعر، وعمليات التجميل ان يبدو شابا يليق بالكرسي.

وخامس وافق على تقسيم بلاده، دون ايمان بحق تقرير المصير للشعوب، فقط للبقاء في السلطة، ولو فعلها غيره لوصفه بالخيانة.

والكثير من حول بن علي – ان لم اقل كلهم - الذين كان سيلتقيهم في مؤتمر القمة القادم في بغداد للمرة الالف، كلهم في حالة استنفار دائم، منذ استلامهم للحكم، ولا يتوانى اي منهم عن استعمال اقسى ما بحوزته من اسلحة لاسكات الانفاس التي تطالبه يوما بالاستقالة.

بل هنالك بعض ديناصورات الحكم في العالم العربي من تجرأ على انتقاد الشعب التونسي على هذا "الدلع"، ووصفه بالمخدوع "خدعتهم وثائق ويكيليكس"، خوفا من امتداد التظاهرات الى واحته الغناء المسيجة بعضوات قوة الحماية النسائية.

لا شك ان تهديد رؤساء دول الجوار للشعب التونسي بانه سوف يدخل في "متاهة" فيه وجه من الصحة، فالانتفاضة كانت جماهيرية عفوية، لم تقف خلفها قوة منظمة ذات برنامج مستقبلي واضح.

فلا الاسلام السياسي خلفها، لنعرف ان البلاد ستغرق في ظلامية، فتغلق الجامعات وتضرب السياحة – الثروة الطبيعية الوحيدة في تونس – وتنزوي البلاد عن العالم.

وليس اليسار هو من خطط ونفذ ها، وهو الذي يحمل برنامجا اقتصاديا واضحا يقود تونس لاصلاح زراعي ودعم الانتاج الصناعي التجميعي.

ولكن الشعب الذي يستطيع ان يقدم شباب على هذه الدرجة من الجرأة بامكانه ان يقاوم الانحراف القادم بمثل شكيمة مواجهته للديكتاتور الذي حكم تونس منذ حوالي 24 سنة.

فتهديد الرؤساء لشعب تونس بـ "مستقبل مجهول" انما يعكس هلعهم من المصير المشابه لرفيقهم، ويوضح مدى تأثير حالة الاستنفار والكوابيس التي يعيشونها هذه الايام على تصريحاتهم.

ولا شك انهم جميعا، في دول الشرق الموبوءة بالظلم والفساد والتسلط الفردي، امتعضوا في قرارتهم من قرار بن على ترك منصبه بهذه السهولة، لانه ارشد الشعوب الاخرى على الطريق الاقصر لقصورهم.

ولحد الان فان بن علي هو الوحيد بينهم الذي قرر حزم الحقائب من اجل حقن الدماء، فشكرا له.
 

free web counter