| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسين القطبي

 

 

 

الجمعة 14/5/ 2010

 

هل العراقي انسان أولا؟

حسين القطبي

هل العراقي طائفي اولا (شيعي – سني)، ام قومي (عربي – كردي.. الخ)، ام انه انساني اولا، بمعنى ان يقدم هذا الانتماء الاخير (الانساني) على حلقات الانتماء الاضيق مثل القبيلة، الطائفة والقومية؟

وتساؤل مثل هذا غالبا ما يثير الغموض والتيه، فالامزجة متقلبة ومختلفة، وليس هنالك استقرار وثبات، ويفتقد العراقي الى نظرة متفحصة للذات. والتيه هذا، الذي يثير هذا الضباب حول حدود الانتماءات الاساسية، يسميه اخواننا المثقفون بـ " أزمة الهوية ".

وضوح الهوية يمكن ان يكون عامل استقرار، ويؤسس لسن قوانين ودساتير منظمة تفضي الى رقي اقتصادي واجتماعي، كما في الكثير من مناطق شرق اسيا وغرب اوربا.

وعندما تكون الهوية ازمة، فانها تنعكس سلبا على حياة البلد، تطوره واستقراره، كما في الكثير من دول اسيا وافريقيا. فلو نظرت الى البلدان الاكثر تطورا، غالبا ما تراها قد حسمت امر هويتها، واما الفقيرة المبتلية بالجوع والصراعات الداخلية في اكثر الاحيان ترى اكثر صراعاتها تدور حول "الهوية".

وفي العراق، ربما يكون المثال الاقرب الى الذكر هو الانتخابات الاخيرة، فقد افرزت وانتصرت لمجموعة من السياسيين الانتهازيين المتطاحنين من اجل الكراسي، ليس لكفاءاتهم، بل بسبب انتمائاتهم القبلية والطائفية والقومية، وابعدت الكثير من العقول السياسية التي يزخر بها العراق، خصوصا اولئك الذين ترفعوا عن اللعب على حبال الهويات المتصارعة.

والسياسيون هؤلاء، الذين يتقاتلون بشراهة (منذ فوزهم بالانتخابات) هم اشبه بكواسج صغيرة جائعة تنهش بجسد سمكة عملاقة، تحاول الفرار من بين اسنانهم.

واذا كان حال العراق كحال هذه السمكة، فان السبب الذي افضى الى ذلك هو تيه العراقي بين الانتماءات المطروحة امامه، والتعصب المبالغ فيه، بحيث سلم الامانة (السلطة) الى ناس غير جديرين بحفظها، كل مؤهلاتهم هي الشعارات الطائفية التي رفعوها ايام الانتخابات.

وعندما تنهش الهوية بجسد العراق، وبمثل هذه الشراهة، فيجب طرحها على طاولة النقاش، واستدراك مخاطرها، الا انها "ازمة الهوية" تشبه الى حد ما الفايروس الذي يضرب من جهاز الكومبيوتر برامج الحماية، ويشل القدرة على العلاج، او مرض الايدز الذي يعصف بالمناعة.

فبمجرد ذكر الهويات يتجند ضدك الطائفيون، والقبليون، والقوميون ، باسم "الوطنية"، ويتهمونك بالطائفية! والسبب هو ان كل منهم يخشى ان يكشف النقاش عن عيوبه.

من استقراء بسيط لتاريخ المنطقة نرى ان هذه الانتماءات كان لها قداسة وسمو في قرون ما، فالانتماء الديني كان له الجدارة في انشاء امبراطوريات كالاموية والعباسية، ثم الحس المذهبي - الطائفي الذي بلور دولا اخرى من الفاطمية والصفوية، الى الايوبية والعثمانية. واعتبر الانتماء القبلي هو الاخر مقدسا في ضروف تاريخية اكثر حداثة كما في بلدان الخليج والجزيرة من اليمن وحتى الاردن.

وفي التسارع الاخير في تقلبات المجتمعات الحديثة برز الانتماء القومي وشيد دولا تضع اسم قوميتها مثل "العربية السورية"، "مصر العربية"، "تركيا".

الا اننا اليوم امام زحف انتماء اخر، يضيف لخارطة هوياتنا تعقيدا جديدا، هو الانتماء الانساني، الاكثر رحابة من تلك الانتماءات الضيقة، هذا التوجه الجديد، يأتي مع انفاس التكنولوجيا، من الغرب، احيانا على شكل اعاصير تكاد تقتلع ابواب وشبابيك بعض الدول، من بينها العراق.

والانتماء الانساني لا يميز بين شخص واخر على اساس القبيلة، او الطائفة، او القومية، بل وحتى الوطن، فقد قدمت اوربا تجربة رفع الحدود بين الدول، الامر الذي قد لا نفكر فيه في الشرق بعد قرون.

ومن يدري، فقد تلعب نتائج هذه الانتخابات دورا في اعادة تقييم الفرد لانتمائاته، والسياسيون الذين وصلوا بهذه الطريقة المثيرة للقرف، الى هذه الدرجة من الانانية وشهوة السلطة، قد يدفعون العراقي الى التفكير بروية اكثر في خارطة الهوية، وربما تنجلي الضبابية والتيه حول اي الانتماءات هي الاساس، هل الطائفية، ام القبلية، ام القومية، ام انها التوجه الانساني الجديد؟

 

free web counter