|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت 9/3/ 2013                                 هرمز كوهاري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عندما يركبون رؤوسهم !!

هرمز كوهاري

في الانقلاب الدموي الفاشي في شباط 63 ، إعتقلت فترة و فصلت فصلا سياسيا لمدة خمسة سنوات ، وخلال فترة الفصل عملت محاسبا في شركة فردية ( وكيل الصناعات الرومانية في العراق )، كان صاحب الشركة كبير السن ، يساري التوجه ، حدثني يوما عن عبد الكريم قاسم عندما كان ضابطا صغيرا يلعبان الورق معا ، وكان من أصدقائه ، رشيد مطلك وجميل توما والآخير كان من مؤسسي أولى الخلايا الماركسية مع نوري روفاييل كوتاني وغيرهم .

اما الثاني أي رشيد مطلك ، كان شخصية ذو كاريزما خاصة وقيل ان زوجته كانت المانية ، وكان معروفا في الاوساط السياسية ، لكونه من المقربين من الزعيم قبل الثورة وبعدها ، وقيل أنه كان حلقة وصل بينه وبين الجبهة قبل الثورة ! ولم يكن حزبيا على حد علمي.

جاء المطلك يوما لزيارة صديقه صاحب الشركة فلم يكن موجودا ، دعوته للجلوس في غرفتي لأنتظار صديقه صاحب الشركة ، جلس وأخرج البايب وبدأ يدخن لكني لم اترك المناسبة أن تمر عليّ مر الكرام ، فسألته :
"استاذ رشيد انتم كنتم أقرب المقربين الى الزعيم ألم يكن بالإمكان إيقافه من الإنزلاق في الفترة الاخيرة كضرب الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية ومداهنة البعثيين والقوميين وقضية الكويت و. و.. وغيرها ... والتي سبّبت ما نحن فيه الآن.." ؟

قال : " بصراحة ....لا ... لأن الرجل كان قد ركب رأسه !! والشخص الذي يركب راسه لا يفيد معه الكلام .... " وكأن المطلك أراد أن يقول هؤلاء يرون الأوضاع مقلوبة وليس على حقيقتها ولهذا لا يفيد معهم الكلام .

لا زلت أذكر كلمات السيد المطلك تلك ، ربما هو الآن بين المرحومين وهي حكمة حقيقية ، وهكذا رأينا المسؤولين أو الزعماء عندما يركبون رؤوسهم بشّرهم بنهايتهم المفجعة بعد أن ينتقموا من الشعب كل على طريقته الخاصة .

نوري السعيد والبلاط لم تفد معهم لا الإحتجاجات ولا الإنتقادات ولا التوسلات ولا المظاهرات ولا الإنتفاضات ولا المذكرات التي غالبا ما كانت تقدمها الاحزاب والجبهات الوطنية ( مذكرات كامل الجادرجي ) .

اذكر سنة 1954 اجريت أنتخابات على درجة واحدة لأول مرة في تاريخ العراق ! [ قبلها كانت إنتخابات صورية وعلى درجتين !! أي الناخبون ينتخبون المندوبين والمندوبون ينتخبون " نواب الشعب " ] وأشتركتْ الجبهة فيها وبالرغم من المضايقات تمكنت من إيصال (11) نائبا الى البرلمان وفي اول جلسة القى أثنان منهم خطابين أنتقدا فيهما إنتقادا لاذعا سياسة الحكومة وعلى ما أذكر كانا عبد الرزاق الشيخلي (يساري) وأسماعيل الغانم (قومي التوجه) ، لم يتحملها نوري السعيد وبعدها مباشرة الغى البرلمان بأمر من البلاط واعلن الأحكام العرفية تمهيدا للدخول في حلف بغداد . هكذا ركب رأسه ، ولم يفد معه الكلام ، فمن يركب رأسه لم يفد مع نوري الكلام  (كما قال المرحوم مطلك) فكانت نهايته والوصي تحت أرجل الشعب الذي أستخفوا وإستهانوا به عقودا .

وبعدهم عبد الكريم قاسم (كما قال المطلك) ركب رأسه في الفترة الاخيرة ! ولكن، برأيي المتواضع ، هذا الشخص أي عبد الكريم قاسم وأنا عاصرته بل صادف أن كنت قريبا منه بخطوات في أفتتاح حديقة الأمة ، رأيت كم كان مرحا بشوشا عند افتتاح ذلك المتنزه وهكذا كان كلما يصدر قانونا لخدمة الفقراء ، وشاهدنا ذلك على شاشة التلفزيون كم كان فرحا بشوشا عندما كان يوزع سندات تملك قطع الآراضي للفلاحين المعدمين لأول مرة في التاريخ !! ومنهم من كان يحاول تقبيل يده فيسحبها ويرفض ذلك وكأنه يقول هذا حقكم وليس هبة مني !! وهكذا كلما كان يفتتح مشروعا أو يضع حجر اساس لمشروع كمشروع جامعة بغداد والجسر المعلق وإنتزاع 99% من اراضي العراق من الشركات الاجنبية وعشرات المشاريع الأخرى .

أقول هذا الرجل أي الزعيم دُفع دفعا ليركب رأسه لأنه ملّ الفوضى التي خلقتها الاحزاب وهو كعسكري قبل أن يكون المسؤول الأول في الدولة !! اقول دُفع دفعا من قبل بعض الاحزاب التي أسكرتها الثورة ! وأعني أن قادة تلك الأحزاب ركبوا رؤوسهم أيضا وبدوا كسكارى ولم يكونوا بسكارى ، كما يُقال ... واللبيب تكفيه الإشارة ...! .وكان ما كان ولا زال الجرح ينزف واصابع الندم تعظ عندما لا يفيد الندم !!

وبعده صدام ، صدام الذي تجاوز كل المحذورات وظل راكبا رأسه ويسير عليه حتى رأي العالم على غير حقيقته ، رأي العالم أمامه ساحة مفتوحة يلعب فيها كيفما يشاء دون ان يعترف بأن العالم لم يعد عالم الصولات والجولات و "الكونات " .. وان أدعى أحدهم القوة يجد هناك الأقوى و كلما تحدى جهة تواجهه تحديات !! وكانت نهايته على يد الذين كان يسميهم بالكلاب الجرذاء. وهو قابع في حفرته يرتجف خوفا من تلك " الكلاب الجرذاء "!!

وهكذا كانت نهاية بن علي الذي ركب رأسه ولم يعترف بالشعب ومشاكله وخاصة الفقراء وباعة الخضر ، ذلك البائع الفقير الذي احرق نفسه وأشعل معه الإنتفاضات والإحتجاجات في البلدان العربية الاسلامية ، فوجد بن علي نفسه طريدا شريدا ذليلا ،على يد الفقراء الذين أذلهم زمان وحاربهم في رزقهم من أعوان واصدقاء ومحبي صاحب عربة بيع الخضر !!

أما إبن المبارك الذي ركب رأسه فرأى الشعب المصري البطل والذي تجاوز تعداده الثمانين مليون انسان رآه "حتة عيال" هكذا بدا الشعب المصري له ، ولم يدرك ان ثورات الشعوب يطلق شرارتها الاولى أولئك "العيال" ثم ينتشر الحريق فيحرق الاخضر واليابس ومعها راكبي رؤوسهم كما شاهدناه يواجه الحساب في المحكمة .!

والمعتوه ملك ملوك أفريقيا ومخترع نظام الجماهيريات كان موته علي يد الثوار الذين كان يسميهم بالجرذان !! وبدل أن يلاحق الشعب من زنكة الى زنكة !! لاحقه الشعب من مجرى الى مجرى !! حتى أصطادوه خائر القوى مرتجفا متوسلا ب " الجرذان " عندما لا يفيد الإعتذار وعلى يدهم كانت نهايته المهينة .

وقد لا يكون مصير الأسد ( لقب عائلتهم الحقيقي هو الوحش وليس الأسد ) افضل ممن سبقوه إن لم يكن أسوأ ، لأنه لا يزال يركب رأسه منذ توريثه للتسلط على سوريا بعد تعديل الدستور ليستحق المنصب ! وورث الولد المزرعة من ابيه من دون قسام شرعي ، وفي القسام الشرعي قد يعدلون العمر لا القانون ، ولكن في الدول العربية يعدلون القانون على مقياس الرئيس !! ليقود " قلب العروبة الصامد " ربما يقصد صموده على العرش !! وظل راكبا رأسه حتى رأى ولا يزال يرى أن الشعب السوري البطل مجموعة من الإرهابيين بمن فيهم عشرات الآلآف من النساء والآطفال الذين ماتوا تحت الأنقاض التي أصبحت مدنهم كالآطلال !!

وقبلها عشرات الألاف من الضحايا العراقيين على يد الإرهابيين الذين كانوا يتدربون على يد ازلامه ليقول للشعب السوري : إختاروا بيني وبين الارهاب في العراق ، دون أن يدرك أن الدور يأتيه عاجلا أو آجلا ،ولم تفد معه المظاهرات والكلام لأنه ظل راكبا رأسه  وسيبقى كذلك الى نهايته المحتومة .

ولا أستثني المالكي الذي رأي نفسه بين ليلة وضحاها حاكما مطلقا يستهين بحقوق الناس الطبيعية ، والذي حوّل العراق الى أفشل دولة وأكثر فسادا وتزويرا بين دول العالم ، وبغداد أسوأ عاصمة بين عواصم العالم ، والعراق أخطر منطقة ، والشعب العراقي أفقر شعب بالرغم من أنه يملك الميزانيات الفلكية ، ويبدو ان المالكي ومن لف لفه لم يتعلموا الدرس من الذين ركبوا رؤوسهم وما آل اليه مصيرهم بل يصرون على ان يخوضوا التجربة ، تجربة ركوب الرأس ... حتى سقوط الفأس على الرأس ، وقد يسقط الفأس على الرأس عاجلا أو آجلا .

وهكذا كان الحال ، كما قال المرحوم المطلك :
من يركب رأسه لا يفيد معه الكلام ،و هكذا كان حكام العرب منذ نصف قرن حتى اليوم ، بل هكذا كان الحال منذ 14 قرنا ! والتاريخ لا يرحم وسيبقى ، ينتقم عاجلا أو آجلا من كل من يركب رأسه ويرى الشعب مجرد " جرذان "! أو " حتة عيال " ! أو " كلاب جرذاء " !!! ومن يفلت من قبضة الشعب تلاحقة لعـناته .
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter