| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هرمز كوهاري

hh.gohari@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    الجمعة 2/9/ 2011



الديمقراطية ... في النظرية والتطبيق (*)

هرمز كوهـــــــاري

الديمقراطية عرّفت أو تعرّف منذ نشأتها بأنها حكم الشعب بالشعب وللشعب ،ولا يعني هذا أن الديمقراطية هي العدالة المطلقة حيث ليس هناك عدالة مطلقة ولا يمكن أن تكون يوما ما ، هي أو أي نظام آخر كذلك ، إلا أنها تعتبر أقرب الى العدالة من غيرها من الأنظمة حاليا على الأقل . كما أن الديمقراطية ليس معناها أن الفرد يحصل على ما يبتغيه ، كما أنها لا تعني أن الأكثرية لها ما يحلو لها وإلا لفقدت معناها طبقا للقاعدة الذهبية القائلة : إن حقوقك أو حريتك تنتهي عندما تبدأ حقوق وحرية غيرك ، وكذلك حقوق الأكثرية تنتهي عندما تبدأ حقوق وحرية الأقليات القومية أو الدينية أوالطائفية ، لأن النظام الديمقراطي وضع أصلا لتحقيق هذه الحقوق .

وبديهي أن النظام الديمقراطي أصلا لا يمكن تطبيقه وفق التعريف أعلاه نصّا أي أن كل الشعب يحكم كل الشعب ! بل أستعيض عنه بمجموعة تمثل الشعب ، وحيث لا يمكن لأية مجموعة أن تمثل كل الشعب ، بل تمثل أكثرية الشعب وهو الحل الوحيد كما يبدو . وللوصول الى هذه النتيجة لابد أن يتمتع الناخب والمنتَخَب بحرية الإختيار أو الترشيح وحيث أن هذه الحالة لا تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي ، في حين أن النظام المذكور يتأتى نتيجة إنتخابات حرة !! ، إذاً والحالة هذه أصبحنا أمام لغز وهو أيهما يسبق الآخر ؟ طبعا هذا التساؤل لا ينطبق على الدول التي مارست وتمارس النظام المذكور حاليا وإنما على العراق وغيره من الدول وخاصة العربية منها ، التي أمامها مهمة الإنتقال الى النظام الديمقراطي الحقيقي ، إضافة الى أن العراق يعاني من التعصب القومي والديني والطائفي والعشائري وحتى الأسري وهذه مدعومة بالتقاليد الموروثة والبالية وقبل دخول الإسلام ، ثم الحكم العثماني البغيض إمتدادا الى البعث الصدامي الفاشي .

إن من يستعرض هذه الحالة يدرك جسامة الجهد الملقى على عاتق الطبقة الواعية والمثقفة والفئة المكلفة بتولي المسؤولية والسلطة من الأول من تموز حتى الإنتهاء من الإنتخابات ، وإذا فرضنا جدلا أننا تمكنا من إجراء إنتخابات حرة ديمقراطية وهذا جدّا! مستبعد برأيي ، لما سبق ذكره وكونها أول تجربة من نوعها في العراق ، ولكن مع كل هذا فلابد ، بل يجب أن نبدأ كما يقول [ خالد محمد خالد ] في كتابه " من هنا نبدأ " إذا لابد لنا أن نبدأ مهما كانت الصعوبات فلا يجوز أن يتمكن منا اليأس بل نتصدى له وندحض كل الدعايات المغرضة التي تروّج : أنه لا يمكن أن يُنشأ أو ينجح النظام الديمقراطي في العراق إلا بالتثقيف والإصرار على تطبيقه بالرغم من المعوقات التي يضعها أمامنا المغرضون بشتى الوسائل وهنا نأتي الى مسألة أساسة وهي :هل إذا نجحنا جدلا بتحقيق إنتخابات حرة ونزيهة ! هل هذا معناه أننا حققنا أو حصلنا على نظام ديمقراطي الذي يتمناه كل مخلص؟ وجوابي هو : طبعاً لا!! وقد يستغرب القارئ من إستنتاجي هذا ، والسبب أن رأي الأكثرية ليس دائما أو بالضرورة يكون الرأي الصحيح ، هذا إذا كانت الأكثرية غير واعية ومؤمنة بحقوق الغير كما علّمنا التاريخ ، ذلك عندما كان المصلحون والعلماء على صح والأكثرية على خطأ لا لسبب إلا لجهلهم وتعلقهم بالتقاليد البالية آنذاك وخير دليل على ذلك عندما عارض الجميع فلاسفة اليونان وكذلك العلماء مثل كوبر نيكوس وغاليلو وكتاب الثورة الفرنسية وغيرهم بل إستهزأوا بهم وإتهموهم بالهرطقة والإلحاد وكلفهم ذلك حياتهم ، إذا لابد أن تسبق الإنتخابات حملة نشطة مكثفة لنشر الوعي السياسي والتركيز على حقوق الإنسان كفرد أو كمجموعة في ضوء المعنى الحقيقي للنظام الديمقراطي ، وهذا عبء آخر يقع على عاتق الطبقة المثقفة والواعية سياسيا الأمر الذي يتطلب نشر الوعي السياسي وكل ما يختص بحقوق الإنسان وذلك بتنطيم الندوات والمحاضرات في مختلف أنحاء العراق ولكافة فئات وطبقات المجتمع العراق وإقناعهم بأن التعصب بكافة أشكاله لا يخدم مصلحة الشعب والوطن ولا حتى مصلحتهم الذاتية . كما أن على وزارة التربية وكافة المنظمات مثل النقابات والإتحادات النسائية والجمعيات المهنية والعلمية والصحف والإذاعة والتلفزيون أو أية جهة لها علاقة من قريب أو بعيد إدخال مادة حقوق الإنسان إلزامية وأساسية في مناهجها ومن الصفوف الأولى من الدراسة الإبتدائية وكذلك وزارة الإعلام ونقابة الصحفيين ، كما وتحذر كل صحيفة أو مجلة تحث أو تشجع أي نوع من أنواع التعصب والمخالف يقع تحت طائلة القانون كما يجب على الأسرة وخاصة الأم حيث تقع عليها مسؤولية تاريخية بتربية الطفل ذكرا كان أم إنثى ومنذ السنوات الأولى من عمره ضد القسوة والعنف والحقد كأن يقوم ضد إخوانه أو أصدقائه أو حتى ضد الحيوانات الأليفة .

وهناك مسألة مهمة يجب إنجازها إذا أردنا تحقيق المجتمع الديمقراطي في العراق ، ألا وهي فصل الدين عن الدولة ، وبخلافه فإنه لا يمكننا أن نتصور نظاما ديمقراطيا أو شبه ديمقراطي دون فصل الدين عن السياسة ، لأن رجال الدين أو كل من يدّعي أنه يمثل الدين يشكل سلطة لا تلتزم بالنظام العام أو الدستور بإعتبارهم يستمدون قوتهم وسلطتهم من شرع الله ويصدرون الفتاوى على مزاجهم وأهوائهم ما زالوا غير خاضعين لأية سلطة مدنية ! .

إن فصل الدين عن الدولة لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأن الدين وقدسيته ، بل بالعكس تماما لأن الدين أرفع من إقحامه في الاعيب السياسة والدبلوماسية التي تتطلب أحيانا اللف والدوران حول الحقيقة أو التلاعب بالألفاظ من قبل ممثل الدولة ما دام ذلك يخدم مصلحة البلد الذي يمثله , ومن الناحية الأخرى فإن سياسة الدولة تتغير بل تتقلب وفقا للظروف السياسية ووفق الموازنات الدولية وطبقا للمصالح العليا للبلد ، بينما مواقف الدين وتعاليمه الأساسية وليس الطارئة منها ثابتة لا تتغير ، فكيف والحالة هذه الجمع بين الدين والسياسة ؟؟ أو لا يضمن النظام الديمقراطي حرية العبادة لكل الأديان ؟ ويمنع تجاوز دين على غيره ، أو مذهب على مذهب، ويحترم رأي عقيدة يقتنع بها مهما كانت ، بشرط الا تمس العقيدة ،الغير أو الصالح العام أو قوانين الدولة ، تلك القوانين التي وضعت أصلا لخدمة جميع الطوائف والفئات .

وبرأيي أن الذين يصرّون على عدم الفصل بين الدين والدولة ، هم مغرضون ويريدون سيطرة طائفة على أخرى ، لأن فصل الدين عن الدولة يسحب البساط من تحت أقدامهم ويفقدون المال والسلطة كما يخشون وعي الجماهير ، حيث يخسرون الأموال الطائلة التي يجمعونها من الناس البسطاء بمختلف الحجج والإدعاءات التي لا علاقة لها بجوهر الدين ، علما بأن جميع الأديان والشرائح تؤكد أن [ لا إكراه في الدين ]، بإعتبار أن الدين أو المعتقد أو المذهب هو قناعة الفرد وإيمانه به .إن رجال الدين ينبغي أن يقتصر دورهم على النصح وإرشاد أتباعهم دون اللجوء الى الإرهاب والتهديد والتكفير سواء لأتباعهم أو لغير أتباعهم من الديانات والمذاهب والطوائف الأخرى ،إن الدين هو علاقة الفرد بالخالق فقط لا غير .

إني على ثقة بأن الشعب العراقي سيستطيع شق طريقه السليم في المستقبل القريب والتغلب على المصاعب الجمّة التي يحاول المخربون والمجرمون وضعها أمام مسيرته لكي لا يصل الى الهدف المنشود وهو إقامة العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي المزدهر .
 

(*) نص المقالة التي سبق أن نشرتُها في جريدة [ أكد ـ الكندية ] في مايس 2005

 

 

 

free web counter