| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هرمز كوهاري

hhkacka@yahoo.com

 

 

 

الجمعة 29/1/ 2010



العراق ضحية الفوضى في حضيرة العروبة والإسلام !!

هرمز كوهـــــــاري

"
المؤرخون خطيرون ، وقادرون على قلب كل شيئ رأساً على عقب ، يجب مراقبتهم" ( نيكيتا خروتشوف )

كانت الدول العربية قبل تحررها من الإحتلال والإستعباد العثماني ، تتكلم بإسم أمة عربية واحدة أو هكذا كانت تعتبرها الإمبراطورية العثمانية وإن كانت تضم شعوبا وقوميات ومذاهب مختلفة ، وعندما تحررت من نير الإستعباد العثماني بعد الحرب العالمية الأولى ، توزعت الى دول ذات حدود سياسية معترف بها دوليا و ترأس كل دولة ملكا أو حاكما أو رئيسا أو زعيم عشيرة أو قبيلة .

ولكن تلك الدول بقيت تتكلم بإسم الأمة العربية الواحدة ! وليس بإسم الدول التي تشكلت بالرغم من أن كل دولة كان لها تاريخها وأجناسها وعاداتها وتقاليدها المختلفة قبل التجزئة ،تختلف عن غيرها وإن إعتبرت أمة عربية واحدة ، ولكن في الحقيقة لم يكن تاريخ و عادات وأزياء المصريين ولهجتهم تتفق مع الأزياء واللهجات والعادات لدى العراقيين ولا السوريين ولا السعوديين ولا الجزائريين أو المغاربة ..الخ .

فتاريخ مصر يتكلم عن الفراعنة والأهرام واللغة الهيروغليفية وتاريخ العراق عن سومر وأكد وكلدان وآشور وبرج بابل والجنائن المعلقة واللغة المسمارية ، وتاريخ سوريا ولبنان عن الفينيقيين والسريان ، والسعودية عن قريش والبدو ووأد البنات والسطو والغزوات بين القبائل والجزائر عن ثقافة البربر والآمازيغية وغيرها من القبائل العربية الأخرى وهكذا .

ولكن بقيت هذه الدول ولا زالت تتكلم بتاريخ الأمة العربية الواحدة والمصير المشترك !!! اي هدف مشترك لأن لها تاريخا مشتركا ! والحقيقة غير ذلك مثل ما ذكرنا أعلاه !! وهكذا ربطت نفسها برباط المصير الواحد وأدخلت شعوبها في حضيرة واحدة ، كما يدخل السجناء أو الأطفال أو طلاب الداخلي في مطعم واحد ويقدم لهم طعاما واحدا ، أي ثقافة عربية واحدة و تاريخ العرب والعروبة والإسلام وفتوحاتهم " غزواتهم " وإنتصاراتهم دون الإشارة الى الإنكسارات والنكسات والنكبات ! .

نعم بدأوا يقرأون في آذان الأطفال منذ الصغر بالتاريخ المشترك والمصير المشترك ، أي أن مصيرهم مرتبط بتاريخهم وأصولهم الأصيلة !! و تاريخ الغزوات والبطولات !! والأندلس وبغداد هارون الرشيد ...الخ وأرادوا من مبدأ المصير المشترك التدخل أحدهما بشؤون الآخر والتآمر المتبادل بينهما ، وإعادة كل دولة الى المصير المشترك كلما خرجت عن ذلك الطريق المرسوم لهم سلفا ً!!! وهنا المشكلة الأساسية أو الجريمة التي إقترفت بحق الأجيال ، التاريخ المشترك والمصير المشترك ، أي يكون دليلهم تاريخهم ، أي ماضيهم !!! والماضي المبرقع الثابت لا يتغير ولا يتزعزع أي أن مصيرهم ثابت لا يتطور ولا يتقدم !!

بعكس الدول المتطورة وخاصة الأوروبية منها ، والتي وضعت تاريخها خلفها ونظرت الى المستقبل وأسرعت نحوه ..، نحو التقدم والتطور والعلم والأبحاث بعكس العروبيون والإسلاميون فهم باقون على الماضي ، بقاء التاريخ ، وعلى العهد باقون !! وإذا ما خطا احدهم خطوة الى الأمام يحاولون إعادته بشتى الوسائل ، الممكنة والمتاحة ، تقدمت مصر خطوة الى الأمام بقيادة عبد الناصر فتكالبت عليها الأنظمة القبلية العشائرية مثل السعودية والأردن وعراق نوري السعيد وتبرع الإخوان المسلمون بمحاولة إغتياله ، وتقدم العراق خطوة بل بطفرة كبيرة بقيادة عبدالكريم قاسم فسارعت وإجتمعت الأنظمة الرجعية مع عبد الناصر وأسقطوه بواسطة عصابات البعث لأنه خرج عن المصير والتاريخ المشترك !، ثم اليمن التي كانت تعيش في العصور الحجرية تحت ولاية الإمام يحيى وقيل أنه لم يسمح بدخول أي مظهر من مظاهر الحضارة الى اليمن ، كالسيارة والدراجة والتلفون والكهرباء ..الخ حتى خطت خطوة بقيادة عبد الله السلال فتدخلت الدولة العشائرية القبلية العائلية الأكثر رجعية وظلامية في العالم وهي السعودية لأسقاطه أو لإعادة اليمن الى سابق عهده الحجري وهكذا ....

ومعنى هذا أن العرب والإسلام مصرون على البقاء في الماضي والتغني بالتاريخ بحجة أنهم كانوا يحتلون العالم أو أغلبه ويعيشون عصرا ذهبيا !! والأوروبيون يسيرون نحو المستقبل !، وسنة بعد سنة يزداد البون بينهما إتساعا ، بين تقدم الدول الأوربية التي بدأت تصل بإبحاثها نهايات الكون وآلآف السنوات الضوئية !! وغاصت في النفس البشرية والتجارب المدهشة والتكنولوجية التي فاقت كل التوقعات والتصورات ، والعرب والمسلمون رجعوا القهقرى ووقفوا طويلا عند إجتماع السقيفة !! وأحقية الإمام علي ثم الحسن والحسين بالخلافة ومن بعدهم أل البيت بدلا من أبي بكر وعمر وعثمان ، شيوخ العرب قبل الإسلام ، ويدّعي الشيعة أنهم إختطفوا الدين من آل البيت أحفاد الرسول !
وسمى د. علي الوردي هذا الجدل والنقاش ب " مهزلة العقل البشري " ثم تطور الإسلام الى إرضاع الكبار من قبل زميلاتهم في الدوائر وهي الطريقة المحمدية لمعالجة الميل الجنسي المحرم ، !!! ليثبتوا للعالم أنهم أصلاء ولهم تأريخا مجيدا لا تضاهيهم فيه أي دولة أخرى حتى إذا صعدت تلك الدولة الى المريخ ، وبداعي أن الدولة التي تحتل المريخ تعوزها الأصالة التي يتمتع بها العرب والمسلمون وسمو في الأخلاق والآداب في لبس الحجاب والنقاب وجز الرقاب !!!

ولم يكتف العرب بهذا بل دمجوا الدين الجامد المتجمد المتخشب في مصيرهم المشترك ، فالسني يحقد على ويحارب الشيعي لأن الأخير قد خرج من الطريق المشترك والمصير المشترك ووجب إعادته الى الحضيرة الى هذا النفق المظلم ، كتاب واحد موحد ومعقد ولشدة التعقيد والناسخ والمنسوخ دخل المسلمون في جدال لا ينتهي حتى الساعة و التفسيرات والخلافات المتناقضة ، وهذه التفسيرات المتعددة المختلفة قادتهم الى الصراعات والحروب منذ أربعة عشر قرنا ولا زالوا مستمرين والشعوب ، شبابها ونساءها وشيوخها بل الجميع كانوا ولا زالوا وسيبقون وقودا لهذه الصراعات الدموية بما فيها غير المسلمين ، الشعوب القديمة التي سبقت العرب والإسلام الى هذه الأراضي مثل الكلدانيين والأشوريين والصابئة في العراق والأقباط في مصر والسريان في سوريا ولبنان .....الخ

يقول بول بريمر في كتابه ( سنتي في العراق )
ص/ 254 :

" أذهلني الربيعي بمعلومة أخرى ، فقد أخبره السيستاني بأن الرئيس الأسد بعث برسالة سرية يقترح فيها أن يصدر آية الله فتوى تدعو الى الجهاد ضد الإئتلاف ( أي قوات التحالف ) !!!!

هكذا يستعملون الدين وبكل صلافة وبدون خجل حتى من يدّعي أنه علماني ، علما بأن الأسد الأبن هو دكتور وعاش في بريطانيا في دولة ديمقراطية تحوّل الى داعية للجهاد !!! في سبيل تطبيق " الرسالة الخالدة " ويعتبر تلك "الرسالة الخالدة" كفيلة بإبقائه في عرشه كما تصور قبله صدام ، فهؤلاء العربان لا مانع لديهم من سلوك أبخس وأبشع طرق التي تؤدي الى سفك الدماء والى تلال من الجماجم لمجرد البقاء في كراسيهم أو توسيع نفوذهم منطلقا من مبدأ الأمة العربية الواحدة أو المصير المشترك "

وهكذا ووفق هذا المبدأ المتخلف ، مبدأ المصير المشترك ينبري كل رئيس أو من فرض نفسه رئيسا " تبرع "! أن يقود الأجزاء المتجزئة أو التي جزأها "الإستعمار" ويدّعي أنه شيخ العربان يساعده وعاظ السلاطين ، ولهذا حق التدخل في الشؤون الخاصة لكل شعب بداعي خروج ذلك الشعب عن الطريق المرسوم له وهو : المصير المشترك.

وبعد كل هذا هل نستغرب من كل هذه " الجهود " التي يبذلها هؤلاء قادة العربان وهم كالغربان أو كالنوارس الجائعة التي تتقاتل فيما بينها حتى على أخذ اللقمة من أفواه الأطفال اليتامى والجائعين والمشردين ، أمثال صدام والأسدين و شيوخ الوهابية الظلامية والعجوز حسني المبارك الذي يصر ألآ يترك الكرسي أو القصر إلا في طريقه الى القبر كما يقال : الحاكم العربي ينتقل رأسا من القصر الى القبر أو تسليم الصولجان الى إبنه المدلل كما فعل قبله الأسد ويفعلها القذافي وكما خطط سلفهم صدام بتهيئة قصي للحكم والتحكم بعده وهكذا .. حرصا على الأمة العربية ومصيرها المشترك وتاريخها المجيد !!.

يقول : سلمان رشدي : " القومية هي ذلك التمرد ضد التاريخ "وضد التطور !!

وهذا ما يجري في العراق حاليا فإن العراق سار خطوة نحو الديمقراطية ، اي تخطى المصير المشترك فأجمعت الدول العربية على محاربته بكل الطرق البشعة والخسيسة  .

إنها الأمة العربية والإسلامية ذات التاريخ المشترك والمصير المشترك التي تحافظ على بناتها الشقيقات وتبحث عن كل شقيقة تهرب من التاريخ والمصير المشترك وتطلق كلابها الشرسة كالزرقاويين ومن جاء بعده لمحاولة إعادة العراق الى الحضيرة العربية والإسلامية كما تعيد الكلاب الشاة الشاردة الى القطيع الى الحضيرة !! حضيرة العروبة والإسلام تحميهم كلاب الحراسة !!

ومعنى هذا أن العروبيون والإسلاميون لا يريدون أن يعوا أنهم دولاً وكيانات مستقلة وكل شعب مسؤول عن مصيره وعن المستقبل الذي يريده هو له لا غيره ، بل لا يريدون أن يعوا أنهم في عالم متغير ، في عالم العولمة ، في عالم الفضائيات ، عالم لم يعد يهمه أصل وفصل وحسب ونسب الإنسان ، أي الفرد والمواطن ، ونحن نعيش في عصر تحميل نساء بأجنة ملقحة من أباء وأمهات من جنسيات مختلفة كأن يكون أب فرنسي وأم تايلندية أو أب فرنسي وأم ألمانية تحملها أمراة سويدية أو إنكليزية ، محفوظة في بنك ألأجنة الملقحة الجاهزة وتنجبهم دون أن تعرف من هي أمهم الحقيقة ولا أبوهم الحقيقي .! هذه ليست مزحة بل ظهرت أحدى الأمهات السويديات في ندوة إجتماعية ومظهرها كشخصية مرموقة في الأربعين من عمرها لها ثلاثة أطفال حسب الطلب حملتهم في رحمها ،من أجنة ملقحة جاهزة !! من آباء وأمهات من جنسيات وأقوام مختلفة وحسب الطلب !! طبعا هذه المرأة ليست الوحيدة بل واحدة من الآلأف ولكن ظهرت هذه إما لجرأتها وشجاعتها للإعلان عن نفسها أو وقع عليها الإختيار ، ولا يعني أن هذا الأمر مقبول ومستساغ لي ولك ، ولكن لاحقا قد يكون لأحفادنا شيئا عاديا .
وأذكر في أواسط الخمسينيات عندما ظهرت رقصة " روك آند رول " حرمها الفاتيكان وعددا من الدول بإعتبارها رقصة فاضحة غير أخلاقية وتفسد أخلاق الشباب !!ولكن بعد مرور سنوات أصبحت عادية ، وعندما عيّن الراحل عبدالكريم قاسم المرحومة د. نزيهة الدليمي وزيرة إستنكرها العالم العربي وبالأخص الإسلاميون واليوم حتى في الدول الإسلامية يوجد وزيرات ونائبات وحاكمات ، إنه التطور يفرض علينا ومن يحاول الوقوف بوجهه يجرفه التيار الى المجهول !.

الآن نحن نعيش في عالم لم يعد بالإمكان منع طبع كتاب أو نشر مقال أو صورة فاضحة أو خبرا يذاع ، إنه عالم حقوق الإنسان المتجسدة في الفرد المواطن ، من هو أبوه من هي أمه لا يهم ، إنه إنسان ومواطن صالح وكفى !! عالم من حق كل فرد أن يعرف ويشك ويستفسر عن كل شيئ بما فيها الكتب التي تعتبر مقدسة عند البعض وعادية عند البعض الآخر ، عالم لا يفتش وينقب عن دين ومذهب وعقيدة الشخص المواطن ، ولا يهمه إن كان اصيلا من بني قريش أو من أحراش أفريقيا أو البراري المجهولة أو مجهول الأب والأم كأطفال الأجنة الملقحة !! .

إن كل مواطن مفروض على الدولة بمجرد أنه مواطن لا غير ، وليس بالعكس لأنه هو اللبنة الأساسية للشعب والدولة ولولا المواطن لما كان الشعب ولا كانت الدولة ولا كان هؤلاء الجالسون على عروش الحكم والتحكم إذن هو أساس الشعب والدولة والمجتمع ، وهو مفروض على الدولة شاءت تلك الدولة أم ابت .

مبدأ الأمة من جديد :
نعم ظهر مبدأ الأمة مرة أخرى ولكن ليس مفهوم الأمة وفق الأصل والفصل والتاريخ والجغرافية والدين ، بل وفق الأنظمة والمبادئ فيقال : الأمم المتطورة والأمم المتقدمة والأمم الديمقراطية والأمم المتخلفة والأمم الحرة .الأمم بدأت تصنف وفق تطورها وفهمها للحياة وليس وفق أصلها وفصلها كما مر أعلاه .

والعراق اليوم ضحية الفوضى في حضيرة العروبة والإسلام وسيبقى كذلك ما بقيت هذه الدول متمسكة ومصرّة على تصنيفهم ك " أشقاء " في القومية والدين والمذهب والتاريخ المشترك والمصير المشترك ، وسيبقى الإرهاب والتآمر يتحكم ويمر متنقلاً من بعضها الى البعض الآخر كل منها تدّعي أن " شقيقتها " في القومية والدين والمذهب خرجت عن الصراط المستقيم !!

أدوات الفوضى والصراع : هي ، القومية ، الدين ، المذهب ، التاريخ المشترك والمصير المشترك .

وأسبابها : التحكم ،السيطرة ، المال ، الجاه .

أبطالها : الرؤساء المرجعيات وأزلامهم ووعاظ السلاطين .

فهل سيتعافى العراق وسط هذه الفوضى ؟ قد لا يتعافى إلا إذا خرج وإنتقل الى فضاء الحرية و العلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة ، هل سيتمكن من ذلك ولكن كيف ومتى ؟؟؟؟



 

free web counter