| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هرمز كوهاري

hhkacka@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 29/12/ 2009



العلمانية ليست بالضرورة أن تكون حلا ، الحل في الديمقراطية

هرمز كوهـــــــاري

مقدمة :
في الحوار المتمدن باب بعنوان " العلمانية هي الحل " و قد يكون طرح هذا الموضوع بهذا التحديد والتخصيص ، هو بسبب سيطرة أحزاب وأفكار دينية على شؤون الدولة و الناس والدساتير والقوانين ، ويشمل هذا جميع الدول العربية والإسلامية و خاصة في إيران والعراق والسودان والصومال وغيرها . والمقالة أدناه هي مساهمتي المتواضعة في هذا الطرح وأقول :

كثيرون يعتبرون أن العلمانية هي مجرد إبعاد رجال الدين ووعاظ السلاطين عن السياسة وشؤون الدولة ، بل هي أيضا إبعاد رجال السياسة من الإستعانة بالدين عند الحاجة ، إن هذه المجتمعات تعاني من التداخل بين الدين والسياسة ، فأحيانا يتدخل رجال الدين بالسياسة لحماية مراكزهم ومصالحهم وأخرى يستعين الساسة بالدين للمتاجرة به بما فيهم غير المؤمنين لا حبا بالدين بل لكسب مزيد من المؤيدين المغفلين !

وأظن أن الدين مبدأ وضعه الملوك والحكام والسلاطين في بدء التجمعات البشرية وليس العكس، بدءا بالأوثان ، عندما أراد أولئك الحكام الإستعانة بآلهة فوق مستوى البشر !! لدعم أعمالهم وتسلطهم على شعوبهم بأنهم مكلفون من تلك الآلهة بكل أحكامهم وتصرفاتهم وعليه فعلى الشعب إطاعتهم ، وإن تلك الآلهة لا تهمس إلا بآذان الملك أو السلطان ولا يفهم لغتهم إلا أولئك الملوك والسلاطين !!، كألإسطورة التي تقول : أن الملك داود كان الإنسان الوحيد الذي يفهم لغة الحيوانات! أو أن النبي موسى تسلم الوصايا العشر من الله ، فلماذا سلمها الله الى شخص واحد ولم يوزعها في ضوء الشمس لتصل الى كل إنسان على سطح الأرض لأن الشخص الواحد يعجز عن إيصالها الى جميع الناس مهما إمتلك من القوة والمهارة والنفوذ !! .

وفي المرحلة الثانية ظهر أنبياء ومصلحون لتقويم سلوك الملوك والسلاطين باللجوء الى الناس مباشرة وعندما كثر أتباعهم وتعاظم نفوذهم قطع أولئك السلاطين الطريق على أتباع الأنبياء والمبشرين والمرسلين وتولوا هم ، أي السلاطين ، الدعوة كخلفاء للأنبياء والمصلحين وعادوا الى الظلم والتسلط بإسم الدين .
وبدأ الناس ينفرون من الدين بعد أن أصبح مظهرا أو عونا لأولئك المتسلطين ، كما كان الحال في حكم الكنيسة في أوروبا والخلافة الإسلامية في الشرق ، وبدأت الدعوات الى إبعاد الدين عن الحكم والدولة ، وسميت الدعوة بالعلمانية والقوانين الوضعية وليست المنزلة ولكن نسوا أن المبادئ الدينية إذا تغلغلت وسيطرت فلم يكن من السهل تخليها عن مركزها وهكذا حدث صراع قاس ولا يزال مستمرا بين الدين والعلمانية ، وشعوب تخلصت من سيطرة الدين ورجاله وتحولت الى مجتمعات علمانية ديمقراطية بينما الأخرى تحولت الى علمانية دكتاتورية .
وقبل أن تسيطر الكنيسة أو الخلافة الإسلامية على شؤون الدولة والناس كانت دولا وإمبراطوريات علمانية دكتاتورية وقرأنا كثيرا كيف كان بعض الملوك و الحكام يتلذذون في قتل وتعذيب معارضيهم في مهرجانات تقام في ساحات عامة أو المسارح التي بنيت لهذا الغرض !! كالمسرح الروماني المشهور في روما .

1- هل العلمانية هي الحل ؟
كثرة تدخل الدين من خلال رجاله في شؤون الدولة والناس على حساب حرياتهم ، فكان لابد من نمو المقاومة للتخلص من هذا التدخل ، فأسسوا أنظمة علمانية ولكن لم ولن تكن تلك الأنظمة العلمانية بالضرورة حلا ! اي لم يؤسسوا مجتمعات حرة عادلة نزيهة على أنقاض الدكتاتوريات الدينية ، بل إنتقلت تلك الدول والمجتمعات من الدكتاتوريات الدينية الى الدكتاتوريات العلمانية والأمثلة كثيرة ومتعددة ، ونكتفي هنا بذكر ثلاث منها كنماذج ليس إلا :

1- دكتاتورية تركيا العلمانية
بعد إزاحة آخر دكتاتورية إسلامية أو آخر دكتاتورية بإسم الدين أي الخلافة الإسلامية العثمانية ، بعد سيطرة مصطفى كمال الذي سمي فيما بعد بأبي تركيا (أتاتورك) أقام الأخير دكتاتورية علمانية بإسم القومية التركية (الطورانية) و همّش وإضطهد وأباد كثيرا من القوميات الصغيرة كالأرمن والآشوريين والسريان وحرم ولا يزال يحرم الأكراد من حقوقهم القومية والثقافية و عمل على دمجها في قومية واحدة أي تتريكها وفرض اللغة التركية على حساب لغتهم القومية ، وطبعا هذه الدكتاتورية العلمانية لم تكن حلا ، لمشكلة تلك الشعوب .

2 - الدكتاتورية البروليتارية العلمانية
قبل دكتاتورية أتاتورك قامت في روسيا القيصرية دكتاتورية علمانية إثر الثورة البلشفية في 1917 بقيادة فلاديمير لنين وسميت ب- دكتاتورية البروليتارية أي دكتاتورية الشغيلة وحاربوا كذلك الدين ورجاله الذين كانوا عونا لقيصر روسيا ومبررين لظلمه ، وكان رجال الدين يوعظون أو يوهمون الناس : أن الناس خطاة ولذلك الله يسلط عليهم الحاكم الذي يستحقونه إنتقاما منهم !! والإ لأزاحه الله ، فهو قادر على كل شيئ قدير ، وعليه كان رجال الدين يطلبون من الشعب أن يصوموا ويصلوا ويطلبوا من الله لا أن يزيح القيصر !! بل ليحل الرحمة في قلبه ليرحم الشعب المسكين !!!! ، وبعد مصرع لينين تولى السلطة خليفته جوزيف ستالين ،والأخير كان دكتاتور الإتحاد السوفياتي ، بشهادة رفاقه وحارب الدين للتخلص من تدخل الكنيسة في شؤون الدولة والتـأثير على عقول النشئ ومع هذا أسس دولة قوية عظيمة متطورة في كل المجالات، العمرانية و العسكرية ،وكان لهذه الدولة العظيمة الفضل الأوفر في تحطيم الدكتاتورية النازية وتخليص العالم من شرورها . نعم أن الإتحاد السوفيتي قضى على الفقر والبطالة وأزمات السكن وتحولت الى جنة على الأرض ولكن على حساب حرية الرأي والعقيدة التي هي إحدى أسس الديمقراطية حيث لا نتصور نظاما عادلا إنسانية إذا سُلبت فيه حقوق الفرد في الرأي والعقيدة ، سواء كانت عقيدة سياسية أو إجتماعية أو دينية ، وإستغل أعداؤهم الرأسماليين بما فيهم العلمانيين هذا وإعتبروه خير وسيلة لمحاربة الماركسية والشيوعية ، ! لا حبا بالدين بل بغضا بالنظام الشيوعي .إن النظام الشيوعي حل المشكلة الإقتصادية وفشل في حل مشكلة الديمقراطية أي حرية الرأي والعقيدة .

3 - دكتاتورية حزب البعث الدموي العلمانية
أُسس حزب البعث الدموي على أسس علمانية بلطجية ! على "الجماجم والدم ...." ولا حاجة بنا لذكر سلوك تلك الدكتاتورية البشعة التي فرضها حزب البعث والقوميون منذ 8/شباط الأسود 63 وخاصة في فترة صدام التي كانت أقسى دكتاتورية شهدها النصف الثاني من القرن العشرين بشهادة القاصي والداني بما فيهم من كانوا من أقطابها ! علما بأن هذا "الحزب" أسُسه علمانية بدلالة أن مؤسسيه كانوا من المسيحيين والمسلمين وغيرهم ، ثم أختزل الى طائفة ثم الى عشيرة ثم الى عائلة وأخيرا أختزل بشخص واحد ، صدام في العراق وحافظ الأسد ووريثه في سوريا وهذه العلمانية لم تكن حلا بل تدميرا للمجتمع .

2 - وأخيرا فالديمقراطية هي الحل ...لا العلمانـــية المجردة
كما رأينا أن العلمانية المجردة ليست بالضرورة أن تكون حلا إلا إذا كانت علمانية ديمقراطية ، ولكن الديمقراطية بالضرورة يجب أن تكون علمانية ، كالمثل الذي يقول [ كل جوز مدعبل ،ولكن ليس كل مدعبل جوز ] !!أي أن كل ديمقراطية يجب أن تكون علمانية وليس من المفروض أن تكون كل علمانية ديمقراطية ! و يمكن أن نعتبر العلمانية أرضية للنظام الديمقراطي ، فلا ديمقراطية بدون علمانية ولكن هناك علمانية بدون ديمقراطية ،أي علمانية دكتاتورية.
ثم إن الديمقراطية لا تحارب الدين بقدر ما تحارب السلوك أو الشعارات التي تتعارض مع الحقوق والحريات العامة ، وحقوق الإنسان التي إختصرتها الثورة الفرنسية بثلاث كلمات : ( الحرية العدالة المساواة ) أي أن حريتك أو حقوقك تنتهي عندما تبدأ حرية أو حقوق الغير، وكذلك العدالة والمساواة في توزيع الثروة وأمام القضاء والقانون ...الخ
نعم إن الأنظمة الديمقراطية العلمانية هي ضد إستغلال الدين في محاربة الفكر الحر و تكفير الغير أو هدر دمه أو كرامته تحت أي مسمى كان ولا يمكن بأي حال الأحوال أن يحل الدين أو رجل الدين محل القضاء ، إن الديمقراطية تعطي حرية التدين دون أن يكون فيه إكراها أو تهديدا أي: ( لا إكراه في الدين ) وهو المبدأ الذي تقره جميع الأديان ،إن الديمقراطية تعطي حرية الدخول في الدين أو الخروج منه وهذا هو الإيمان الصحيح المبني على القناعة والإقتناع لا على التهديد في الدنيا والترهيب أو الترغيب في الآخرة .
وبرأيي أن أي مؤمن يدخل الى الدين أو يخرج منه عن طريق الإكراه أو حتى عن طريق الغش أو الإغراء لا يعتبر مؤمنا وإيمانه لا يعتبر إيمانا بالمعنى الصحيح للإيمان ، فالإيمان هو القناعة وبعكسه يكون نفاقا أو يكون أسيرا للدين ، إن الإيمان بالمبدأ سواء كان مبدأ دينيا أو إجتماعيا أو سياسيا ليس الطاعة أو التظاهر أي محاولة إقناع الغير أو إقناع نفسه و فكره به ! كما أن الإنسان يجب أن يُخضِع العقيدة لفكره ، لا أن يُخضع الفكر للعقيدة !! فالفكر يبدأ بالشك الى أن تحصل قناعته بتلك العقيدة . .

3- وأخيرا : أن النظام الديمقراطي ليس نظاما مثاليا
ولا أقصد فيما تقدم بإن النظام الديمقراطي هو النظام المثالي الذي لا تشوبه أية شائبة أو النظام الذي يحقق العدالة المطلقة ! بل قد لا يتوصل الإنسان الى ذلك النظام المثالي ولا الى العدالة المطلقة يوما من الأيام كما يعتقد علماء الإجتماع ! ، ولكن وجد أن النظام الديمقراطي هو الأقرب الى العدالة من غيره من الأنظمة حتى الآن .
إن الحسد والأنانية و حب الذات والطمع بالمال والجاه هذه الصفات التي تجعل النظام الديمقراطي غير مثالي ، قد لا تزول من البشرية لآنها جزء من الطبيعة البشرية المتأصلة بالأنسان منذ وجوده على هذه الأرض .
إن علماء الإجتماع والمصلحون يحاولون التقليل منها وحصرها بأضيق نطاق فقط لا إزالتها لأنها قد لا تزول إلا بزوال الإنسان .

وكل سنة ، والكل في خير وسلام وإطمئنان في ظل نظام ديمقراطي وحياة كريمة .
 


 

free web counter