|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 19/7/ 2012                                 هرمز كوهاري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الغـــرب الديمقراطــي... والإسلام السـيـاسي
مَـــن يـــروّض مَــــــن ؟

هرمز كوهاري

يتساءل كثيرون كيف أن الغرب الديمقراطي يرحب بل يشجع الإسلام "السياسي" عدو الديمقراطية ويفضله على الديمقراطيين والعلمانيين في مجيئه الى السلطة !

ثم كيف يتخلى الإسلامي الذي يعتبر نفسه فردا من " خير أمة أخرجت الى الناس " وجَعَله الله شرطيا على بقية الناس ليكفّر هذا وذلك مدعيا حماية الذات الإلهية " تأمرون الناس بالمعروف وتنهون عن المنكر " علما بان الله ليس بحاجة الى حماية كائن من كان بل هو بإمكانه أن يحمي كل المخلوقات إن شاء ذلك ، بنظر كل الأديان السماوية .

ثم كيف يتخلى " الإخواني " والسلفي عن كل هذه الميزات التي أنعم الله بها عليه ، هل كل هذا ليعتبر وطنيا ديمقراطيا ؟ أم ليصل الى السلطة والمال والجنس ...؟؟؟؟ .

ويمكننا أن نستمر في التساؤلات لكن ما يهمنا في هذه المقال هو ما ورد في عنوان المقالة . والتساؤل الذي يطرح نفسه : كيف تشجع حكومات الغرب الديمقراطي الإسلاميين في الوصول الى الحكم في الدول العربية والإسلامية وتخذل العلمانيين والديمقراطيين !!

وإعتبره البعض هذا مخالفا للمنطق والواقع والمتوقع

ويمكن أن نفسر هذا :

أولا ـ وقبل كل شيئ يجب ألا ننسى أن الغرب ممثلا بحكوماته ، تاجرا متجولا يشتري المواد الأولية والأيدي العاملة بأرخص ما يمكن من الآسعار ويبيع بضاعته بأعلى ربح ممكن ، ولا يهمه من يكون البائع او المشتري وما هو دينه و معتقده .

ثانيا ـ لو فعل الغرب هذا ، أي لو دعم الديمقراطيين لكان خسارة للديمقراطيين والعلمانيين !! إن لم تكن في نتائج الإنتخابات ، بل قد تكون في زعزعة ثقة الشعب بهم على أنهم عملاء الغرب جاءوا الى الحكم بالقطار أو بالدولار الأمريكي أو اليورو الأوربي ، وهذا ما كان يروّجه أعداؤهم من الإسلاميين والرجعيين والإخوان والسلفيين ، وإن لم يفوزوا ! مقابل إستقواء الإسلاميين بإدعائهم بأنهم معادون للغرب صديق العدو الإسرائيلي وليسوا عملاء له ويزيدون من رصيدهم الشعبي بين الإسلاميين والسلفيين !!.

ولهذا وجدنا أن الدول الديمقراطية الغربية رحبوا بصعود الإسلام " السياسي " الى السلطة في مصر ، وبقية بلدان المغرب العربي ، بل أن أوباما وكثير من رؤساء الدول الإوروبية سارعوا لتهنئة مرشح الإخوان محمد مرسي بالفوز ، وهرعت الوزيرة كلينتون الى مصر لمقابلته وبعده المشير الطنطاوي وكذلك الخارجية المصرية ، و أشار د. مأمون فندي في إحدى الحوارات أن أمريكا طلبت من المجلس العسكري المصري سحب تأييده لمرشحه أحمد شفيق وبمعنى آخر أعطاء الضوء الأخر لمرشح الإخوان ، وأخيرا ورد في الأنباء أن أمريكا دعمت الإخوان بمليار ونصف المليار دولار في حملتهم الإنتخابية ....!!

قبل إنهيار الإتحاد السوفيتي ، كل دعم وتشجيع من الغرب كانت تتلقاه المنظمات الإسلامية بما فيهم المجاهدين ، كان يفسر قطعا بجعلهم مرتزقة لمحاربة الشيوعية !

كما ساندت أمريكا احزاب الإسلام الشيعي في العراق وباركت تسلمهم السلطة !! وهي تعلم ،أي أمريكا ، أن هذه الأحزاب والتشكيلات الإسلامية لم ولن يؤمنوا بالديمقراطية وحقوق الإنسان ولا بحقوق المرأة ولن يطبقوها في كل الأحوال .

واليوم ليس هناك لا إتحاد سوفيتي ولا حزب شيوعي قوي يتوقع أن يستلم السلطة ! و مع علمهم بأن الإسلاميين ، ولم أقل المسلمين ، مهما إتخذوا من أسماء وتسميات لم ولن يؤسسوا نظما ديمقراطية ! التي تروّج لها أمريكا ! إذاً لماذا هذا الدعم المفرط سياسيا وماليا ودون أي تردد .

وهل يمكننا أن نقول : أن تشجيع فوز الإسلام السياسي هو خدمة للديمقراطية والعلمانية على أمد بعيد ؟!!

ولكن قبل أن نحاول أن نفسر هذا ، يجب أن نعترف بأن أغلب دول العالم الثالث وخاصة الدول العربية والإسلامية ، ليست إلا موضوع مساومات وصفقات سياسية بين الدول الكبرى المتنفذة والمتحكمة بالسياسة الدولية ، تلك التي تمتلك المال والسلاح والتكنولوجية ، أي تدخل في لعبة الكبار شاءت أم أبت ، وخير مثال على هذا ما يعانيه الشعب السوري اليوم .

بالإضافة الى :

أولا ـ إن الإسلام السياسي قوة سياسية وإجتماعية ودينية متغلغلة في مختلف طبقات هذه الشعوب وواقع لا يمكن تجاهله ، باي حال من الأحوال ، ومن الصعب مقارعته وجها لوجه فكان لابد أن يسحب الى معركة الديمقراطية التي لا يجيدها ليجرب حظه فيها !.

ثانيا ـ إن فوز الإسلاميين تكون أمريكا والدول الغربية قد نقلت الإسلام من إسلام يكفر الديمقراطية والعلمانية الى إسلام يعترف بمبدأ الديمقراطية وممارسة الإنتخابات .

ـ و نقل الصراع معهم من صراع السيوف والسكاكين ، الى الصراع بأوراق الإنتخابات .

ـ وسحبهم من ساحات القتال الى قاعات الإنتخابات .

ـ ومن صبغ أصابعهم باللون الأحمر القاني الى اللون البنفسجي !!

ـ ومن فئات يقسمون على تطبيق الشريعة المنزلة على الأمة الى فئات يقسمون بالإلتزام بالدستور و الدولة الوطنية والمدنية والديمقراطية .

ـ ومن إخوان المسلمين الى إخوان المواطنين .!

ـ ومن وقوفهم وجها لوجه في صراعهم مع غير المسلمين الى وقوفهم جنبا الى جنب مع غير المسلمين والعلمانيين ومع النساء في الإنتخابات !

هذا إضافة ألى تجنب تهديد الإخوان والسلفيين الذين هددوا بتحويل شوارع القاهرة الى أنهار من الدماء إذا لم يفوزوا في الإنتخابات كما فعلوا في الجزائر ، إن دعمهم و إعطائهم الضوء الأخضر في الإنتخابات لم يكن إلا تجنبا للكارثة ومقارعتهم في معركة الديمقراطية التي لا تستل السيوف ولا تجري فيها الدماء وتتناثر الأشلاء !.

ثالثا - أن أمريكا وبقية الدول الغربية وضعوا الإسلاميين في السلطة أي أمام إمتحان عسير لإثبات إدعائهم الذي أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بأن " الحل في الإسلام " أو الإسلام هو الحل " ليقولوا لهم تعالوا الى الإمتحان :

في الإمتحان يكرم المرء أو يهان !!

رابعا - إن وصول الإسلاميين الى السلطة سيحدث شرخ عميق بين الإسلام المتطرف العدواني والإسلام المسالم ، لأن وجود الإسلام في السلطة سيضطر الى التعاون مع الغرب ومهادنة إسرائيل ولو بطريقة غير مباشرة لضمان إستمراره في الحكم الأمر الذي سيؤجج الخلافات فيما بينهم وبالتالي يؤدي الى ضعفهم ! وهذا أيضا سيصب في صالح العلمانيين والديمقراطيين والغرب .

خامسا ـ والأهم مما سبق ذكره أن الإسلام السياسي في مصر وشمال أفريقيا هو إسلام سني يتفق ويتعاون ويتحالف مع السعودية وبقية دول الخليج العربي وهذا يشكل " خط ماجينو " و سدا منيعا بوجه " الهلال الشيعي" ! و التمدد الشيعي أو النفوذ الإيراني الذي يلتقي بالنفوذ الروسي والصيني كقطب يتحدى القطب الأول أمريكا والغرب في المنطقة والعالم ! وهذا ما ترغب به أمريكا والغرب قبل كل شيئ .

وهذا أيضا يضعف توحد الإسلام السياسي العالمي وهذا أيضا سيكون في صالح العلمانية والديمقراطية ، ولكن قبل كل شيئ يكون في صالح الدول الغربية وأمريكا قبل العلمانية والديمقراطية .

وبهذا يعتقد الأمريكان والأروربيون، برأي ، أنهم تمكنوا من ترويض الإسلاميين وإدخالهم في تجربة الديمقراطية ، فتطبيقها هو من أصعب الإمتحانات السياسية ، في الدول العربية والإسلامية ، وحتما سيفشلون ، لأنهم إذا طبقوا الديمقراطية وحقوق الإنسان يعني تركهم الشريعة الإسلامية وهذا كفر وإلحاد وخيانة لإخوانهم في الإسلام ! وحتما سيخسرون إخوانهم الذين صفقوا لهم ، وإذا تمسكوا بالشريعة ويعادون الديمقراطية التي إدّعوا أنهم ديمقراطيون يكونون قد نكثوا بقسمهم ، وبهذا يكونون قد ضيعوا المشيتين كما يقال ، وفشلهم يكون إنتصارا للديمقراطيين الحقيقيين ، والتجربة والإمتحان أكبر برهان

أما الإسلاميون :

أولا ـ يعتبرون أنهم هم الفائزون عندما تمكنوا من إستغلال الديمقراطية وجعلها سلما للوصول الى السلطة لتطبيق شريعتهم السمحاء ! وجسرا للعبور الى الديمقراطية و المدنية و ( العلمانية ) الكافرة للقضاء عليها ، وإنهم روّضوا الديمقراطية لصالحهم ولسان حالهم يقول : بسلاحكم " الديمقراطية " الذي كنتم تحاربوننا به نحاربكم به اليوم !

ولكـــــــن :.

عندما يتخلى المسلم أو أي مؤمن عن هويته الدينية في سبيل السلطة والمال والجنس أو لأي سبب كان ، لم يعد من حق ذلك الشخص أو الحاكم أن يطالب بتطبيق شريعته الدينية كلا أو بعضا ما دام قد إنتقل من دائرة الدين الى دائرة السياسة و الوطنية والديمقراطية .

فهل نهنئ الديمقراطية ، نحن الديمقراطيون ، لأنها تمكنت ، أي الديمقراطية ، من ترويض الإسلام بما فيه الإسلام المتطرف أو العدواني ( السلفي ) وتحويله الى الإسلام الوطني الديمقراطي !! وطوعته ليقف بكل إحترام وخشوع مجردا من السيوف والبلطات في صفوف الناخبين لا في صفوف المجاهدين !

أم نبكي على الديمقراطية لأنها خانت العهد و أوصلت أعداءها الى السلطة على حساب المؤمنين بها وأصدقائها وأبعدت الديمقراطيين الحقيقيين عن السلطة للقيام بواجبهم لخدمة المواطنين ؟

وهل ستتمكن الديمقراطية أن تحول أعداءها الى الأصدقاء .

أم يتمكن أعدائها من تشويهها والحكم بالدكتاتورية بإسمها ؟

وهل سيأتي يوم نهتف بسقوط الديمقراطية التي أوصلت أعداءها وأعداء الشعب الى السلطة ؟

ويكون حالها حال السيادة الوطنية التي كنا نتغنى بها ونصونها بصدورنا العارية ضد التدخل الأجنبي ، واليوم نلعن تلك السيادة التي تحولت من السيادة الوطنية الى سيادة أشخاص وعوائل وعشائر وإنتهازيين ومنافقين ، لا سيادة الشعب ، ونفتح اذرعنا للأجنبي وندعوه للتدخل ليخلصنا من تلك السيادة الدكتاتورية الى السيادة الشعبية ، بعد أن فسدت وأصبحت في خدمة أعدائها ؟

وهل :

وصول الإسلاميين ، الى السلطة يمثل بدء نهايتهم كإسلاميين ،لا كمسلمين ، لأنهم سيفشلون بتنفيذ شعارهم الذي خدعوا الناس به ثمانون سنة " الحل في الإسلام " أو " الإسلام هو الحل "! واليوم يرفعون شعار الحل في الديمقراطــــــة !! ويكون مصيرهم كمصير القوميين والبعثيين ؟

و كلما يرتفع الإنسان كلما يكون سقوطه أخطر، كما يقال

والذي يخدع الطرفين يتلقى الضربات من الجهتين .

والأيام ستكشف لنا :

مـَـــن يروّض مـَــــن ؟؟؟؟؟

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter