| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هرمز كوهاري

hhkacka@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 17/6/ 2008



 الحكم الذاتي في سهل نينوى
بين النظرية والتطبيق

هرمز كوهاري

المدخل :
بدءا من حق كل إنسان أن يعتز بقوميته وأصله وفصله ، ولكن بحدود واقعه ، لا أن يعيش في الماضي التليد ويحاول إعادته ، إن ذلك يعتبر هروبا من الواقع أو هروبا الى الوراء .

والشعب { الكلداني الآشوري السرياني } وأختصره هنا بعبارة واحدة وأقول الشعب [الآرامي] للسهولة ، وإن لم تمثل التسمية الهوية الحقيقية لهذا الشعب برأي البعض ، وهذا ليس موضوع المقال .

وإستنادا الى ذلك الماضي التليد الذي يفتخر به كل من ينتمي الى هذا الشعب وأنا أحدهم ، حيث وضع ذلك الشعب ، الذي نفتخر بالإنتماء اليه ، وضع اللبنة الأولى والخطوة المهمة في طريق تقدم البشرية بإكتشافه الكتابة التي تعتبر أعظم إكتشاف توصلت اليه البشرية ولا زالت تستعين به وستبقى ربما الى مدى الدهر ولو بأساليب مختلفة ومتطورة ، الى جانب العجلة والزراعة والشريعة وتدجين الحيوان العون والصديق الأول للإنسان في حياته ولا يزال .

وكانت لغته هي اللغة السائدة في الشرق حتى الصين لغة القانون والعلم والفن وعلم الفلك والتجارة الى غير ذلك من مهمات اللغات ، وذلك إستنادا الى علماء الآثار والمنقبين والباحثين .

وإحياءا لذلك الماضي المشرّف الذي نتباهى به دون غرور ، إنبرى كثير من كتابنا ومثقفينا وساستنا المحترمون ،الى محاولة إعادة صورة مصغرة ومبسطة منه ، الأمر الذي شجعهم على طرح مشروع الحكم الذاتي لسهل نينوى ، ويبدو من متابعة تلك المقالات والندوات سواء في القاعات وسط مجموعات يهمهم الأمر أوعلى شاشات الفضائيات ،ونجد أن الإخوان الكتاب المحترمون في عجالة من أمرهم بصدد طرح المشروع لدرجة أنهم لم يعطوه الأهمية التي يستحقها لدراسته من جميع النواحي الذاتية والموضوعية بالرغم من أهميته ، حيث يتعلق بحقوق قوم له حضوره في كل مجالات الحياة السياسية والإجتماعية العراقية منذ آلاف السنوات ، وفي التاريخ الحديث ، أي منذ تأسيس الحكم الوطني ولا يزال ، حيث كان لهم بصمات واضحة وثابتة ولا زالت في الحياة الساسية من خلال الأحزاب الوطنية والجمعيات الإجتماعية والنقابات العمالية والمؤسسات والدوائر الحكومية والمعاهد العلمية ..الخ

وكما نقرأ ونسمع من الطروحات أن المشروع عاطفي بإمتياز ، أكثر من كونه علمي مدروس يعتمد على الدراسات الميدانية المعمقة والإحصائيات والإستفتاءات النزيهة البعيدة عن التعصب والتشنج ، لكونه يتعلق بمستقبل مئات الآف من هذا الشعب ، ولا يخفى أن كثيرا من الساسة يحاولون الإستفادة من الظروف الطارئة ، أي إقرار الفيدرالية للعراق ، والفيدرالية ليست أن كل شعب أو مجموعة قومية أو دينية أو طائفية ، تقتطع قطعة أرض على أساس أنها أرض أجدادهم ويؤسسون عليها كومونة على مزاجهم ! هذا ولا أعرف كيف فاتهم أن كل مشروع ،إقتصادي ، تجاري ، صناعي ، زراعي أو سياسي أو أي نوع آخر من المشاريع ،هذه وخاصة السياسية منها والتي تتعلق بمستقبل شعب ،لا تبنى أو تؤسس على العاطفة والحنين أو المزايدات ، ولا على الشعارات والكلمات والخطابات ، ولكن على الدراسات العلمية الميدانية الواقعية ، كالإحصائيات والإستفتاءات والتخطيط المسبق ، كما مر أعلاه ، علما هناك مشاريع ينجح البعض بتأسيسها ولكنها لا تعطي الفائدة المرجوة أو الهدف المطلوب ، فتبقى عالة على المؤسسين أنفسهم وعلى المشمولين بتلك المشاريع . ولا يخفى أن كل مشروع مهما إختلف وتنوع يخضع لمبدأين :

أ - الظروف الذاتية
ب – الظروف الموضوعية


وتتضمن الظروف الذاتية هنا على:

1 - هوية الداعين الى المشروع وخلفياتهم
2 - الجدوى أو المنفعة ، الإقتصادية أو الساسية
3 - الرغبة أو موافقة من يشملهم المشروع
4 - إمكانية التطبيق أو الإنجاز ذاتيا أو داخليا
5 - الأمن و الحماية

أما الظروف الموضوعية :

1 – موافقة الغير الذين يمسهم المشروع
2 – دستورية المشروع ، أي مدى تطابقه مع الدستور والقوانين العامة
3 – أرضية المشروع أي تحديد حدوده و مساحته وحمايته
4 – عوامل أخرى

أ- الظروف الذاتية :

1- من يتبنى المشروع وهويتهم !
وقبل أن نناقش فقرة فقرة ، نقول من حق المشمولين بالمشروع أن يتعرفوا على الداعين الى هذا المشروع وخلفياتهم السياسية والفكرية ، لأن هناك من يطرح أفكارا لا تتطابق مع نياته الخفية غير المعلنة والتعرف لا يعني التشكيك ، لأن من حق الناخب أن يتعرف على مرشحه ، كما من واجب المرشح أن يعرض ّنفسه وأفكاره وأهدافه ونياته بصدق وصراحة وليس بالشعارات الحماسية ، هل يراد به خدمة الآراميين ؟أم خدمة الغير كربطه بجهة أخرى شعبا وأرضا ، جملة وتفصيلا لا يفصح عنها ؟ ، ثم وضع الخاضعين للمشروع أمام الأمر الواقع أم لهم غايات أخرى لا يدركها إلا الضالعون في علم الغايات والنيات !!

2 - الغرض من المشروع :
من قراءتي لكثير من المقالات والمناقشات حول الموضوع ، لم يؤكد دعاة المشروع إلاّ  ل " جمع شمل هذا الشعب المشتت ..الخ " ! وهل نسوا أو تناسوا أن العواطف لا تجمع ليس فقط الشعوب بل حتى أفراد عائلة واحدة بل تفرقهم الحاجات والمصالح ، إن العواطف أمدها قليل لا يتعدى أشهرا ربما أياما وتنتهي ويبدأ عامل المصلحة والعمل ، فالمصالح هي التي تجمع لا الأسماء ولا العواطف ،، قال شخص مسن من أهالي تلكيف : أنه رأى شخصا قادما من أميركا بعد فراق عشرات السنوات : فور نزوله من السيارة توجه الى البيادر وألقى بنفسه يتقلب على ترابها ويقبله من كثرة الشوق والحنين !! ولكن فور إنتهاء إجازته قفل راجعا الى أميركا ساعيا وراء عمله وعيشه ولقمته !! العواطف والحنين إن جمعت الأحباب تجمعهم فترة قصيرة ثم تفرقهم المصالح ، كما أن الأسماء والإنتماءات أيضا لا تجمع ، بل المصالح المشتركة و النيات المتفقة والأهداف الواحدة ، البلدان العربية يدّعون أنهم أشقاء لأمة واحدة ، فلم يجمعهم الشعار يوما على هدف أوعلى وحدة عربية خلال مائة سنة من الصراخ والعويل بالوحدة العربية دون جدوى ، فهذا يتاجر بالقومية العربية طمعا بالقيادة والآخر طمعا بالمال والثالث طمعا بالإثنين وهكذا ! ، لماذا لأن نياتهم وأهدافهم وأفكارهم ومصالحهم مختلفة

وبعكس ذلك ، فالشعوب الأوروبية فرقتهم الأديان والقوميات سابقا ، دخلوا حروبا دينية وقومية قرون عديدة وأخيرا جمعتهم الأهداف الواحدة أي الديمقراطية وحقوق الإنسان والمصالح المشتركة عن طريق السوق الأوروبية المشتركة والشركات ذات الجنسيات المتعددة فأصبحوا كدولة واحدة يتنقلون من بلد الى بلد آخر أسهل مما ينتقل العراقي أو اللبناني من مدينة الى مدينة بل من محلة الى محلة في نفس المدينة ، فإذا قلنا { الشعب الكلداني الآشوري السرياني } هو شعب واحد فهل أفكارهم ونياتهم واحدة ومصالحهم مشتركة لكي يجتمعوا ويتفقوا على مبدأ واحد وماذا سيكون عليه هذا الإقليم ، إقليم ديمقراطي أو ديني أو قومي شوفيني ، وأقدر أن أقول سيكون قومي ديني إن حدث لأنه يجتمع على أساس القومية وليس على مبدأ آخر ، جدوا أفكارا ومصالح مشتركة ، عندذاك تتفق ليس فقط شعوب من اصل واحد بل من أصول واقوام وديانات مختلفة ومتفرقة ومن دون تردد !كما حصل في أوروبا .

3-الجدوى أو المنفعة من المشروع :
في أولى أسباب الهجرة والتشتت للمجموعات البشرية كان الفقر أو البحث عن لقمة العيش ، ففي الحصارالذي فرض على العراق ، من الداخل أكثر من الخارج ! هاجر ما بين اربعة الى خمسة ملايين من العراقيين الى خارج العراق وربما تسعون بالمائة منهم هاجروا بسبب الفقر وليس بسبب الإضطهاد وهذا ما حصل لأهالي سهل نينوى وأغلب أهالي قرى وأرياف العراق هاجروا منذ الثلاثينيات والأربعينات من القرن الماضي الى المدن كالعاصمة والمدن الرئيسية ،لا لأنهم لم يبق لهم عطف وحنين وولاء لمسقط رأسهم ولا لوجود إضطهات في قراهم ! ولكن تركوه بحثا عن العمل والوظيفة، والناحية الإقتصادية تبقى هي المتحكمة في سكن المرء ، وفي أتعس فترة مرت على العراق بعد سقوط صدام حيث القتل والإغتصاب ، بقى كثير من الكلدان والسريان وبقية المسيحيين في بغداد ومنهم تعرضوا للقتل والإغتصاب ، لا حبا ببغداد أكثر من قراهم ولكن دائما تسمع جوابا واحدا لسؤال : لماذا لا تذهب الى قرى الشمال منهم ؟ : " بيش أو شلون نعيش هناك " أي في عينكاوا أو ألقوش أو تلكيف أوتللسكقف أو بطانايا أو غيرها ؟ وهذا ما حصل في كل العالم ، وهذا ما حصل للشعب السويدي ما بين عامي 1890 الى 1910 حيث هاجر ثلث سكان السويد الى أمريكا بسبب الجوع ، بالرغم أنهم تعرضوا خلالها الى مختلف الأخطار في الوصول ،وكذلك فعلت شعوب أوروبا التي هاجرت الى العالم الجديد ، أمريكا ، لم يكن ذلك بسبب الحروب والإضطهاد فكانت السويد أكثر أمنا وأمانا من البيت الأبيض ولا زالت !، ولكن هاجروا بسبب المجاعة التي حلت في بلدهم ، وبقوا هناك ولم يرجعوا بعد ذلك الى بلدهم السويد حتى بعد أن أصبحت السويد وأوروبا ليست قادرة على إعاشة شعبها فقط بل ملايين من المهاجرين وأغلبهم من العراقيين .

القرى في سهل نينوى كانت ولا زالت عاجزة من أن تعيل أهلها ، فكيف إذا تضاعفت نفوسهم الى خمسة أضعاف أوعشرة أضعاف مثلا ، بضمنهم أهل الكفاءات والمهارات والمستثمرين ، أول رد على ذلك من قائل يقول : يؤسسون مصالح ومعامل وجامعات الى آخره ، ومثال بسيط أورده : في بغداد خلال السبعينات والثمانيات بلغ عدد البارات في بغداد وحدها عشرة ألاف بار !! عدا محلات بيع المشروبات بالإضافة الى أكثر الفنادق و المطاعم التي كانت تقدم المشروبات الكحولية في جميع أنحاء العراق ، كلها كانت للمسيحيين أو تدار من قبلهم ، أي للنازحين من سهل نينوى الى بغداد ، مع العاملين فيها ، لم يكن من روادها من المسيحيين أكثر من 5% !! وكم طالب جامعي وإستاذ وموظف وعامل ماهر وغير ماهر يستوعب سهل نينوى ؟؟ أما بالنسبة الى تأسيس معامل ، فالمعمل لا يكف أن تتوفر له قطعة أرض ومال وأيدي عاملة ، بل اهم من ذلك سوق تصريف المنتج والطرق السالكة للوصول الى الأسواق .وهذه الفرصة لا تتوفر إذا فرض المشروع على الجيران فرضا أولئك الذين سنمر بأراضيهم الى أسواقهم أو أسواق الغير أي لابد من موافقة الجيران المحاطين بسهل نينوى أو الموجودين فيه من غير الآراميين !! فمن يضمن موافقات أولئك الجيران ؟؟

4- الرغبة أو موافقة من يشملهم المشروع :
من عاش وعايش العهد الملكي يتذكر كيف كانت تجرى الإنتخابات أو عندما يطرح نوري السعيد برنامجا أو مشروعا ، تنهال عليه البرقيات من الشيوخ والأغوات يقولون فيها : " أنا وعشيرتي نؤيدكم ونحن رهن إشارتكم ، سيروا على بركة الله والله يرعاكم ...الخ " دون أن يعرف الشيخ ما هو مشروع الباشا ، فكان إسم الباشا عنده كاف ليرسل عشرات البرقيات نفاقا ،. فهل يتوقع بعض من أعتبر نفسه ناطقا بإسم الشعب أن تنهال عليه البرقيات تقول : أنا وعائلتي نؤيدكم ونحن رهن إشارتكم ..سيروا بمشروعكم على بركة الله ...الخ ونرجوا من المندفعين نحو هذا المشروع أن يدرسوه دراسة ميدانية ويرجعوا الى من يهمهم الأمر وليس الى من يستفيد من الأمر من غير الآراميين !! بالرغم ما يسود أوروبا من الأنظمة الديمقرطية وحكوماتها منتخبة إنتخابا ديمقراطيا دون تزوير كما يحدث في البلدان العربية وضمن الطائفة أو القرية الواحدة ! فعند إقرار الدستور الأوروبي لم يكتفوا بالحكومات والبرلمانات الديمقراطية بل لجأوا الى الإستفتاء الشعبي العام فرفضه الشعب الهولندي وشعب آخر خانتني الذاكرة بإسمه فأوقف أو أعيد النظر فيه ، فهل أجريتم إستفتاء بهذا الخصوص أم مثل البرلمانات العراقية ترفع الأيادي حسب ما يأمر به ولي أمرهم ونعمتهم !!

سعى وجاهد البعض من الأراميين على إدراج الشعب الآرامي { الكلداني } في الدستور العراقي وأعتبر ذلك مكسبا مهما !كجزء من حقوقهم !، في كافة الدول الأروبية لم يدرج إسم أية قومية أو طائفة في الدستور فدستور الولايات المتحدة الأمريكية ينص في مقدمته أو ديباجته والديباجة هي جزء من الدستور ، تنص على :

" [نحن شعب الولايات المتحدة الأمريكية ،رغبة منا في إنشاء إتحاد أكثر كمالا،وتوفير سبل الدفاع المشترك ، وتعزيز الخير العام وتأمين نِعَم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة ، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية.] " وضَمَن حقوق جميع المواطنين ، أي حقوق المواطنة فالمبدأ هو المواطنة .

ولو ذكروا أسماء القوميات والطوائف في الدستور لما إتسعت مجلدات لذلك ، فالعبرة هي المواطنة لا شيئ آخر غير ذلك .

5 – أمكانية التطبيق من الناحية العملية :
هل هناك شخص من الذين يطرحون المشروع عنده تصورا واضحا عن مساحة المشروع وحدوده ، والأراضي التي سيسكنون عليها القادمون أو النازحون الى هذا السهل المقدس ، وأين سيقيمون البناء ، إن السهل جميعه اراضي زراعية مملوكة من أهالي القرى وهي مصدر عيشهم وسبب وجودهم هناك ، وهل تؤخذ بالقوة أو بالمروّة أم بقوة القانون ، وحتى المرحب بهم والذين عندهم بيوت وأملاك يفضلون البقاء في أوروبا بالرغم من تعصبهم لقوميتهم ، لآنهم يعتبرون الأوضاع في العراق غير مستقرة بل على كف عفريت . فكيف بهذا السهل الذي ينظر الطامعون فيه و به وخاصة إذا ظهر فيه النفط وهذا ثابت .فقد يزاح هذا الشعب وتحل محله القوي على حساب الضعيف ، كما الآن في تلكيف حيث لم يبق فيها من شعبها الكلداني ربما الثلث والبقية عرب وشبك .وهناك مدينة عينكاوا ، وتضم أكبر تجمع كلداني ، وهي ضمن إقليم كردستان ، فماذا يبقى للكلدان في سهل نينوى بدون مدينة عينكاوا وتلكيف ، وعشرات القرى الكلدانية والآشورية من زاخو حتى شمال ألقوش هي ضمن إقليم كردستان شاءت أم أبت ، فماذا سيكون موقفها من إقليم سهل نينوى ؟؟ كل هذه التساؤلات مطلوب لها إجابات واضحة صريحة مقنعة ، لا إجابات مغلفة بعبارة " الله كريم ..أنت كول يا الله ويصير المشروع "!!!!

ب الظروف الموضوعية

1- موافقة الغير أو الجيران
سهل نينوى ليس جزيرة {روبنسون كروسو } وكثيرا منا قرأ قصة روبنسون كروسو ، الملاح الذي قذفته الأمواج وحيدا الى جزيرة مجهولة نائية موحشة ،وأيئس من العودة الى البر فنظم حياته على مزاجه ، دون أن يكون هناك من إنس أو جن ليتدخل في شؤونه وحياته الخاصة والعامة !!

البرلمان الكردي صوت بنسبة 90 % لإستقلال كردستان ! ولكن هل أمكن ذلك ؟ طبعا لا ، لأن العوامل الخارجية وموافقة الجيران لا تقل أهمية عن موافقة أهل المشروع بل قد تتجاوز وتشكل أكثر المعوقات .

فالسهل ليس ملكا صرفا للآراميين يتصرفون به كيفما يحلوا لهم ، يحددون حدوده يبعدون عنه من ليس من قومهم أو دينهم أو لا يعجبهم أو لا يريحهم وجوده بينهم ! يحكمون الباقي كما يخطط المخططون ، وبما هو مقدم عليه ، ثم ماذا عن الدستور الذي يحق للعراقي أن يسكن أينما يشاء من الأرض العراقية ! أو غير من المواد الدستورية التي قد تفسد اللعبة .

2- دستورية المشروع
عالجناها ضمن الفقرة الأولى أعلاه ، إضافة أن هذا الدستور سيجري تعديله عاجلا أو آجلا ، فليس هناك دستور ثابت كالكتب المقدسة التي لا تتغيير ، وليس الدستور وحده يتغيير بل الوضع في العراق قد يتغيير وهو يبدو كأنه على يد عفريت .كما أن الدساتير في الدول العربية والإسلامية ليست إلا ديكور لا يلتزم به أولا الحكومة وثانيا الشعب لأن الأساس التطبيق وليس حشوه بالحقوق والحريات التي لا يمكن تطبيقها للتدخلات الدينية والقومية والعادات والتقاليد العشائرية ..الخ

3 – حماية أو المحافظة على حدود المشروع
إذا توصل مؤسسو المشروع الى تخطيط حدوده ! فمن يعترف بهذه الحدود ومن يحافظ عليها ؟ وبأية أية قوة ؟ أجنبية أم عراقية أم ذاتية ، إذا تولت ذلك قوة أجنبية وهذا مستبعد جدا ،بل يبدو مستحيلا ، لأن أية قوة أجنبية لا تريد أن تُتهم بأنها تتدخل في شؤون عراق ال داخلية ، أو متحيزة لبني دينهم ودين الأمريكان أو الإنكليز هو النفط والدولار !، ومن الجهة الثانية لم ولن تقوم دولة أجنبية بهذا العمل مهما كانت الأسباب ولا يمكن أن تضحي بمصلحتها مع العراق .لفئة تريد أن تعزل نفشها عن العراقيين .واليك هذه القصة الحقيقية :

بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، جاء أحد قادة القوات البريطانية الى مدينة تلكيف ، فتجمع حوله أهالي القرى المسيحية المجاورة ، النساء متبرجات يطلقن الزغاريد والرجال يرقصون في أزهى ملابسهم للترحيب بذلك القائد المسيحي !، وقد شكوه بأن بعض المسلمين يعتدون عليهم ، فماذا كان جواب الإنكليزي الغيور على المسيحيين !! ، قال لهم :" تزاوجوا فيما بينكم لتصبحوا أقارب وأهل وتنتهي المشكلة !!" وهنا قال أهل موصل : " الإنكليزي قيقاني لامسلم لا نصراني "!!

، أما إذا يكون ذاتيا فسيتحول ذلك الشعب الى ميليشا لا عمل لهم غير حماية الحدود وأحيانا يتصارعون فيما بينهم عند كل خلاف وإختلاف . .!

الخلاصة :

1 -الحكم الذاتي لم ولن ينجح أو يقام في دولة غير ديمقراطية ، لا تعترف بحقوق وحريات الأفراد ولا القوميات ، والعراق قطعا ليس دولة ديمقراطية ،إلا بالخطب والحريات المنفلتة حتى حرية القتل والإغتصاب والتهجير، ولأن أولى أولويات الديمقراطية أن تكون الدولة علمانية ، أي يجري فيها فصل الدين عن الدولة وهذا غير موجود أصلا وقد لا يحدث في القريب المنظور ، بل لا يحمل العراق حتى صفة دولة قانون ومؤسسات ، فالعَلم ، عَلم ديني ، الدستور مقيد ب- (الثوابت الإسلامية ) و حكومته ، متحكمة بها أحزاب دينية طائفية ،مدعومة بمليشياتها المدغمة بالشرطة والجيش ،و مجلس نوابها طائفي بإمتياز ، لأول مرة في التاريخ ممثلات جهة أو فئة تصوت ضد حقوقها عن دراية وإصرار : فالبرلمانيات العراقيات صوتن ضد حقوق ا النساء وهن ّ ممثلات النساء !!عملا بالشريعة السمحاء ، والشريعة ترفض حقوق النساء التي أقرتها الأمم المتحدة .

2- هذه التجربة ، أي تجربة الحكم الذاتي ، مرت على العراقيين وفشلت ، عندما منحت حكومة البعث الحكم الذاتي للأكراد ، فتحول الى حكم ذاتي للمخابرات الصدامية . وفي فترة الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية ، تم إلغاء تدريس اللغة السريانية التي كانت ضمن تلك الحقوق ، ألغيت بطلب من أولياء أمر الطلبة بتحريض من عملاء الحكومة ، بحجة ضياع وقت أبنائهم الطلبة وإلهائهم عن دروسهم النظامية .والنوادي العائلية الترفيهية تدخلت بها المخابرات الصدامية أيضا !!

3- قسم من الكتاب المحترمون ، طالبوا بكوتا ، إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل !! دون أن يعرفوا أن الكوتا تضر بكل أقلية ولا تفيدهم والمثال التالي يفسر ذلك :

{ هب أن الدولة العراقية خصصت( 100) بعثة علمية الى الخارج للطلبة المتفوقين ، وكان من بين المتفوقين في سنة ما ( 15 ) طالب من الشعب الآرامي ، ولكن نسبة الشعب المذكور لا تتجاوز( 3-4 ) % من الشعب العراقي ، وعليه تكون حصة هذا الشعب من البعثة ( 4 ) طلاب فقط ويحرم (11) طالبا متفوقا منها ، ويسد الفرق بطلبة غير متفوقين من غير القوميات !!، أما في العهد الملكي ، عندما لم تكن كوتا ، بل كانوا يحددون المتفوقين بالدرجات قبل التعرف على أسمائهم و لا الى أية قومية ينتمون ، كان يوضع خطا أحمرا ليفصل بين مائة أعلى درجة وبين البقية و الأسماء سرية لكي لا يتأثر المقرر بالمحسوبية والمنسوبية وكان يحاسب إن ثبت ذلك ، وكانت تقطع المخصصات عن الذي إلتحق بالواسطة ويستوفى منه ما تسلمه دون وجه حق ! وعسى أن يكون نصف الحاصلين على البعثات من الأراميين أو من الأكراد أو من اليزيديين ، ود. جورج منصور أبونا من ألقوش ، وكان من دورتي تخرج سنة 1952 ، تقدم بتفوقه في المعدل على أي طالب من تكريت أو كربلاء أو السليمانية ، وغيرهم وهكذا كثيرون ، وقس على هذا المبدأ أي الكوتا توزيع الثروات والمياه والخدمات وغيرها ...الخ .

4- أنا واثق أن لا أحد من متبني المشروع له تصورا واضحا عن حدود المشروع ، عاصمته ، إرتباطه بإقليم كردستان أو الإقليم العربي أو أن يكون مستقلا وكيف تتم حمايته !!، وهل يكون نظامه ديمقراطيا أم قوميا دينية تتحكم به كنائسه المختلفة ، بل أزيد على ذلك أن كل جهة وطرف له نية تختلف عن زملائه لا يكشفها وكما يقول المثل الموصلّي ولكن " تالي الليل نسمع حس العياط " !!

وختاما هذا رأي الخاص ،و سأكون شاكرا وممتنا لأي ناقد ، ينتقده سلبا أو إيجابا ، ، لأن النقد هو التقييم وليس معناه التهجم والرفض فقط ، بل هو إبداء الرأي في النقاط السلبية والإيجابية ، الى أن نتوصل الى الرأي الصحيح .

مع الشكر والتقدير

 14/ حزيران / 2008

 


 

free web counter