| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي الخزاعي

 

 

 

الجمعة 9/4/ 2010



على الحزب الشيوعي العراقي أن يكف عن التصفيق لنفسه

هادي الخزاعي

في الواحد والثلاثين من آذارهذا العام ، مرت الذكرى السادسة والسبعين لذكرى تأسيس " عميد الأحزاب السياسية العراقية " * الحزب الشيوعي العراقي . وقد احتفل الحزب ورفاقه وأصدقائه بهذه المناسبة المهيبة ، أحتفاءا يليق وسنوات النضال المخضبة بالتضحية والأيثار من أجل وطن حر وشعب سعيد والتي قادها الحزب بكل جدارة طيلة هذه السنوات الخالدة .

أن هذه المناسبة الغالية تزامنت مع تطورات دراماتيكية تمر ليس فقد على العراق كشأن عام بعد مرور سبع من السنين العجاف من بعد أنهيارالدكتاتورية الفاشية لحكم حزب البعث على يد العسكرتارية الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فحسب ، وأنما على الحزب الشيوعي العراقي العريق كشأن خاص أيضا .

فإلى الجانب الموضوعي المتمثل بمرحلة الأنتخابات العراقية الأخيرة ، وبما رافقها من توترات ومزايدات سياسية مغلفة بوجهات نظر ومواقف نقدية من القوى السياسية بعناوين شخوصها الرئيسيين من خلال الأتهامات المتبادلة بعضهم للبعض الآخر، إما بسوء أدارة الدولة من طرف ، او بمحاولات العودة بحكم البعث من جديد الى العراق من طرف آخر، وصولا بالوضع السياسي الى حالة احتراب كلامي كان يمكن ان تفضي الى ما لا تحمد عقباه على الصعيد الأجتماعي والسياسي العراقي ، فالرجوع الى نقطة البداية الملتبسة من المشهد السياسي والأجتماعي العراقي قد كانت على وشك الحدوث . ولا تزال هذه المخاطر محتملة الوقوع ، بسبب من عقلية الأستئثار التي ضربت أطنابها في عقول المتنفذين في العملية السياسية السلمية !!.

والغريب أن هذه التجاذبات الخطيرة جاءت من نفس القوى التي كانت تشارك في العملية السياسية وأدارة الحكم ، اللتان كانتا تشكلان المشهد السياسي والأجتماعي العراقي المعمد بأدعاء الحرص من المتخاصمين ، بل كانوا يراهنون على نتائج نجاح هذه المرحلة ، إذا ما سارت وفق التوافقية التي أجمعوا عليها ولم يخلصوا ، لا لها ، ولا لوعودهم تلك .

الى جانب كل ذلك ، فقد كانت حمامات الدم والمستجدات والمتغيرات المحلية والدولية التي تزامنت مع العملية السياسية العراقية ، حتى قبيل تبلورها عام 2003، قد أوصلت العراق الى محطات ذات أجواء غائمة وغير واضحة المعالم ، يمكن أن تعود بقطار الوضع العراقي السياسي والأجتماعي الى نظام لا يختلف من حيث الممارسة لا الشكل ، عن جوهر النظام البائد بأستثناء الفترة الوجيزة التي استتب فيها الأمن نسبيا عامي 2008 ، 2009.

إن ما أسفرت عنه نتائج الأنتخابات كانت غير مرضية لجميع المشاركين فيها من كتل وقوائم وأحزاب سياسية ـ وهو أمر يدعو للأستغراب ـ سواءا الذين فازوا بعدد كبير من المقاعد البرلمانية أو الذين خرجوا بخفي حنين منها كما هو حال الكتل الصغيرة ومنها قائمة أتحاد الشعب ، التي يقودها الحزب الشيوعي العراقي ، بغض النظر عن الأسباب الموضوعية ـ سلوك المفوضية العليا المستقلة !!! وضغوط الدول الأقليمية وأمريكا ـ التي جعلت من التلاعب بنتائج الأنتخابات مقصلة أطاحت بعدد كبير من الكتل المشاركة . ولا بد من الأشارة الى إن هذه المقصلة هي التي اوصلت الحزب الشيوعي العراقي الى ذلك الرقم المتواضع من المصوتين الذين لا يمكن أن يتناسب وحجم التقديرات التي سجلها المراقبون المنتدبون من قبل قائمة إتحاد الشعب . وهذا لا يمنع من القول بأن قائمة إتحاد الشعب قد سجلت فشلا محزن في عدم اجتياز العتبة الأنتخابية .

إن هذه النتيجة السلبية غير المتوقعة التي جناها الحزب الشيوعي العراقي في الأنتخابات التي جاءت عكس توقعاته ، بل حتى عكس توقعات من يقفون على مسافة منه لا يمكن وصفها إلا بأنها مخيبة للآمال .
وهذه النتيجة تتطلب بالضرورة وقفة جادة عند جميع الأسباب بعد ان يتم تشخيصها ، سواء أكانت أسبابا ذاتية أو أسبابا موضوعية للخروج برأي مدروس ومدقق سياسيا وأجتماعيا وميدانيا بعيدا عن التنظير اللامجدي ، لعله في هذه الوقفة ما يعين على أمكانية تجاوز الكبوات المتعاقبة للحزب في العمليات الأنتخابية المتتالية التي جرت بعد السقوط . وإلا فالأمر ربما سيقود الى الخوف حتى من الحفاظ على ذلك العدد المتواضع من تلك الأصوات التي وثقت بقائمة إتحاد الشعب .

إن أمام الحزب الشيوعي العراقي وأعضاءه وأصدقاءه مدى زمني ليس بالقليل للأنتخابات القادمة ، وذلك لعمل المستحيل من اجل ان تكون أي من الأنتخابات المقبلة بابا مفتوحة لولوج الشيوعيين الى البرلمان او المجالس البلدية.

ليس عيبا ان ينتقد الحزب نفسه
أن من أكبر العيوب التي يواخذ عليها أي تنظيم سياسي ، هو الفشل المتكرر في تجاوز المنعطفات التي تتطلب ان يكون قد استعد لها ذلك التنظيم السياسي استعدادا يبلور ثقة الجماهير التي تلتف حوله . ولا اعتقد بأن كلمة الحزب التي ألقيت في الأحتفالية الجماهيرية الكبيرة بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب ، والتي جاءت على لسان الدكتور حسان عاكف عضو المكتب السياسي قد لامست انكفاءات أغلب المصوتين لقائمة إتحاد الشعب بعد نتائج الأنتخابات غير المثمرة .

فقبيل أيام ، حين احتفل الحزب بميلاده السادس والسبعين ، ذلك السجل المظفر لسفره النضالي المجيد ، وبذلك الحضور الجماهيري الكبير الذي تعوّد الأحتفاء بهذه المناسبة الغالية ، يقف المرء والدهشة تعقد لسانه وناظريه لعدم حصول الحزب على نتيجة تروى وجدان هذه الجماهير الحاضرة ، التي لو حسبت اصابعهم الملونة بالبنفسج الجميل لكان للحزب ظل مقعد في البرلمان على الأقل !!! وتزداد الأذن دهشة عند سماع كلمة الحزب التي لا يشك أحد بمصداقيتها ، ولكنها كانت خالية من تأمل دقيق للحالة الدراماتيكية لنتائج الأنتخابات التي مني بها الحزب بنتيجة الصفر، فقد كررت الكلمة جوهريا ما قيل عن نتائج انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 التي ضاعت فيها أصوات ، هي أكثر من عدد الأصوات التي ضاعت في الأنتخابات الوطنية الأخيرة بعيدا عن تبريرات الفشل ، فالفشل لا يبرر كما تؤكده قواعد العمل الحزبي ، خصوصا في الحزب الشيوعي العراقي .

وأي فشل مهما تعددت مبرراته ، لابد له من ثمن ! علما بأن هذا الفشل غير المتوقع من قبل الحزب قد شاركه فيه الحزب الشيوعي الكوردستاني أيضا وبكل جداره .

لقد جاء في كلمة الحزب ما يشكل غرابة استثنائية لمتتبع نضالات الحزب الشيوعي العراقي " وفي هذه المناسبة ومن على هذا المنبر نتقدم بجزيل الشكر والعرفان لجميع ناخبينا ولكل من منح ثقته لقائمة " إتحاد الشعب " ونعاهدهم بأننا سنواصل العمل لصيانة خياراتهم والحفاظ على أصواتهم ومن أجل سن قانون ديمقراطي للأحزاب وتعديل قانون الأنتخابات الحالي وإلغاء مواده المسيئة للديمقراطية التعددية " ** .

وهنا يقتضي التلميح على ما جاء في الفقرة أعلاه من كلمة الحزب ، وهو إن أصوات من وضعوا ثقتهم بقائمة إتحاد الشعب ، قد ذهبت الى وجوه لا يعرفونها ، بل الى اجندات وتطلعات لا تتطابق على الأطلاق مع اي من اجندات وطموحات من صوّتوا لأتحاد الشعب بسبب خسارتها المؤلمه . وعليه فالخسارة بالنسبة للمصوتين تعتبر خسارة مضاعفة خصوصا حينما يرّحل صوته وأختياره الى شخص لا يمت له بصلة فكرية أوأجتماعية . لذلك كان يتطلب من الحزب أن يذكر في كلمته ليس فقط الشكر والعرفان ، بل يجب ان يؤطر تلك الكلمة الرائعة بأنتقاد للذات وأعتذار للمصوت بسبب حالة النحر الجماعية لاصواتهم , ولعدم تقديره ـ اي الحزب ـ الأمور تقديرا سليما رغم توفر معطيات الخسارة مسبقا من خلال تجربة إنتخابات مجالس المحافضات , وعلى الصعيدين العراقي والكوردستاني على حد سواء .

وبالمناسبة تدعوني الكلمة أن أسأل الحزب . كيف ستصان خيارات من انتخبوا إتحاد الشعب والحفاظ على أصواتهم ؟ وقد ذهبت تلك الأصوت والأختيارات التي وثقت بأتحاد الشعب الى من سنوا قانون الأنتخابات الذي أبتلع أصواتهم وسربها للغير، وقوانين عديدة أخرى لم ينفع معها أي من الأعتراضات الرصينة التي قدمها ممثلا الحزب الشيوعي العراقي في البرلمان على تلك القوانين التي تنتقدها كلمة الحزب !

كان حريا بالحزب في كلمته أن يكون أكثر تمعنا في تشخيص الأخطاء ، لا أن يحتويها بالبلاغة والأنشاء .

وعن القانونين ( قانونا الأحزاب والأنتخابات ) الذي سيناضل الحزب من أجل إنجاز الأول وإلغاء المواد المسيئة في الثاني كما ورد في الكلمة . وهنا أسأل وبذات حسن النية . كيف سينجز الحزب وعوده هذه لمن أعطوا أصواتهم لأتحاد الشعب وهو خارج قبة البرلمان ؟! بالوقت الذي لم يستطع ممثلا الحزب في البرلمان من عمل شيء أزاء الثاني ، فمر القانون المذكور بعدما أقره البرلمان ، وكان جديرا بالحزب ـ من وجهة نظري التي ربما يشاطرني بها غيري ـ أن ينسحب من العملية الأنتخابية أحتجاجا على تمرير هذا القانون المحتوي على المواد المسيئة للديمقراطية والتعددية ، مع تأكيد الحزب باستمراره المشاركة في العملية السياسية السلمية ، لاسيما إن القانون قد قسم العراق الى مناطق انتخابية بعدد المحافظات ، مما يقلل من حظوظ قائمة إتحاد الشعب من الحصول على أي مقعد ، بناءا على التجربة المرة التي جرت في إنتخابات مجالس المحافظات . والغريب أن الحزب بالوقت الذي شارك بالأنتخابات رغم اعتراضه على القانون ، كان من جانب آخر يدعو الجماهير للأحتجاج على نفس القانون ، أليس من غرابة بالأمر، وماذا لو قاد تلك الجماهير لتفعيل الأحتجاج . ربما كان الحزب يحسب أن عدم دخول الأنتخابات سيشكل خسارة للحزب ويبعده عن العملية السياسية السلمية . غير أن النتيجة الواقعية هي إن الحزب قد خرج من البرلمان رغماً عليه . وهنا أسأل بذات روح المسؤلية ، عن جدوى هذه الأزدواجية . أما كان جديرا بالحزب ان يقود الجماهير للأحتجاج على قانون يراه مجحفا ويغادر المارثون الأنتخابي أحتجاجا على ذلك ؟ !

لقد مر هذا القانون مثلما مر قبله عشرات من القوانين ولم يؤشر على اي منها ولو ببصمة للحزب الشيوعي العراقي ، بل أن قانون حماية الصحفيين لم ير النور رغم ان الأستاذ مفيد الجزائري كان رئيسا للجنة الثقافة في البرلمان ، رغم حاجة الصحفيين الملحة لذلك القانون .

وبالعودة الى حالة عدم توفيق الحزب الشيوعي بأيصال أي من مرشحيه ، بمن فيهم سكرتير الحزب ـ رغم الأشادة به من القاصي والداني كونه رجل برلمان من الطراز الرفيع ـ لا الى البرلمان ، ولا الى أي مجلس من مجالس المحافظات ، تلك الحالة التي لازمت الحزب بشقيه ، العراقي والكوردستاني عبر القوائم المختلفة التي شاركوا بها.

لقد وضعت هذه الحالة المستغربة ، جماهير الحزب وأصدقائه في مواقف لا يحسدون عليها أمام عموم الجماهير .

ان هذا التراجع المفزع في نشاط الحزب الميداني بين شرائح المجتمع المختلفة ، يكاد ان يعصف بثقة الجماهير القريبة منه ، بغض النظر عما توضع وتقال من مبررات لشرعنة الهزيمه .

أن كلمات على سبيل المثال لا الحصر مثل " ... ويجدد ألتزامه بالأفكار والقيم النضالية والأنسانية من أجل الغد الأفضل ، أفكار وقيم التغيير والتجديد التي في ضوء منطلقاتها الجدلية وانجازات الأرث الأنساني الثر نشأت الأحزاب الماركسية والشيوعية والعمالية ، وبأستلهامها تواصل هذه الأحزاب نضالاتها لبناء مجتمع جديد تسوده مبادئ العدالة والحرية والديمقراطية وصولا في نهاية المطاف الى بناء الأشتراكية . " **

لم اجد شخصيا لا اروع ولا اجمل ولا أكثر تمثيلا لأحلامنا الوردية من هذه الكلمات العابرة للعواطف والطوائف ، كما لم أجد في أدبيات الأحزاب التي تحوز الأغلبية دائما في برلماناتنا العراقية مثل حلم السيرورة الوطني والأنساني الوردي هذا ، الذي جاء في كلمة الحزب . ولكن هل تصمد هذه الأفكار أو تجد لها موطئ قدم بين اكثر من ستة ملايين أمي في العراق وأكثر من عشرة ملايين زائرة وزائر وصلوا العتبات المقدسة في كربلاء مشيا على الأقدام من مختلف مدن العراق ؟؟ ، أم إنها ستصمد أمام ما قاله السيد علي الأديب عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة الحاكم حينما تحدث في حوار تلفزيوني عشية الأنتخابات من إن الحزب الشيوعي العراقي صاحب نظرية ميتة ، علما بأن قائمة السيد الأديب ـ دولة القانون ـ قد حضت بتسعين مقعدا في البرلمان ، وهل ستصمد هذه الأفكار النيرة أمام التصريحات والتلميحات التي اطلقها عدد غير قليل من أعضاء الكتل البرلمانية كالنجيفي والشابندر والمشهداني وسواهم الكثير ناهيك عن الأئمة في المساجد الذين نالوا من الحزب الشيوعي العراقي صاحب التأريخ المجيد في النضال ضد الحكومات والأنظمة التي إستبدت في العراق من أجل تهميشه ، ولا استبعد رغبتهم في مسح أسم الحزب الشيوعي العراقي من الذاكرة العراقية مثلما فعل النظام البائد . أفلا يعلم الحزب بأن امريكا وأيران والسعودية وكل دول الجوار تقف للشيوعيين بالمرصاد حتى لا يكونوا ؟ وأن تأثيرهم في صنع المشهد السياسي العراقي معروف ومجرب .

اخلص من كل ما قلت الى ان مظاهر الحفلات والأحتفالات والندوات والأنشطة الأخرى ، لا تشكل مقياسا في الوقت الحاضر على ثراء رصيد هذا الحزب او ذاك جماهيريا ، ومهما تجلت المظاهر الحاشده ، فأن الصندوق الأنتخابي يبقى الحاسم في أن تكون أو لا تكون ، ولأجل أن يجتاز التيار الديمقراطي واليساري والعلماني العتبه الأنتخابية ، على جميع مكوناته ومنها الحزب الشيوعي العراقي والكوردستاني ، ان يجدوا لغة مناسبة للتخاطب مع الجماهير، ولا يكفي أن نقيم إحتفالا حاشدا نصفق فيه لأنفسنا .



* وردت هذه الجملة الرائعة على لسان الحقوقي الأستاذ طارق حرب في حديث متلفز له .
** نقلا عن النص المنشور في جريدة طريق الشعب الغراء بتأريخ الرابع من نيسان 2010



 

free web counter