| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي الخزاعي

 

 

 

                                                                                   الجمعة 18/3/ 2011



الى أين يقود هذا الفساد المستشري في العراق ؟

هادي الخزاعي

كان نظام البعث الصدامي الذي ذهب مع الريح ، قد خلق حالة جنينية من التشوهات الأجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع العراقي ، ومن هذه التشوهات ما ارتبط بسلم العمل الأداري والوظيفي في جهاز الدولة بشكل عام ، والحكومة بشكل خاص ، الأمر الذي لم يترك للشفافية من متسع للرؤية من الجدار الفاصل بينه وبين الآخر ، غير كوة صغيرة لذر الرماد في العيون ليس إلا ، رغم إن البعث منذ مجيئه الى السلطة في 8 شباط 1963 قد ورث من الحكومات التي سبقته ، نظاما إداريا متكاملا ، ويلزم الجميع بتتبع قوانيته والسير على إيقاعاته ، بحيث لا يبدوا أي شيء بعيدا عن الأذن اواليد ، وكذا عن عيون الرقابة الشعبية التي تمثلها مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات والجمعيات الجماهيرية والإعلام .

والمثل المقرب لهذه الرقابة هي أقدام الزعيم عبد الكريم قاسم على إلغاء العقد المبرم مع الشركة الأمريكية التي كانت تقوم ببناء سد دربنخان حين أهملت حاجات عمال السد ورفضت الأستجابة لمطالب إضرابهم الذي قادته نقابة عمال السد بسبب عدم الشفافية من لدن الشركة ، رغم تضامن وزير الإعمار فؤاد الركابي وقتها ، مع الشركة ضد مطالب العمال *.

وبعد التغيير الذي حدث إثر دخول القوات الأمريكية للعراق بعد إحتلاله عام 2003 ، اورث النظام البائد كل سوءات تركته الثقيله من تشوهات على كل الصعد الى حكومة الأنتداب الأمريكي البريطاني على العراق بقيادة سيء الصيت بريمر الذي مارس الفساد الأداري والمالي بأبشع الصور ، فذهبت المليارات من دولارات الثروة الوطنية العراقية في فترة حكمه المظلمة الى جيوب المتاجرين بالوطنية والخزانة الأمريكية معا ،وبالمجان .

وحتى يُشرعِنَ سرقاته وسرقات من جاءوا وراء البصطال الأنكلو أمريكي الى العراق ، ويرتب الوضع المناسب للمصالح الأمريكية فيه ، مارس سياسة التفضيل الطائفي والقومي على السياسي ، وتكييفه او تفصيله لهما على مقاسات السياسيين الجدد .

إجتهد بريمر لتثبيت هذا التشوه السياسي والأجتماعي في بنية الدولة العراقية الجديده التي فرخها الأحتلال . وقد تكرس ذلك بفعالية عالية في المرحلتين ؛ الأنتقالية ، والبرلمانية عام 2006 ؛ وهي مرحلة ساد فيها الصراع الطائفي والقومي بين القوى السياسية المتنفذة بشكل لم يسبق أن شهد مثيله العراق ، فقد تحول كل ما هو سياسي في تأريخ النضال الوطني للشعب العراقي ، الى كل ما هو طائفي وقومي ، برغم إدعاءات القوى المتصارعة الموجودة في السلطة وخارجها على عدم وجود هذه الهواجس ؛ وهي إدعاءات لم تزكها الوقائع اليومية .

ومذ ذاك اخذ شكل هذه الأدعاءات يأخذ مدارات سياسية بعد أن أجهضت الجماهير المدارات الطائفية والقومية التي سببت نزيف من الدم لا تزال تأن من جراحه قطاعات واسعة من الشعب العراقي ، فتحولت الأدعاءات من الطائفية والأرهاب الى إدعاءات بتسميتهم بمخلفات النظام البائد والبعث .

لقد تجلى ذلك بوضوح من خلال المواقف الرسمية التي ساندتها عدد من المرجعيات الدينية حين رفضت دعوة الجماهير لأعتصامات جماهيرية تدعوا الى وقف الفساد المالي والأداري ، وتوفير الخدمات للمواطن . حيث جرت تلك الأعتصامات في أيام الجمع رغم كل ما قيل من لغط ، ومن قيل وقال حولها . ورغم كل حالات العنف الذي مارسته الحكومة ضد من نفذوا هذه الأعتصامات ، التي لم تتعد غير أيام غضب سلمية بيضاء مشروعة تعبر عن رفض المعتصمين للفساد المالي والأداري المستشري في أجهزة الحكومة ، وكذا ضد المعالجات الكسيحة التي مارستها الحكومة لسد النقص بالخدمات للمواطن .

ويشكل التأريخ الممتد من يوم سقوط الصنم عام 2003 ولغاية هذه الأيام ؛ ميدانا زمنيا للفساد الأداري والمالي بشراهة أكثر مما كان عليه في الزمن البائد ، إذ ضاعت فيه عشرات المليارات من الدولارات من الدخل الوطني على مشاريع كبرى ليس لها وجود ، وصفقات مالية وتجارية وهمية بلا عقود .
ومن أجل التعتيم على هذه السرقات فقد استبيح دم العراقيين تحت يافطات الطائفية تارة ، وتحت يافطات الإرهاب وبقايا النظام المقبور او البعث تارة أخرى .

هذا الوضع الملتبس الذي مر به العراق افقده فرصة بناءه ، أو إعادة ترميمه على الأقل ، بعد أن فشلت الحكومة في تقديم ما يغري المستثمرين على تنشيط إستثماراتهم في السوق العراقية ، فتركتها نهبا لمتاجرين وقطط سمان لا يعنيها من أمر تطوير العراق حتى بأضعف الأيمان .

لقد غاب المستثمر الأجنبي من حلبة التنافس في السوق العراقية ، لأن الحكومة لم تشرع قانونا مكتملا للأستثمار يغري المستثمر ويسهل له مهمته ، فالخبير والقنصل الأقتصادي في السفارة الأمريكية ببغداد فرانك ستانلي ، وهو الأدرى بالشعاب الأقتصادية في العراق ـ على غرار أهل مكة أدرى بشعابها ـ حين قال " ما يقلق المستثمرين الأجانب ، هو الفساد الأداري ، وعدم الشفافية ، وبعض القوانين والتشريعات التي تعرقل عملية الأستثمار " **.

كما لم تستطع الحكومة أن تشكل ، وحتى الآن ، فريق عمل كفوء في هذا الميدان ؛ يدرك كيف يجب أن يتعامل مع الأستثمارات الأجنبية لتسهيل أقامة مشاريعها من جهة ، ومن جهة أخرى وهي الأهم ، هي عدم جدية الحكومة بالقضاء على الفساد ، إذ إستشرت هذه الظاهرة في أجهزة الدولة كلها ، وهوالأمر الذي يخشاه المستثمر أشد الخشية كما قال الأمريكي ستانلي ، لأن المستثمر لا يمكن أن يقامر بالأستثمار في مكان كهذا، حيث يتفشى الفساد الأداري والمالي وتسود العقليات المتخلفة وغير الديناميكية لدى المسؤولين عن القطاع الذي يتعامل معه ، لأنه يعني الخراب بعينه بالنسبة له .

لهذا السبب نجد إن المستثمر يتردد في الدخول الى السوق العراقية رغم حدوث تحسن ملموس في الجانب الأمني ، ويفضل عليها أسواق أخرى في الدول التي شرعت قوانين إستثمار مغرية ، فيها الكثير من التسهيلات ، كحق التمليك في العقارات بنسب يقتنع بها ، بالأضافة الى تسهيل منح سمات الدخول والأقامة لكوادره والعاملين معه ، وغيرها من المغريات والتسهيلات التي لا يجدها المستثمر في القوانين الأستثمارية لدول أخرى . فالقنصل ستانلي يقول " الحصول على تاشيرة لدخول رجال الأعمال الأجانب الى العراق ، وخطابات الضمان ، عملية معقدة في العراق . " **

إن هذا غيض من فيض ، فيما يتعلق بالآثار المدمرة لعمليات الفساد الأداري التي لم يقف سريانها في هشيم العراق ، والتي تقود بسرعة قياسية الى الفساد المالي والأجتماعي والسياسي والثقافي والأقتصادي ، وهذا يعني أن محصلة هذه الفسادات هو تفكيك لبنيوية العراق حيث تقوده الى أكبر الخرابات ، ولا شك من إنه سينتقل من سيء الى أسوء ـ إن لم يكن قد إنتقل ـ في ظل هذا السرطان ... الفساد .

 
* كما ورد في الصورة القلمية التي كتبها السيد دنخا البازي عن ذلك الأضراب والتي نشرتها جريدة طريق الشعب الغراء في ثمان حلقات العام الماضي2010.
** كما وردت في السومرية نيوز ببغداد بتأريخ 16 آذار2011 .

 
 

free web counter