| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمدة خميس

 

 

 

الأربعاء 18/3/ 2009



كل النساء امرأة

حمدة خميس

كلما سنحت لي فرصة زيارة احد الاقطار العربية يوجه لي سؤال يتكرر دائما من قبل الاعلاميين او غيرهم من المثقفين . وهذا السؤال يبدو دائما مبطنا بالاستغراب او الفضول او الحشو اذا طرح عبر مقابلة صحفية، ورغم انه في ظاهرة موجه لشخصي الا انه في حقيقته موجه للمبدعة الخليجية في اطار واقعها الذي يبدو للمتسائلين انه خاص بالواقع الاجتماعي في الخليج، هذا الواقع الذي لا يشبه الا نفسه .

يقول السؤال: الطابع المحافظ للمجتمع الخليجي ،ألا يقف عائقا في التعبير عن هموم واشواق الانوثة عبر القصيدة؟

وحين اتوقف لتأمل السؤال واستبطان المضمر فيه لا اجد الا نوعا من الضلال وتوهم اختلاف واقع المرأة العربية في كل مجتمع عربي ،في حين أن الواقع الصارخ والفادح يؤكد ان كل المجتمعات العربية محافظة في بنيتها الثقافية والتاريخية ماضيا وحاضرا،أي انها اصولية في منظورها وسلوكها ورؤيتها،وعلى جميع الاصعدة: السياسي والاجتماعي والثقافي ،وليس مجتمع الخليج فقط. وهذه الاصولية المستشرية والمتغلغلة الى ابعد اعماق اللاوعي ،هي سبب بلائنا وتخلفنا،لا فيما يخص المرأة وحدها بل فيما يخص الرجل ،ولأن الرجل هو المتسيد في كل شروط الوجود ،فأن اصوليته المستحكمة تسقط مضاعفة على المرأة في كل شروط حياتها. وما تعانيه المرأة في استلابها وفي لغة تعبيرها عن هذا الاستلاب في الخليج، هو ذاته ما تعانيه المرأة في كل الاقطار العربية رغم التفاوت الضئيل والظاهري بين قطر وأخر.
فالمرأة / الكاتبة في مصر أو عمان وحتى في لبنان وغيرها، ليست اكثر حرية من مثيلاتها في اي بلد عربي آخر،لأن مشروع الحرية لم ينجز في اي بلد عربي، لا على المستوى السياسي ولا الاجتماعي ولا الثقافي ولا حتى على المستوى الاقتصادي اما الاستثناءات الفردية فقد وجدت في كل العصور وفي كل المجتمعات. ومشكلة وعوائق التعبيرعن هموم واشواق الانوثة، على حد تعبير المتسائل، محكومة بموضوع التعبير وكيفيته ودرجة وعي صاحبته وثقافتها وشجاعتها ونظرتها لذاتها واحترامها لوجودها وحقها الطبيعي كأنسانة مكتملة العقل والكفاءة ،وليس بجغرافية البلد. ففي كل بلد مغرق في اصوليته ثمة من يجترح ويخرج على طوع القبيلة.

وبالنسبة لي وللنساء المبدعات كان العائق الاهم هو سيادة الخطاب الشعري/الثقافي الذكوري.وكان عليهن ان يجتهدن - دون ان يعرفن كيف، لعدم وجود قياس او مثال للغة الابداع الانثوي- لتنقية خطابهن المعرفي والشعري من هذه السيادة،كما تنقية مسيرة حياتهن من سطوتها، دون ان يفصلن بين معاناة الذات المبدعة ومعاناة النساء جميعا في الوطن الواحد والاوطان والعالم .وفي قراءة منتبه لتجارب النساء المبدعات سوف نجد استبطانا عميقا ،يتسم بالرحابة والوعي لآشواق النساء واحلامهن ومعاناتهن ،وسعي مخفور بالامل رغم ضجة اليأس وصدى العويل الذي يبذره الواقع في مشروعه السلفي وصرامة قيوده.

لكن ثمة انتباه آخر يستدرجه السؤال في عبارة ( التعبير عن هموم واشواق الانوثة) إذ يعني في مضمره ما هو متداول حول قدرة المرأة الكاتبة (الخليجية) تضمين نصها رغباتها الجسدية بمفهومه المحدد المتعارف عليه في العموم،او بعبارة ادق احلامها أو تحررها الجسدي . وفي هذا الامر اقول: ان نص المرأة ينبعث من جسدها بالمفهوم الكلي لكيانها وانسانيتها، وهو بذلك تعبير عن اشواقها الكلية وليس عن نمط معين من الرغبات التي ساد التعبير عنها في نصوص بعض النساء،اللاتي ينقصهن الوعي النوعي بمفهوم الذات والجسد والكينونة، واصبحت جواز مرور للاعتراف بالنص وبالكاتبة، كزجاجة عطر رخيص تحتضنها امرأة تتأوه بشهواتها لترويج العطر،كما تظهر على شاشات التلفزيون.
ثم ان نص الجسد - بالمفهوم السطحي المتداول - لا يعني بالنسبة لبعض المبدعات اللاتي جعلن من الكتابة تعبير ارتقاء عن وجودهن وكيانهن الانساني ، نص الحرية في معناها الرحب. لأن اشواق الانوثة وهمومها اشمل واعمق من حرية الجسد وحدها. والتعبير عن هذه الحرية لا يمثل في نظرهن تعبيرا عن الحرية في شموليتها. وحين يعبرن عن هذه الاشواق والهموم فأنهن يعبرن عنها بلكيتهن الانثوية / الانسانية .

ومن البديهي ان من منبع هذه الانوثة وطبيعتها تتشكل رؤيتهن لانفسهن وللعالم بمنجزاته ومشكلاته. كما ان منها ومن معاناتهاعبر العصور الممتدة يتشكل موقفهن من الذكورة، والاستبداد، والعدل والحق والخير والشر وما يتدفق امامهن من عناصر الكون وكائناته وظواهره واسراره.

وبالمناسبة.. اذكر ان شاعرا عربيا بعث الي برسالة ضمنها مقالا كتبه عن ديواني "اضداد". ورغم اعجابه بالديوان كما قال،الا انه غضب وتساءل أين نص الجسد(!) في ديوان حمدة! لحظتها دهشت وضحكت وادركت اننا عموما لا نفهم من الظواهر الا سطوحها، ومن المرأة الا نقطة في كونها الرحب.


 

free web counter