| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمدة خميس

 

 

 

الثلاثاء 17/3/ 2009



كل هذا الضجيج
 

حمدة خميس

انتشرت منذ تسعينات القرن الماضي ظاهرة المهرجانات واللقاءات والندوات حول ابداع المرأة بتنوعه الشعري والروائي والنقدي،تقيمها المؤسسات الاهلية والرسمية على حد سواء،متيحة للمرأة فرصة التواصل والتعارف والتعريف.ورغم انها ظاهرة صحية فرضها هذا التزايد في توجه النساء نحو الابداع الادبي مجتازات بذلك حضرا ذكوريا استمر قرونا على فكر المرأة وثقافتها وابداعها،الا ان الضجة التي تثار في هذه المناسبات والجدل الثقافي والاجتماعي حول ابداع المرأة فيما اذا كان ادبا انسانيا او نسائيا!! او ان كتابة المرأة اختراق للقيم والتقاليد وخروج على الاعراف،او انها تعد على حق ليس لها وليست اهلا لاكتسابه..الخ من نقاش بيزنطي وعقيم، يثير الضجر والدهشة من هذا الالحاح والتكرارالذي ينفرد به عالمنا العربي الذي لا يحسم فيه امر ولا تنحل فيه عقدة .ولا يبدو ان هذه الضجة سائرة الى الهدوء او ان هذا التساؤل سيجد جوابه الحاسم،لتترك المرأة تصطرع مع ذاتها المستلبة وتخرج مطمئنة الى افق الكتابة..
 
** ** **
ولكن.. و فيما ترصد العين مشاهد الواقع العربي ،فيما يعقلن العقل الواقع المعاش حتى يبدو اخف وطأة على النفس..فيما تنبش الذاكرة في اليومي والتاريخ والحق والباطل ،والممنوع والمجاز،تنهض النساء غامرات بغبطة الكتابة..النساء الناهضات ابدا في صلب بالحياة،صانعات السلال والورد والرغيف،مازجات الطين بالخلق والماء بالسر،والكلام بجوهره. مبدعات الدعة بالصلابة ،والليونة بالشموخ!

** ** **

مرت عصور ..كانت النساء في العصور كلها قوة الحياة ونبض استمرارها وطمأنينتها ورونقها،، اشراقها وجمالها ومسراتها.
الجانب المشرق من الحياة تصنعه النساء دوما،في اقصى حالات العزلة واقسى حالات الغياب..حتى في انسلاب الذات ..حتى في صليل القيود واشواك الاسيجة..حتى في وحشة الالم ومره، تنهض النساء على مدار الازمنة كي يقوّمن المعوج ويهندسن الفوضى،وفي هذا التضاد الغريب تسير بهن الحياة في زبد القناعة ،وضلالة الغياب.
النساء كن يكتبن قبل الكتابة ،وكن يبعثن بالترانيم قبل النشيد.

كانت دفاتر النهار والليل قرطاسهن ،وكان وجع الصمت حبرهن السري..كن يفتحن المغلق ويكتشفن الغامض ويستأنسن العصي.وفي كل هذا كن يدوّن سيرورة البقاء بقدرة المطمئن!
 
** ** **
ليست الكتابة سباقا غايته الفوز، ونيل الاعتراف من احد ،ليس صكا على التفوق والقدرة، انها حفر في الاعماق وتجذير للانساني.وان فزن بجدارة فليس الفوز سوى
حافزا صغيرا للمضي في الطريق الوعر، المحفوف بالصعاب والرماح والحرائق ،لكنه الطريق المليء بالفرح، ذلك الفرح الاسمى الذي يمنحه الانسان لنفسه!
الكتابة تعبير عن موقف في الحياة، ورؤية للعالم ،ورأي في الواقع والتاريخ واحتفاء بالذات وهي تخرج من غيابها وتستيقظ من سبات حبك حولها واشتد،وشهادة على زمن ينخره الخراب الى جذوره. الكتابة شرف واستشراف،شهامة ونقاء وشجاعة.والمرأة اذ تكتب وتبدع لغتها واقانيمها فانما تؤسس جبهة نضال ناصع وشامخ في وجه التخلف والارتداد،ومنارة تدل،ومشعلا لا ينطفئ في طرقات الظلام.
واذ لم تكن قضايا المرأة ومعاناتها منذ الوأد حتى الرجم وما بينهما من حجب كثيفة واغلال وعبودية واستلاب، هي قضايا الانسانية وبؤسها واسبابها، فأي معنى للاانسانية ومعاييرها النقدية الزائفة بعد!
 
** ** **

ايتها النساء الناهضات في بهاء الكتابة امضين في الكشف حد الخطورة،وفي الاعماق حد الغرق، فليس يبقى سوى نصوع الكلمة،وليس يبقى سوى صلابة الحقيقة وكل ما عدى ذلك غثاء وزبد!


الشارقة ‏22‏‏/‏05‏‏/‏2002






 

free web counter