| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حامد كعيد الجبوري

 

 

 

الأحد 2/5/ 2010

 

لطيف بربن سلطان الظرفاء
(1)

حامد كعيد الجبوري

ليس سهلا التحدث عن هكذا شخصية غرائبية بل قل خرافية ، وهناك حديث أشك بصحته وصحة رواته ، والحديث الذي أعني للرسول الأعظم (ص) الذي يقول فيه ( من كثر مزاحه قلة هيبته) ، وسبب شكي بصحة هذا الحديث ما يرويه أبن أبي الحديد المعتزلي بكتابه الشهير ( شرح ابن ابي الحديد) ، يقول ابن أبي الحديد أن (محمد ص) كان يمازح أصدقائه من المسلمين كثيرا ، وفي أحد الليالي وهو ذاهب لصلاة الفجر وجد أحد المسلمين نائما بالمسجد فأيقظه النبي (ص) وقال له إستيقضي يا (أم عامر) ، نهض الرجل مذعوراً وهو يتحسس مذاكيره – أعضاءه التناسلية – ويقول لقد مسخني الله امرأة ، ويقول أبن أبي الحديد بعد هذه الحادثة أمتنع الرسول الأعظم عن المزاح هكذا ، وحديث آخر يروى بحق صحابي جليل – نعيمان - لم يرهُ الرسول (ص) إلا ضاحكاً فقال بحقه (يدخل نعيمان الجنة ضاحكاً) ، ومن الطرف التي تروى عن (نعيمان) أنه وجد أعمى يطلب الذهاب الى بيت الخلاء ، فقاده نعيمان ولكنه دخل به صوب المسجد ، أراد الأعمى أن يجلس لقضاء الحاجة فرآه المسلمون وقالوا له ماذا تفعل أيها الأعمى أنه ليس بيت الخلاء وإنما هو باحة المسجد ، قال الرجل من الذي قادني الى هنا ؟ قالوا له نعيمان أتى بك ، قال الأعمى والله أن ظفرت به لأعلونه بعصاي هذه ، وبعد أيام شاهد نعيمان ذلك الأعمى فذهب صوبه وقال له ، تعال معي لأن نعيمان تركته يصلي بالمسجد ، فرح الأعمى كثيرا وقال أسرع يا بني نحوه ، وصل نعيمان به الى المسجد وكان خليفة رسول الله (ص) عثمان بن عفان (رض) هو الذي يصلي ، وقف الأعمى خلف الخليفة ورفع عصاه لينزلها عليه فرآه المسلمون وقالوا ماذا تفعل أيها الأعمى أن من يصلي خليفة رسول الله ، قال من الذي أتى بي للمسجد ، قالوا نعيمان ، قال والله لا أتعرض له أبدا وضحك من هذه الفعلة الجميع ، كل هذه المقدمة الطويلة لأثبت شكي بالحديث المروى عن الرسول (ص) .

(لطيف إبراهيم بربن) أسميته الرجل الغرائبي ويسميه صديقه الشيوعي الراحل (جعفر هجول) الرجل الخرافي ، قبل الدخول والحديث عن هذا الرجل العجيب أقول ، ليس الرجل فكها محبا للطرفة وحسب ، بل هو رجل مجتمع مهاب من أبناء مدينته ، ورجل سياسي أنتمى للحزب الشيوعي العراقي بخمسينات القرن المنصرم ، مربي فاضل ، وأقصد أب فاضل حيث أكمل أولاده الست وبناته الست أيضا دراستهم الجامعية ومارسوا حياتهم الوظيفية بأخلاص يشبه أخلاص مربيهم – الوالد - ، ولكن السمة الغالبة على هذا الرجل الطرفة ، ولكي يقرّب لك موقفا سياسياً يخلطه ويقرنه بطرفه ، يقول أتاني شرطي للأمن وقال لي ، (أبو ياسين) أن ضابطنا يقول لك تعال للمديرية ، قلت له ما يريد ، قال مجرد استفسار ، قلت له حسنا سأنهي ما بيدي وأتيكم ، في ذلك اليوم تثاقلت من الذهاب إليهم وقلت سأذهب غدا بإذن الله ، صباحا حضر ( السري) وقال لي لماذا لم تأتي والله أنبني الضابط كثيرا (عمي أبو ياسين هو استفسار لتدير بال )، قلت بنفسي قال لي (لتدير بال إذن ماكو شي) ، وفي ذلك اليوم لم يحضر والدي -الدكان له- لوعكة ألمته ولم أذهب لدائرة الأمن ، في اليوم الثالث أتاني (السري) غاضبا وقال لي (عمي أترزلت من وراك كلي الضابط جيبه بيدك) ، في الطريق الذي قطعناه سيرا على الأقدام قال لي (السري) (عمي ما كو شي استفسار وستعود لتخاف) ، وصلنا دائرة الأمن أدخلني على الضابط وقال له (سيدي هذا لطيف بربن) ، نظر الضابط لي وقال (أنت لطيف بربن) ، قلت نعم ، قال خذوه فأخذوني وطال معي استفسارهم سنة ونصف ، بمواقف اجتماعية يمازحك ويحولها لطرفة ، مرة التقاه صديق لم يره من مدة طويلة فقال الصديق ، (الله ابو ياسين والله أشكد أتأذيت كالوا مات أبو ياسين) ، لاحظ سرعة البديهة وتحميل ذلك الصديق ذنب عقوق الصداقة- وقال له مبتسماً ، (صحيح والله ما شفتك بجنازتي ولا شفتك جيت للفاتحة ، والله آني واكف أتلث تيام أبفاتحتي وما شفتك) ، حين لقائي به سألته عن أسمه الكامل فقال ، أسمي (لطيف إبراهيم بربن ) ،وقال مازحا أنت لا تقرأ القرآن ألست بمسلم أن أسمي موجود بالقرآن (أن الله لطيف خبير) ، وأن أردت أسم أبي فهو (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) ، أما أبني فله سورة كاملة بالقرآن سورة (يس) ، قلت له من أي عشيرة أنت أبا ياسين ، قال نحن لسنا عرباً بل فرنسيون – مازحا - نحن من أسرة آل بوربون سلالة ملوك فرنسا جاء جدي التاسع للحلة الفيحاء فلاكت الألسن (بوربون) حتى غدت ( بربن ) ، ثم ألم تلا حظ أن كل أنواع التمور العراقية تكبس وتداس بالأرجل إلا (البربن) يؤكل طازجا ولا تمسه الأرجل لأنه من سلالة الملوك .

ولد لطيف بربن عام 1926 م في محلة (الجباويين ) من الحلة الفيحاء ، أما والده فهو ولادة محلة الكلج ، ولم يكن الوالد متقنا للطرفة أو يتعامل بها ،بل هو رجل بسيط جدا وفي أحايين متباعدة تخرج من فمه طرفة ما فيتمسك بها ولده لطيف ويطورها ويضيف إليها الكثير ، يقول لطيف أحد الليالي عدت من سهرة إمتدت لساعة متأخرة من الليل وكان الفصل صيفا ، ومن العادات الحلية النوم فوق السطوح ، بدأ لطيف يحدث زوجته ويقول لها ، (سمعي أم ياسين أني اشتريت بطاقة يانصيب وراح أربح ألف دينار أول شي أبدلج صرتي عتيكه وأشتري سيارة وأسافر لفرنسا أجدادي) ، سمع كلام لطيف والده وقال له ، ( أي كلب أبن الكلب تلفسهن للفلوس فُكر أبن فُكر) ، وطالما نحن بذكر الأب (إبراهيم) فسأذكر حادثة طريفة ومقلبا من لطيف لوالده ، يقول لطيف بربن عام 1944 م عام التموين قلت لوالدي (بوية أريد أتزوج ) وافق الأب وجمعنا ما قدرنا الله عليه ، ومن العادات والتقاليد المجتمعية الحلية آنذاك عقد وليمة للعشاء على شرف المتزوج ولكن بعد أن ينهي الخطيب خطبته ( قرايه على الحسين) ، يقول لطيف يفترض أن تقام حفلة موسيقية لي بهذه المناسبة ولكنه تحولت لمجلس حسيني كما هي العادة الحلية ، بقيت أختزن ذلك بصدري حتى عام 1960 م وذهاب والدي لبيت الله الحرام عن طريق النجف الأشرف ،وحين عودة والدي من الديار المقدسة ذهبت لإحضاره وفي طريق عودتي مررت على مخيم للغجر بالقرب من ناحية الكفل فدخلت بسيارتي له، سمع والدي قرع الطبول والدفوف فقال لي (ماهذا إلطيف) – تصغير اسم لطيف - ، قلت له هذا ( حي الكاولية) ، فقال (بويه إشعدنه بالكاوليه) ، قلت له (تذكر يوم زواجي سويتلي قرايه عالحسين واليوم أنت أجيت من مكه جبتك للكاوليه وحده أبوحده) ضحك والده وقال ( لا يا أبن ال.... مانسيتها بويه هي الدنيه جانت هيجي) ، وعن بساطة والد لطيف بربن يقول عنه ولده ، حينما أودعت التوقيف جاء أبي لزيارتي بعد أيام فسأله أحد أصدقائي ، (عمي أشو اليوم إجيت أتشوف أبو ياسين وين جنت هالمده) ، يقول لطيف أجاب أبي قائلاً ( لا والله عمي يوميه أجي والشرطة يكولولي يصغ) ، لم يفهم السائل هذه الإجابة وألتفت اليه - لطيف - قائلاً (يصغ) تعني ممنوع باللغة التركية أو الفارسية ، ويقول عن والده لطيف أن والدي يسمي قدح الماء (إبياله) ، ويسمي الغطاء الفليني الذي يحكم غطاء القناني ( تبه لغ) ، ومن أطرف ما يرويه لطيف عن والده يقول ، في العام 1935 م أراد والدي سحب خط كهربائي لدارنا ليستبدله عن الخط الذي أسسه المهندس والآثاري الدكتور أحمد سوسه ، فذهب الى دائرة الكهرباء وسرعان ما عاد للمحل سألت والدي وقلت له (بشر بويه كملت المعامله) ، يقول لطيف أجابني والدي وقال ( لا والله بويه يردون مني تبه زيتو) ، قلت له (روح بويه أشتريها ونطيهيا ألهم) ، أجابني بعصبية قائلاً ( شوف الزمال شيكلي ولك بويه التبه زيتو تأمينات يردون دينار تأمينات).

إنتظروا القسم الثاني
 

 

free web counter