| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حامد كعيد الجبوري

 

 

 

الأحد 16/5/ 2010

 

إضاءة

مواطنون ام مستوطنون

حامد كعيد الجبوري

قد أكون مبالغا أن قلت أختلط عليّ معنى المواطن والمستوطن ، ولربما سأسأل لا حقا ما معناهما من المتخصصين بعلم الاجتماع او السياسة ، وأن عدت قليلاً للوراء مستذكراً أيام دراستي الإعدادية أو الكلية ، وأحاول جاهداً مد جسوري المعرفية بهذا الباب ، لوجدت أن المواطن قد يعني ذلك الإنسان الذي يعيش ببقعة من الأرض معلومة الحدود له فيها ما للآخرين من حقوق وواجبات ، وهنا أتذكر الأبيات التي قالها الشاعر صفي الدين الحلي الذي يقول :

بلاد ألفناها على غير رغبة            وقد يؤلف الشئ الذي ليس بالحسن
ونستعذب الأرض التي لا هواءها     ولا ماءها عذب لكنها وطن

و لك أن تتصور مدى تمسك صفي الدين الحلي ومن هو على شاكلته بأرضه والدفاع عنها ، وحتى أن كانت هذه الأرض مجدبة لا تدر لأبنائها ما يقتاتون به من ماء وطعام ، إلا أنها وطنهم ولا يمكنهم التخلي عنها .

منتصف التسعينات وبعد أن أحكم الطوق على مواطني العراق ، سواء من الداخل ممثلا بالنظام المباد ، أو من الدول التي وجدت بالعراق لقمة سائغة طيعة القطاف ، في هذه المعاناة بدأ الأخوة من المسيحيين مغادرة العراق لمنافي الدنيا ، وحسنا فعلوا ، كان لأحد أصدقائي الأطباء صديق مسيحي غادر أقاربه العراق وظل وحيدا ببلده متمسكا بهذه الأرض التي أحب ، سأله صديقي مرة قائلا له ، فلان لماذا لم تغادر العراق وتلتحق بأقاربك سيما وأن الحدود مفتوحة لك إضافة لوجود قاعدة أمينة لديك من أهلك المغادرون ؟ ، أجابه بهدوء تام ، عجيب أمرك صديقي هل تطلب فعلا مني أن أغادر معشوقي العراق ، أسمع جيدا يا صديقي ، حينما خلقني الله خيرني وقال لي أنظر لتحتك سترى الدنيا بأسرها فأختر أين تريد أن أنزلك فيها ، قلت له يا رب أنت أعرف بها فضعني حيث تشاء ، أجابه الرب بأني سأختار لك العراق ، قلت للرب لماذا هذا الاختيار ، أجابني الرب قائلاً أسمع يا فلان ودقق معي أنظر ستجد جبالاً شاهقة يعلوها الجليد ، وستجد أرضا خضراء مكسوة بالزرع ، وستجد صحراء واسعة ، ثم لاحظ معي جيدا ستجد نهرين جاريين بالحياة ، وستجد في باطن هذه الأرض من الخيرات ما لا يحصى ، ثم جعلت لهذا البلد أربعة فصول ، وهذا يعني تعدد أنواع المزروعات ، ثم أن كل شئ هنا بحساب دقيق ، ثم تريدني أن أغادر ما منحنيه الرب هذا جهل منك صديقي ، يقول صديقي أقنعني بهذا الحديث عن ربه وعن وطنه المختار له ، بعد مضي أكثر من سنة على هذه الحادثة وأنا وصديقي المسيحي على اتصال شبه يومي ، أحدى الليالي أتصل الصديق المسيحي - البغدادي السكن - بصديقه الحلي قائلا له أنه ضجر جدا من الوحدة القاتلة والبعد عن الأهل والأحبة وقال له مخاطبا بأنه سيحضر للحلة الآن ، قلت له أن الفصل شتاء والساعة قاربت العاشرة أنتظر ليوم غد ، أجابه أنه عازم على القدوم فهيئ مائدتك يا صديقي ، يقول صاحبي الطريق من الحلة لبغداد لا يتعدى الساعة والربع في أشد حالاته لكن صاحبي تأخر كثيرا بالقدوم حتى تجاوزت الثانية عشر ليلا ، أتصلت على هاتفه الأرضي - اذ لا سواه آنذاك - ولم يجبني أحد ، قلت بنفسي لربما أفرط بالشرب وأخذته نومة هانئة لذا تأخر عن موعد قدومه ، في الصباح الباكر أتصلت به فوجدت من يرد عليّ معلنا أن صاحبي قد أصيب بحادث سيارة وهو ذاهب لصديقه بالحلة الفيحاء ، قلت لهم أنا صاحبه فهل هو بخير ، جاءتني الصاعقة بأنه قد غادر الحياة وأن معارفه في بغداد يجرون معاملة أستلام جثته من الطب العدلي في المحمودية ، وصلت لبغداد كما يقول صاحبي وأودعناه مثواه الأخير .

من هذه الحادثة التي أوردتها لأبين مدى تمسك العراقيون بأرضهم لأنهم مواطنون ومواطنون من الدرجة الأولى مع سابق التأكيد والدعم لعراقية المواطن ، الآن وبعد التغيير الذي يفترض أن يجذّر عراقية المواطن أجد ومتحدثا عن نفسي - على أقل تقدير - أني لا أملك هذه المواطنة التي كنت أملكها سابقاً ، في عهد الدكتاتورية البغيضة كنت أمني نفسي كمواطن له حق العيش بهذه البقعة التي أحب وأدافع عنها لأصل بآخر المطاف لمستوى المواطنة التي أبغي ، إلا أن الحال الذي نعيشه الآن سواء قصد به أم لم يقصد ، أجد نفسي دخيلا على هذا الوطن المستباح ، ولو قدر لي الحصول على مكان آخر أعيش به آمنا لاستبدلته كما أستبدل ملابسي الداخلية ، وأعتقد أن الفرق قد أتضح بين المواطن والمستوطن ،

للإضاءة ....... فقط .
 

 

free web counter