| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

 

 

 

السبت 3/5/ 2007



محاولة جديدة لتمرير المسودة المرفوضة لقانون النفط

حمزة الجواهري

مر أكثر من عام على تقديم مسودة قانون النفط سيئة الصيت للبرلمان من أجل إقرارها، لكنها لم تلق قبولا لا من البرلمان ولا من المختصين في هذه الصناعة ولا الاقتصاديين ولا المخططين ولا الشعب، قدمت مرة أخرى أملا بإقرارها بعد رفض متكرر لمحتواها خلال هذا العام، قدمت هذه المرة أيضا دون أي تعديل على صيغتها الرثة التي ظهرت بها في شباط عام2007، قدمت، وربما هي العاشرة التي تقدم بها، كنتيجة للضغوط الكبيرة التي تمارسها بعض الكتل السياسية، بعضها بالعلن وأخرى بالسر، قدمت من أجل إقرارها لتحقق طموح البعض للثراء الفاحش على حساب الشعب العراقي من خلال تقاسمهم ملكية النفط مع الشعب صاحب الحق الوحيد بثروته التي حفظتها أرضه مئات ملايين السنين.
خلال هذا العام تمخضت الأحداث عن جملة من الحقائق لا مجال لتجاوزها والعبور عليها بصمت كما دأبت على ذلك الكل الضاغطة، أهمها أن العراق باستطاعته أن يقوم بالكثير الذي كانت تشكك به هذه الكتل. ففي هذه المقالة نحاول رصد ما يمكن اعتباره مؤشرات لصالح اعتماد النموذج الاقتصادي في تطوير الصناعة النفطية الذي يتم على أساس التطوير بإدارة وطنية اعتمادا على عقود الخدمة حصريا سواء كانت هذه العقود مع شركات أجنبية أو محلية يملكها القطاع الخاص أو المشترك بين المحلي والأجنبي.
من أهم الملاحظات التي رصدها العراقيين هي تحول الحكومة ممثلة بوزير النفط نحو استثمار عقود الخدمة في تطوير الحقول الجديدة بدلا من إصرارها على اعتماد عقود المشاركة بالإنتاج بأشكالها المتنوعة، للحد الذي دخل به السيد وزير النفط في سجال متشنج مع حكومة إقليم كوردستان المتحمسة لعقود المشاركة بالإنتاج، حيث كان تحول السيد الوزيرة بادرة طيبة جدا باركتها جميع الكتل السياسية واعتبرت هذه الوقفة من أهم مظاهر الديمقراطية الوليدة في العراق الجديد، إذ لم يحدث في التاريخ العراقي أو العربي أن تبنت حكومة رأي الشعب وتخلت عن مواقفها المعلنة، وهذه سابقة تضاف إلى سجل الحكومة ممثلة برئيسها ووزير النفط فيها. فالسيد الوزير هو الذي يقف اليوم بوجه الضغوط المعلنة والخفية، وهو الذي تلقى الصدمات برباطة جأش وإصرار كونه بدا مقتنعا جدا بما سيتسبب به هذا القانون فيما لو تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان، إذ بدا واضحا كل الوضوح أن التكنوقراط النفطي الذي وقف بحزم بوجه هذه المسودة كان على حق ولم يكن يتحدث عن جهل أو بنوايا خبيثة كما حاول البعض تصويره. نقول هذا بالرغم من أن المسودة قد تم إعادتها للبرلمان من جديد على أمل أن تقوم الكتل الداعمة لصيغتها القديمة والمرفوضة أن تنجح بالحصول على تنازلات من قبل الكتل أو الأعضاء الذين يمكن أن يساوموا على حساب مصالح الشعب، لذا نجد أن الناطق الرسمي باسم الحكومة قد ترك الكرة في ملعب البرلمان وقالها صراحة " أن النسخة التي أرسلت إلى مجلس النواب من مشروع قانون النفط والغاز "هي نفسها التي اتفق عليها في شباط / فبراير من العام (2007)"، أي قبل أكثر من عام، مشيرا إلى أن مجلس النواب "يستطيع أن يناقشها أو يجري عليها أي تعديلات قد يراها أعضاء البرلمان"، وهذا يعني أن حكومة الإقليم مازالت مصرة على تلك الصيغة رغم كل ما تم وكل ما تمخضت عنه الأحداث من حقائق جديدة، ربما يكون هناك طرف أو أطراف تعمل بالظل من أجل دعم هذه المسودة التي تعتبر سلم الهاوية التي لا قرار لها بالنسبة للعراق وليس للقطاع النفطي وحسب.
ما قاله المختصون وقتها ومازال يتردد لحد الآن هو أن يكون التطوير على أساس إدارة التطوير بشكل مباشر من خلال عقود الخدمة وليس عقود المشاركة بالإنتاج بأشكالها المتنوعة، وقتها قال الفريق الذي يدفع نحو التفريط بثروة العراق أن هذه الشركات العالمية ترفض القيام بعمليات التطوير على أساس عقود الخدمة، وإذا لم تأخذ نصيبها من النفط سوف يبقى تحت الأرض وسيكون العراق هو الخاسر الأكبر، وقالوا ما هو أكثر. لكن بظل العطش العالمي للنفط وإدراك العالم أن العراق هو المنقذ الوحيد من هذه الضائقة حتى لو أن الوضع الأمني مازال عليلا، حيث مازال يموت به الإنسان دون أن يترك أثرا كبيرا، ولا يمثل موته سوى رقما من أرقام الضحايا، فما بالك بعد أن يتأكد الجميع أن العراق قد تعافى بعد سقطته التي كادت أن تودي به، وما بالك حين يصبح سعر برميل النفط أكثر من150 دولار كنتيجة للخلل بين العرض والطلب؟ وهكذا بعد ستة أشهر فقط من ذلك السجال نرى الآتي، وهو على العكس مما كانوا يقولون:
1. نرى الشركات العالمية الكبرى تتقدم لتسجيلها في وزارة النفط العراقية كشركات خدمية واستثمارية في مجالات التصنيع للنفط والغاز وفي الصناعة الاستخراجية. فقد أعلنت الوزارة عن تسجيل عشرات الشركات، قد يكون عددها قد وصل لحد الآن إلى أكثر من40 شركة، تم انتخابها من بين مئات الشركات المتقدمة للوزارة.
2. مازال هناك صف طويل يقف أمام وزارة النفط لشركات أخرى تحمل ملفات التأهيل لكي يتم تسجيلها بعد أن تكون قد استوفت الشروط الصعبة التي وضعتها الوزارة لقبول تسجيل هذه الشركات.
3. هناك شركات أخرى مثل شركة شل العملاقة تفاوض على تطوير حقل عكاز الغازي وربطه بالخط العربي العملاق لسد نقص الغز في أوربا، وربما تكون قد انتهت من عملية التفاوض حاليا، ورغم أننا لا نعلم بتفاصيل الاتفاق، لكن هناك تأكيدات على أنه ليس على أساس المشاركة بالإنتاج.
4. شركات عالمية عملاقة مثل بي بي وشل ولوك اويل تعمل على إجراء دراسات مكمنية ضرورية لبدء التطوير في بعض الحقول العملاقة النصف مطورة في العراق على أساس عقود الخدمة.
5. تم بالفعل توقيع عدة عقود خدمة جديدة لتطوير الحقول أو لدعم الإنتاج من الحقول المنتجة كلها مع شركات عالمية، وهناك العديد من العقود في طور التوقيع النهائي أو المباحثات، كلها عقود خدمة كما أسلفنا على أساس التطوير المتكامل، أي ما يسمى بالتيرن كي بروجكت.
6. تم تسجيل عشرات الشركات الخدمية الوطنية والعربية والعالمية لتقديم خدمات تخصصية في مجال الصناعة الاستخراجية تحديدا، كما وتم إقامة شراكات بين شركات وطنية وأخرى عالمية تمتلك الخبرة في مجال الخدمات التخصصية النفطية التي تعتبر حجر الزاوية في عمليات التطوير البترولي.
7. كل هذا قد تم بالفعل ومازال الوضع الأمني يعاني من وجود تلك المليشيات المنفلتة والعصابات الإجرامية وقوى الشر الإقليمية مازالت ماضية بغيها من أجل إعاقة عملية البناء في العراق، لذا مازال العديد من الشركات العالمية ينتظر تحسن الوضع الأمني بما يسمح بالدخول السلس للاستثمار في العراق في مجال تقديم الخدمات التخصصية والتجهيز. ربما يعتقد البعض أن بعض هذه المعلومات مبالغ به، لكن وجودنا شخصيا في معمعان هذه الصناعة نعرف عن كثب مدى الرغبة العارمة للشركات التي تعمل في مجال تطوير الحقول للدخول في العراق، حتى أن بعض الشركات قد رصدت أموال كبيرة بالفعل وأعدت نفسها للدخول خصوصا وأن بوادر التحسن الأمني قد بدت واضحة في العراق.
8. من بين المبررات التي قدمت لتسويق هذه السرقة العلنية هي عدم قدرة العراق على تمويل مشاريع النفط من ميزانية الدولة، لكن ها هي العائدات الحالية والمتوقعة للسنة القادمة تؤكد أن العراق يستطيع أن يمول جميع عمليات التطوير البترولي وصولا إلى طاقة إجمالية تزيد على12 مليون برميل يوميا دون اللجوء إلى أمول المستثمر الأجنبي أو الاقتراض من البنوك العالمية. هذه الذريعة التي طالما حاول تسويقها مروجو عقود المشاركة بالإنتاج قد سقطت كأوراق الشجر حتى قبل الخريف.
9. ومن المبررات المتهافتة التي استخدمت أيضا لتسويق هذه المسودة الرثة هو عدم وجود كادر يستطيع أن يقوم بهذه المهمات الكبيرة جدا، فكل ما تقدم يعطي الدليل القاطع أن القطاع النفطي يحظى بعدد كبير من المتخصصين القادرين على إدارة عمليات التطوير والإنتاج وإن المهندس والاقتصادي والحقوقي والإداري والعامل العراقي قادرين بما لا يقبل الشك على القيام بهذه المهمات الصعبة، كما وأن إعادة هيكلة القطاع وإعادة تأسيس شركة النفط الوطنية سوف يسهم بعودة الكوادر المهاجرة للمساهمة بهذا الجهد الوطني، وسوف يعطي دفعا لا ريب فيه لعمليات التطوير على أساس التنافس الحر، ويعطي فرصا كبيرة لتطوير القطاع الوطني الخاص للمشاركة لكي لا يبقى بعيدا عن القطاع النفطي وحبيس قمقم سليمان الذي وضعته به السياسات النفطية الجائرة التي رسمتها ونفذتها الحكومات السابقة والمتعاقبة.
كل هذه التغيرات حدثت خلال ستة أشهر بعد توقف أو خفوت السجال حول القانون، وهو ما يؤكد بما لا يقبل الشك أن التكنوقراط العراقي الذي وقف بوجه المسودة المرفوضة كان على حق بشكل مطلق، إذ أن التطوير بشكل مباشر من خلال عقود الخدمة أصبح حقيقة لا جدال فيها، وهذا يعني عدم وجود ضرورة لإصدار القانون بصيغته الحالية كونه يفرط بحقوق الشعب العراقي ويمنح الشرعية لسرقة النفط ويتجاوز على النص الدستوري الذي حاول البعض تشويه معناه بطريقة مضحكة تدعو للشفقة. كما وأن إقرار هذا القانون سوف يتسبب بفوضى الإنتاج الذي حذرنا منه بلا أدنى شك، وسيكون من أول نتائجه هو انحدار أسعار النفط إلى مستويات العام الماضي أو الذي قبله، لأنه لا يضع ضوابط على إنتاج الشريك الأجنبي صاحب العقد في حال تم وضع حصة للعراق من خلال منظمة الأوبك، وسوف يكون تخفيض الإنتاج على حساب شركة النفط الوطنية لوحدها، بحيث يجد المستثمر الأجنبي نفسه هو المنتج الوحيد للنفط في العراق بعد أن تغلق شركة النفط الوطنية أبارها كنتيجة أو ضرورة موضوعية لضبط معادلة العرض والطلب في الأسواق العالمية، وهذا يعني أننا نعرض مصالح العراق ومصالح شركائنا المنتجين للنفط إلى ضرر كبير لا يمكن تحاشيه مادام المركز لا يستطيع ضبط إنتاج المستثمر الأجنبي وفق المسودة سيئة الصيت.
في الحقيقة إن هذا الأمر لا يمكن تقديم الدليل القاطع عليه إلا بعد أن يكون الضرر قد أصاب الجميع، وحين يتوفر الدليل على هذه النقطة بالذات يكون العراق ضاع إلى الأبد.

هذا القانون المجحف والمفرط بحقوق الشعب العراقي كما قيل على لسان الناطق الرسمي للحكومة لضغوط


2008-05-03


 


 

Counters