| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

 

 

 

 

الأثنين 22 / 1 / 2007

 

 


الجلوس في قفص الثعابين السامة

 

حمزة الجواهري

بالرغم من أن السياسة الأمريكية في العراق قد وضعت على طاولات التطبيق، لكنها بقيت غير معلنة بالكامل، وهذا ما يشير إلى أن الخطط التي وضعت بناءا على هذه السياسة بقيت قيد التعديل والمراجعة من حين لآخر، أي تكتيك "العمل وتقويم المسار" وليس تكتيك "التجربة والخطأ" الذي كان متبعا قبل هذا الوقت. بمعنى أن الحسم يكون للسياسة وليس للتكتيك، لذا فإن التعبئة التي تسبق التنفيذ ينبغي أن تكون متكاملة ولا تسمح بالخطأ.

في الواقع ليس من السهل على سياسي الخوض بالتفاصيل للعمليات والتكتيكات العسكرية لأنها ليست من صلب اختصاصه، لكن يمكن تقويم المسار السياسي في أي وقت بما يتماشى مع مستجدات الواقع السياسي لخارطة العنف المسلح، من هنا بالتحديد أجد أن هناك مساحة معقولة للحركة وتقديم تقييمات موضوعية لمتغيرات الواقع السياسي مع تطور سير العمليات العسكرية وما تنجزه أو تتمخض عنه من إحباط أو نجاح. لذا من الضروري الآن قراءة خارطة العنف المسلح حاليا قبل أن تبدأ الخطة الأمنية رسميا، لكي نستطيع متابعة المتغيرات بوضوح.

عند النظر للوهلة الأولى لخارطة العنف المسلح في العراق حاليا نجد أنها معقدة جدا تجعل من قراءتها بوضوح أمرا غاية بالصعوبة، ولكن بالنظر مليا، نرى أن هناك قواسم مشتركة وأشياء كثيرة متشابهة وأخرى متطابقة، ولتبسيط شكل الخارطة المعقد علينا رفع الكثير من خطوطها المتشابكة لتسهل قراءتها.

من أهم ملامح الخارطة السياسية للعنف نجد أنه يستهدف، من حيث الأساس، الأبرياء من الطوائف المختلفة، والذي يقوم بهذا الاستهداف هو عناصر مسلحة من مختلف الأطراف بغض النظر عن انتمائها الطائفي أو المناطقي، وللنظر بعمق إلى الأطراف الأساسية منها، نجد أنها تشترك بقاسم مشترك واحد وهو البعث كعنصر مهم جدا في تكوين أي منها، فالقاعدة بجميع تنظيماتها وخلاياها تتداخل بشكل عضوي مع تنظيمات البعث المسلحة، وحتى الأخيرة لم تبقى بعثية صافية، فإنها قد استقطبت إلى صفوفها عناصر متنوعة، منها المرتزقة الذين يعملون بأجر، وآخرون قدموا من الخارج زجت بهم التنظيمات القومية العربية أو الإسلامية وحتى المغرر بهم والمخدوعين بوجود مقاومة في العراق، كل هذه العناصر تعتبر مقاومة بعثية وليست وطنية لأنها تعمل وفق مشروع هدفه من حيث الأساس إشاعة العنف وبالتالي فرض أجندة البعث التي تهدف أساسا للتفرد بالسلطة، أضف إلى ذلك أن التنظيمات القاعدية، عناصرها وإن انتمت لتنظيمات القاعدة، لكنها تحمل تحت ثيابها أجندة البعث، كما ولا تستطيع هذه التنظيمات العمل في العراق من دون الدعم البعثي، فهو الذي يوفر المأوى والدعم اللوجستي ويقدم لها السلاح والكثير من المال، ويوفر لها أيضا النصيحة الاستشارية بما يخص البيئة والمجتمع العراقي والتي من دونها لا تستطيع القاعدة أن تعمل بحرية. ليس هذا وحسب، فهناك العشرات من الخلايا للجريمة المنظمة تعمل في جميع أرجاء العراق مستفيدة من دعم العصابات المسلحة وحالة الفوضى في العراق. هذا الجانب من العصابات المسلحة يلقى دعما عربيا إقليميا متناهيا من الناحية السياسية والمالية وتوفير العناصر البشرية والدعم اللوجستي المتنوع.

على الضفة الأخرى من الوطن نجد العناصر الرئيسية التي تشكل المليشيات الفاعلة بعمليات القتل وإشاعة الفوضى هم أصلا من عناصر فدائيوا صدام والاستخبارات البعثية للنظام السابق الذين يتبوءون الآن المراكز القيادية لهذه المليشيات، وحتى الوسطية منها، لكن العناصر الأقل شأنا، معظمهم من الذين دفعتهم الحاجة أو الدفاع عن النفس أو الإيمان الساذج أو الرغبة بموقع يتمتع بنفوذ اجتماعي أو الحاجة لدعم من منظمة توفر لهم ولعوائلهم ما يضمن استمرار العيش حتى لو بدون سلام، وكما أسلفنا يختلط بهم عناصر الجريمة المنظمة والمرتزقة في كثير من الأحيان، كما وتلقى أيضا هذه المليشيات الدعم الإقليمي من دول الجوار، وتوفر لها ما وفره الجوار الآخر للأطراف المتصارعة معها، حتى يصل الأمر أنك تجد دولة تقدم دعما لطرفي الصراع في وقت واحد من أجل استمراره وديمومته وخلق فرص جديدة لوئد النظام الجديد.

مهم جدا معرفة أن كلا الطرفين يحاربون بعضهم البعض بأجساد العراقيين الأبرياء، ولا يحاربون بعضهم البعض بشكل مباشر إلا إذا اقتضت الضرورة لذلك، لكن الأهم الذي يجب معرفته، هو أن العناصر البعثية تمثل القاسم المشترك بين طرفي الصراع الأساسيين، وفي كثير من الأحيان يعتبر العنصر البعثي هو العنصر الأكثر قوة في التنظيم، والذي يقود العمليات التي تستهدف الأبرياء.

على هذا الأساس يمكننا القول أن ليس هناك حرب أهلية أو طائفية، ولا حتى نزاع طائفي ولا..... ولا.. من هذه التسميات التي شاعت هذه الأيام، حيث أن الموجود هو أن البعث يحارب البعث بأجساد العراقيين الأبرياء، أي أن ما يسمى بالعناصر المسلحة والمليشيات على اختلاف تنوعها تشترك بقاسم مشترك واحد وهو وجود البعث في المراكز المهمة من هياكلها التنظيمية.

من هنا يجب أن توجه الأنظار نحو البعث تحديدا وأن لا تصرف نحو الجزئيات أو التسميات التي برع المحللون السياسيون بصياغتها، لأن أحد أهم مرتكزات سياسة البعث هو خلط الأوراق، وأن الجرائم يجب أن لا ترتكب باسم البعث بل بأسماء مختلفة، هذه الأسماء هي التي تحمل وزر الجريمة بحق الشعب، وفي هذه القراءة لخارطة العنف السياسي، إن من يحمل الوزر هو تلك التشكيلات الوهمية أو المسميات الكثيرة للتنظيمات المسلحة من مختلف الطوائف وليس البعث. بالطبع المقصود من البعث في هذه المقالة هو التنظيم الذي يعمل على العودة للسلطة وليس ذلك البعثي الذي انخرط للحزب مجبرا، ولا تنظيمات البعث التي تؤمن بالعملية السياسية رغم صعوبة التفريق بين الإثنين، وهنا يكمن التحدي الحقيقي بهذه المجازفة التي تشبه إلى حد بعيد الجلوس في قفص الثعابين السامة، لأن السياسة الجديدة تقتضي الاستمرار بعملية المصالحة وإلغاء اجتثاث البعث.

كشاهد يعتبر الأكثر وضوحا على هذا التصور، ألا ترن كيف تمسك صدام حسين بالمصحف الشريف حتى يوم إعدامه؟ بالرغم من أن صدام يغرق في بحر من الدماء، وكل لحظة من لحظات حياته كان يرتكب جريمة أو جرائم ترتكب بتخطيط ودعم منه، لكن الصورة الأخيرة التي تركها هي أنه يمسك بالمصحف الشريف، وآخر الكلمات التي قالها هي الشهادتين، وبالرغم من أن جميع العراقيين يعرفون حق المعرفة أن صدام كان مجرما، وقد قالها هو بداخل المحكمة من أنه الذي أصدر الأوامر ويتحمل وزر عمليات الأنفال القذرة، ورغم ذلك، حين أدلى باعترافه هذا، كان يرفع المصحف الشريف عاليا، أو يرفع يده عاليا ليضعها من جديد على المصحف. حيث لا يهم البعثي شيء أكثر من خلط الأوراق، وهم يعتقدون وفق عقيدة البعث أن التاريخ يكتب بإرادة الحاكم وليس وصفا واقعيا الحقيقة، وبالتالي يمكن رفع ما يشاؤون من أي صورة ليتركوا ما هو جميل فقط، ليس هذا وحسب، فإن هذه الخلط يمنح المدافعين عن البعث مادة حية فيها الكثير من المصداقية.

بالرغم من أن الكثير من الساسة الأمريكان، بينهم عاملون في البيت الأبيض ومكتب نائب الرئيس تشيني، قد أعربوا عن شعورهم باليأس من توصل مساعي المصالحة الوطنية إلى نتائج إيجابية، وذلك لأن خطوات الولايات المتحدة نحو الاتصال بالعراقيين السنة الذي يشعرون بالاستياء لم تؤد إلى تقليص في العنف. مع ذلك نجد أن السياسة الجديدة، أو كما تبدو، تركت ما هو أساسي وتمسكت بالشكليات، أي تركت البعث وتمسكت بالذين صنعهم البعث ليعبثوا بأمن العراق، في حين كان على الأمريكان التمسك بالجوهر وهو البعث. لكن يبدوا أن هذا الأمر يتقاطع مع جانب آخر من السياسة الأمريكية الجديدة المتمثل بموضوع المصالحة الوطنية وإعادة النظر باجتثاث البعث كما أسلفنا.

إنها حقا إشكالية ويبدو أن أمريكا متمسكة بها وقبلت التحدي إرضاء لدول الجوار الإقليمي العربي التي لا تقدر خبث البعث بالشكل المطلوب، حيث أنها مستهدفة في مرحلة لاحقة من قبل البعث أيضا، وما تقدمه هذه الدول من دعم سوف يتحول إلى أدوات غاية بالخطورة تهدد استقرارها وأمنها، لكن مع ذلك فإنها كسياسة فرضت على أمريكا وعليها التمسك بها لأن الذي دفع نحوها يراقب التطبيق والمستجدات على الساحة السياسية. لكن مع ذلك يمكن التعامل عراقيا، وحتى أمريكيا، مع هذا الأمر بشكل مبدع، وعليها أن تجد صيغ جديدة تكون أكثر فاعلية لشل سياسة حزب البعث وعناصره المخربة.

2007-01-22