| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

 

 

 

السبت 13/10/ 2007



حكومة التكنوقراط ومخلوقات العراق الجديد المشوهة


حمزة الجواهري

قبل الحديث عن حكومة التكنوقراط التي طال انتظارها لابد من أخذ لقطات سريعة تعبر عن عمق الخلافات السياسية بين الأطراف العراقية واختلاف أجنداتها، ولابد لنا من المرور على المشاريع السياسية التي يزخر بها العراق الجديد وما آلت إليه.
في الوقت الذي ندعوا فيه إلى حل المليشيات المسلحة وإلى مزيد من التلاحم من أجل القضاء على عصابات القاعدة الهمجية، وعدم التدخل في الشأن العراقي من قبل دول الجوار من عرب وأعاجم، بذات الوقت الذي ندعوا به لهذا وذاك، وبعد أن تكشف كل شيء، نجد من مازال يدعوا لعدم قتال القاعدة وتركهم يقتلون أبناء العراق بمنتهى الحرية!
وآخر يدعوا لإطلاق سراح جميع المجرمين، واليوم يدعوا لإطلاق سراح الانتحاريين السعوديين وغير السعوديين الذين ما دخلوا العراق إلا من أجل قتل العراقيين تقربا لوجه ربهم الذي لا نعرف بأي مستنقع يسكن!
وهناك آخر أثقلته الأموال العربية، بكل وقاحة، مازال يدعوا بلا خجل، لا من الشعب ولا من التاريخ، لمزيد من التدخل العربي في الشأن العراقي! وبكل حرص أيضا ينصح إيران بعدم التدخل في الشأن العراقي!
وآخرون على خجل منهم يعترفون بدور إيران القذر في العراق من دون ذكر للتفاصيل، وكأن التفاصيل تفضح ما تحت الثياب الأنيقة التي ما اعتادوا على ارتدائها إلا بعد سقوط النظام اللعنة!
وآخرون ..... وآخرون، لكل واحد منهم شريعته وتعريفه للوطنية، ومعنى الوطن، والسيادة الوطنية، مختلفون حول معنى الصديق ومعنى العدو ومعنى الخيانة والعمالة والسقوط والخزي والعار والشرف، بكل شيء هم مختلفون! أسيادهم كثر ونحن فقط من تقع عليه فروض الطاعة، وليتنا نعرف من نطيع، فالأسياد أيضا مختلفون ومتحاربون!! ومشاريعهم غير مشاريعنا، هذا إذا بقي لدينا ثمة مشروع نفخر به ونعمل من أجله، لأن كل المشاريع التي وضعناها تشوهت معالمها، بل ولدت مسوخا، مخلوقات مخيفة لا تصلح لشيء، فقد ولدت مشوهة تخيف حتى سكان العالم السفلي.
خذوا هذه الأمثلة الحية من مشاريع العراق الجديد:
• مشروع المصالحة الوطنية كان كما النكتة الثقيلة، فلا أحد يعرف من يصالح من، فلا بداية له ولا نهاية. وبقي الأمر كذلك حتى برز من تحت الركام مشروع صحوة الأنبار، من خلاله تبلور مفهوم جديد لمعنى المصالحة بعد أن أصاب الضر جميع الأطراف المتخاصمة، كان مشروعا مباركا كونه جاء يعبر عن رغبة شعبية جامحة لمحاربة القاعدة، ذلك المشروع الذي قاده المغدور أبو ريشة، لكن سرعان ما تنادت قوى الشر لتحول المشروع إلى أداة تخدم الأهداف الطائفية المقيتة، فكان اغتيال أبو ريشة كبداية لتغيير مسار المشروع، فتشكلت مليشيات عشائرية على أسس جديد وتدفقت الأموال من خارج الحدود لضمان سلامة تحقيق المشروع البديل. وإذا بالمشروع يتحول إلى وسيلة لعودة البعث مجددا من الأبواب الخلفية وحتى الأمامية للسلطة والجيش والقوات المسلحة. فإذا عرفنا أن عدد أعضاء حزب البعث حين نفذ انقلاب عام68 كان لا يزيد على66 عضوا فقط، فما بالك الآن وهم بهذه الأعداد الضخمة؟
• الدستور أحد مواليد العصر الجديد. الإسلامي وضع فيه شروطه والعلماني أيضا وضع شروطه، فإذا بالدستور مخلوق مخيف، بل غابة دستورية، ولم تنجح معه العمليات التجميلية المتعددة التي حاولوا إجرائها له، فمازال طريح الفراش في الأروقة الخلفية من برلمان الدولة الجديدة. أما شقيقه قانون صلاحيات المحافظات، فهو الآخر، ولحسن الحظ لم يولد لحد الآن، وإلا لكان المخلوق المارد العملاق الذي يستطيع بضربة واحدة تفتيت العراق دون الرجوع إلى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، ومن يشك بذلك عليه مطالبة مجلس النواب أن يسمح لوسائل الإعلام بنقل جلسة واحدة من جلسات اللجنة المكلفة بصياغته ونقل وقائعها على الهواء.
• الفدرالية، ما أجمله من نظام، لكن في النتيجة وبفضل المليشيات والعصابات المسلحة، حين اقترحه بايدن وصوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي، وقف العراقيون صفا واحدا ضد تطبيق هذا النوع من النظام الفدرالي في الوقت الحالي، فهو بلا أدنى شك سيكون تقسيما ينتهي بحرب بين دويلات متناحرة تطول كحرب البسوس، وحروبا أخرى بداخل كل دويلة، والذي يعتقد أن نتيجته هو التقسيم فقط، فهو يخدع نفسه، لأن التقسيم الذي سمي "تقسيما سلسا" سيكون أحد أمنيات الأعياد العشرين القادمة.
• حكومة التوافق الوطني، زجوا بها جميع المخربين الذين يعملون بالسر والعلن لتخريب العراق قبل العملية السياسية، وبعد أن كان التخريب من خلال القيام بالعمليات المسلحة الجبانة تلك التي تنفذها عصاباتهم المسلحة ومليشياتهم، وإذا بالتخريب ينخر بالعملية السياسية من الداخل، ويشلها بالكامل، ولم يقف الأمر عند الحكومة فالشلل أصاب البرلمان أيضا، فبدا في مشاهده الأخيرة عبارة عن سوق هرج أو مقهى شعبي حواراته تختلط بالأخذية واللكمات والضرب المبرح لأعضاء البرلمان، ولم يسلم هو الآخر من العمليات الانتحارية والعبوات الناسفة، وكل كتلة أو جماعة من أعضاءه تقف من خلفها مليشيا مسلحة تعمل في العلن أو كما الأشباح، ليدخل البرلمان في مرحلة جديدة بعد أن اكتسبوا الخبرة والمهارة الكافية كمهارة السحرة، ليتحول بين أيديهم الأسود إلى أبيض والأصفر إلى أزرق بلمح البصر دون أن تدركه الأبصار.
• قانون النفط الذي طال انتظاره لكي يقوم بتنظيم العلاقات الإنتاجية والملكية في القطاع النفطي، وإذا به بقدرة قادر يتحول إلى مسودة قانون تنظم عمليات توزيع الثروة الوطنية بين زعماء الطوائف، وليذهب الشعب إلى الجحيم. أما القانون الشقيق إلى قانون النفط، أي مسودة قانون توزيع موارد الدولة المالية، فإذا به يولد أربع توائم سيسامية، كل جينة من جيناتها تعود لأب من جنس مختلف، وهذا ما أثبته اختبار الجينات في أرقى المختبرات، ومازالت المواليد السيسامية الأربعة في غرفة الإنعاش حتى الساعة، وسوف لن يتعافى أيا منها حتى قيام الساعة.
• أما النزاهة، ودواوين الرقابة المالية والإدارية، والقضاء المستقل وغيرها من الهيئات المستقلة في الدولة العراقية فإن أمرها لم يعد خافيا على أحد، فقد انتهى بها الأمر أن تكون وسيلة بيد الحكومة والبرلمان وكتله القوية تنفذ بها ما تشاء من مآرب لا يعلم بها إلا الله. مشاريع لقوانين أخرى لم تصدر لحد الآن لأن مقاساتها لا تناسب جميع الأحجام، مثل قانون الأحزاب وقانون النقابات وغيرها كثير، نحمد الله على منته لعدم صدورها، لأنها بلا أدنى شك ستكون كارثية كباقي المخلوقات الأسطورية في العراق الجديد.
كل ما تقدم أمثلة أضعها أمام المراقب قبل الحديث عن حكومة التكنوقراط التي يدعوا لها الجميع لأنها المخرج الوحيد لإنقاذ العراق من حالة الشلل الذي تمر به العملية السياسية، لكن لا أحد يعرف ما الذي يجري خلف الكواليس من أجل ولادة هذا المخلوق الجديد، فربما سيكون مشوها هو الآخر كأخوته الذين تمخض عنهم العراق الجديد، حيث كل الدلائل تشير إلى أن تعسر ولادة هذه الحكومة سببه الشد والجذب بين الأطراف السياسية، وهذا يعني إن كل كتلة تريد أن تكون الحكومة وفقا لمقاساتها وأن تخضع الحكومة لإرادتها، وبغير هذا فإن مصيرها الشلل التام كسابقاتها.
فلم الحديث إذا عن حكومة لا أحد يعرف ما هي الأسس التي ستقوم عليها؟

2007-10-13
 


 

Counters