| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 13/2/ 2012

 

أزمة مضيق هرمز تهديد مؤجل

حمزة الجواهري *

لا أعتقد أن إيران تنفذ تهديداتها بغلق مضيق هرمز، لأنها وكما سنرى في السياق ستكون الأكثر تضررا من غيرها فيما لو أقدمت فعلا على غلق المضيق، فقد يكون التهديد مؤجلا أو ردعا لما سيأتي من عقوبات جديدة على إيران من قبل الغرب بشأن ملفها النووي.

من المعروف أن معظم الدول النفطية المشاطئة للخليج العربي ستخسر معظم صادراتها النفطية، والبعض منها سيخسر كل شيء فيما لو كان البلد يعتمد من حيث الأساس بتمويل ميزانيته على عائدات النفط، كالعراق، كما وأن هناك بلدان سيتوقف تصديرها للنفط تماما، مثل قطر والكويت، أما السعودية فإنها ستخسر تقريبا نصف إنتاجها كون إمكانياتها للتصدير عبر البحر الأحمر تبقى محدودة ولا تزيد على خمسة ملايين برميل يوميا، في حين أن السعودية تصدر أكثر من ذلك بكثير، فهي تصدر بحدود العشرة ملايين برميل يوميا، وهذا يعني ضمنا أنها لا تستطيع تعويض خسارة السوق العالمية للنفط الخام عن توقف الإنتاج في بعض الدول كنتيجة لغلق المضيق، فالأسواق ستخسر إنتاج الكويت وقطر، والإمارات، وحوالي70% من النفط العراقي، الذي لا يستطيع تصدير أكثر من ستماءة ألف برميل يوميا عبر ميناء جيهان في تركيا فيما لو تم إغلاق هرمز، هذا طبعا إضافة إلى خسارة الإنتاج الإيراني، أي أن الأسواق العالمية ستخسر حوالي17مليون برميل يوميا ولا أحد يستطيع تعويضها. وهكذا نجد أن الدفع نحو تأزيم الوضع في الخليج سوف يكون له نتائج خطيرة على دول المنطقة والعالم أجمع.

في الواقع إن إيران، أو بالأحرى التكنوقراط النفطي هناك، سيكون لهم حسابات أخرى غير حسابات رجال السياسة والعسكر الإيرانيين، ففي حال امتنعت إيران عن المضي فعلا بغلق مضيق هرمز، فإن كميات النفط التي قد تخسر تصديرها إيران كنتيجة لهذا الحضر الجديد لا تزيد على450 ألف برميل يوميا، وهي تلك الكميات التي تصدرها إلى ثلاثة زبائن أوربيين فقط، وهم تحديدا اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وهي دول كانت قد طلبت من الإتحاد الأوربي إعطائها مهلة تصل إلى عام لتعويض النفط الإيراني بكميات تستورد من دول أخرى، وقد وافق الأوربيون على هذا التمديد بالفعل، ورغم الإعتقاد السائد لدى البعض من أنها لا تستطيع تعويض هذه الكميات بسهولة، خصوصا اليونان، لأنها تشتري النفط الإيراني بأسعار مخفضة، وهكذا نرى بوضوح أن الحسابات العقلانية تختلف عن حسابات العسكر والسياسيين المتشددين.

ما تقدم يعني بالتأكيد أن تصدير النفط الإيراني إلى أوربا يمكن أن يستمر خلال العام الجاري على ما هو عليه حاليا، أما باقي النفط الإيراني فإنه يصدر إلى دول مثل الصين والهند من حيث الأساس، إضافة إلى مستهلكين آسيويين آخرين، ومعظهم، بل جميع هذه الدول، قد لا تلتزم بالقرار الأوربي أو الأمريكي بالمقاطعة، حجتها بذلك إن القرارات ليست صادرة من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، أي أنها لا تكتسب الصفة الدولية الملزمة، ومادامت أوربا قد أمهلت دولها التي تتعامل مع إيران سنة لتجد لها بديل عن النفط الإيراني، تستطيع أيضا التراخي بتطبيق قرارها على الآسيويين، فهم أحق بالمهلة من الأوربيين.

وهكذا نرى أن إيران تستطيع الاستمرار ببيع نفطها خلال السنة الحالية وربما ستبحث عمن لا يأبه بالقرارات الأوربية الأمريكية وتفتح أسواقا أخرى، كذلك هناك الدول التي تستطيع مد يد المساعدة لإيران كروسيا التي سوف لن تستطيع تلبية كامل احتياجات زبائنها خلال السنة الجارية كنتيجة لتراجع الإنتاج في حقولها النفطية، فروسيا تستطيع شراء النفط الإيراني وبيعه لزبائنها لتعويض نقص الإنتاج في حقولها الذي أصبح أمرا معروفا في أسواق النفط العالمية، وبذات الوقت تخفف الضغط على حليفتها إيران.

وهكذا نستطيع القول أن إيران ستكون الخاسر الأكبر عند غلقها لمضيق هرمز، لأن جميع موانئها تقع في الخليج وليس لديها موانئ على خليج عمان، في حين تستطيع الاستمرار ببيع نفطها بالكامل فيما لو تركت الملاحة في الخليج مفتوحة أمام حركة ناقلات النفط والتجارة الأخرى، لأن في حال تم إغلاق الخليج سوف لن يبقى لها منفذ لتصدير قطرة واحدة من نفطها، ولا يبقى لها منفذ تجاري مع العالم سوى العراق، الذي لا يستطيع أن يرد طلبا للولايات المتحدة الأمريكية ولا للأوربيين بسهولة، لكن من ناحية أخرى، إن العالم أجمع يعرف أن العراق أضعف من أن يصطف مع الآخرين بالوقوف ضد إيران التي تتمدد إلى جواره بحدود تصل إلى ألف ومئتي كيلومتر، وهذه إشكالية جديدة للعراق إضافة إلى مشاكله الأخرى، فهي تعني ابتزاز مواقف عراقية تحابي إيران، فضلا عن الحصار الاقتصادي على إيران الذي أنعكس سلبا على العراق، حيث أول ضحايا هذا الحصار هو الدينار العراقي الذي يتراجع الآن بقوة أمام الدولار المطلوب إيرانيا، وذلك من خلال سوق سوداء جديدة للدولار في العراق.
لهذه الأسباب أعتقد جازما أن من غير المعقول أن تتخذ إيران قرارا قاتلا لها قبل غيرها وتغلق المضيق.

أن بيوت المال العالمية والحكومات التي لها تجارة عبر الخليج وجميع الباحثين الاقتصاديين يستطيعون القيام بهذه الحسابات بيسر، وهذا يعزز الاعتقاد لدي بإن ما نسمعه ونقرأه عن إغلاق مضيق هرمز ما هو إلا تأجيج إعلامي بدأته إيران قبل غيرها بالرغم من أنها المتضرر الأكبر منه، ربما الهدف منه هو تحذير العالم أجمع من كارثة حقيقية فيما لو تركت أمريكا والغرب يقررون مصير إيران نوويا لوحدهم، وهكذا أرى أن الأمور ستبقى كما كانت عليه إلى فترة ليست قصيرة، أي تلك الفترة التي تحتاجها الدول الكبرى لإيصال إيران إلى حالة اليأس والإمتثال للمطالبها، بمعنى تراجعها عن بعض قراراتها التي تستفز العالم، وما يساعد أمريكا والغرب عموما هو التوقع لتغيير سياسي في إيران، حيث إن الرئيس الإيراني المتشدد أحمدي نجاد لم يبقى له من ولايته أكثر من العام الحالي، وهناك تيارات واسعة من الشعب الإيراني متضررة الآن جدا من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، خصوصا التجار والصناعيين الذين يعتبرون الأكثر تأثيرا على صناع القرار السياسي الإيراني.

بغض النظر عن كل ما تقدم من حسابات، إن دول الأوبك، وخصوصا الخليجية منها، يجب أن يكون لها دور بالتهدئة وردع إيران عن الإقادم على تهور من هذا النوع، كون هذه الدول لديها مصالح مشتركة مع إيران والغرب عموما، حيث من خلال دبلوماسيتها النشطة تستطيع القيام بهذا الدور.

جيد جدا رؤية وزير النفط العراقي، كونه الرئيس الدوري للمنظمة، قد تحرك بهذا الاتجاه مستفيدا من جميع قنواته المفتوحة مع العالم ومع إيران، نتمنى له النجاح بثني إيران عن أي فعل من شانه تأجيج الوضع في الخليج، كذلك السعودية تستطيع أن تفعل الكثير بالرغم من تشنج العلاقات بينها وبين إيران، وقد نفهم من التحذير الإيراني لدول الخليج بعدم توفير البديل عن نفطها هو دعوة غير مباشرة للسعودية لكي تتدخل إيجابيا وتطمئن شريكها، أضف إلى ذلك أن هناك دول خليجية أخرى تستطيع أن تفعل الشيء ذاته كالإمارات التي تربطها بإيران علاقات دبلومسلية واقتصادية جيدة جدا.
 

بغداد 2012-02-09

* مهندس مختص بإنتاج وتطوير الحقول النفطية


 

free web counter