| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حكمت حسين

 

 

 

                                                                                        الأثنين 28/2/ 2011



ثقافة التظاهر

حكمت حسين

التظاهر هو الوسيلة التي يراد بها التعبير عن رأي مجموعة من الناس عن مطالبها وارائها حول موضوع أو اكثر بحيث يرغب المتظاهرون ان تكون نتائج هذه التظاهرة تحقيق مطالب هذه المجموعة . واسلوب التظاهر كما هو معروف للجميع قديم وجرى في جميع بلدان العالم منذ قرون بعيدة ، واصبحت اسلوبا حضاريا في بلدان الديمقراطيات الراسخة ، ولا تزال اسلوبا نضاليا في البلدان الساعية للحرية والديمقراطية . ويحفظ تاريخ العراق الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي تظاهرات كبيرة وعديدة وكثيرة طالب فيها الشعب بحقوقه ، وكانت اسلوبا نضاليا قويا قبل وبعد قيام الجمهورية العراقية 1958 .

ثورتي تونس ومصر اثبتت ان التظاهر السلمي هو وسيلة فعالة اسقطت نظامي الحكم فيهما ، والمثال المصري اكثر وضوحا حيث نقلت وسائل الاعلام العالمية طريقة المصريين في التظاهر والذي تضمنت مطالبهم اسقاط النظام باعلى اصواتهم ، وباصواتهم فقط وخلال ثمانية عشر يوما ترك حسني مبارك الحكم . وكلنا نتذكر لافتات المتظاهرين في ميدان التحرير مثل ( ارحل ايدي بتوجعني ، ارحل الولية عايزة تولد والصبي مش عايز يشوفك ) وبعد رحيل مبارك كتبوا ( انت صدقت ياريس ، احنه بنهزر هاي كاميرا خفية ) وفي جمعة النصر كتبوا ( اسبوع بحاله ولا حتى تلفون ) . المتظاهرون باصواتهم اسقطوا دكتاتورية مبارك وليس بالعنف ، هذه ثورة من نوع جديد لم تعرفها المنطقة ، ويبدو ان آفاق استمرارها في بلدان اخرى واعدة ايضا .

في العراق عبر الناس عن احتجاجاتهم ضد الحكومات المحلية والاتحادية باستمرار ، ومنذ 2003 ، باشكال مختلفة من التظاهرات ، وجرى استثمار زيارة الاربعين للتعبير عن تردي الاوضاع في العراق رغم مرور ثمان سنوات على اسقاط الدكتاتورية ، وابرز التظاهرات التي جرت العام الماضي في البصرة والناصرية تحت اسم انتفاضة الكهرباء ، ولم تتم محاكمة او التحقيق حتى في قضية سقوط شهداء برصاص قوات الشرطة العراقية ضد اناس عزل . وجاءت تظاهرات بغداد المطالبة بالحريات ضد قرارات مجلس محافظة بغداد لتؤكد اصرار جماهير الشعب على المطالبة السلمية بحقوقها المشروعة . واخيرا اطلقت ثورتي تونس ومصر ونجاحهما دما جديدا بين جيل من الشباب ليتواصل عبر الانترنت ويدعو للتعبير عن مطالبه ، وكانت تظاهرة يوم الحب 14 شباط في ساحة التحرير في بغداد نموذجا حضاريا للتظاهر وضمت التظاهرات ليس الشباب فقط بل شرائح اجتماعية متنوعة ، وكذلك الامر لتظاهرات مشابهة في مناطق اخرى من بغداد وبعض المحافظات .

25 شباط 2011 كان يوم للتعبير عن الغضب ضد الحكومة التي لم تحقق ابسط الخدمات الحياتية والتي لا تستطيع (الحكومة واتباعها) غض النظر عنها ، وحتى المرجعية الدينية الشيعية ايدت تلك المطالب ، لذلك كان تخوف الحكومة في غير محله ، ودعوات عدم المشاركة من قبل رئيس الوزراء لم تجد من يسمعها ، وخرج المواطنون في غالبية المحافظات ، وبشكل سلمي ، للتعبير عن رغبتهم في اصلاح النظام واسقاط الفساد ، ولكن للأسف كان تعامل السلطات الحكومية غير حضاري في بعض المحافظات ، وبالطبع مع متظاهري ساحة التحرير حيث كان تحليق طائرات الهيلكوبتر بانخفاض واطئ لاثارة الاتربة وتخويف المتظاهرين هو اسوأ اسلوب وغير اخلاقي .

في الدنمارك ، كما العديد من مدن اوربا تصاحب التظاهرات الاحتجاجية فرق موسيقية او فنانين يقدمون اغانيهم للتضامن ، وحتى عندما عقدت قمة الاتحاد الاوربي في كوبنهاكن قبل بضع سنوات لم تجر احداث عنف او شغب كالتي تجري عادة من قبل الشباب المتطرف المعادي للعولمة اثناء انعقاد قمة الاتحاد الاوربي او اجتماعات قمة الثمانية ، رغم وجود بعض احداث الشغب في حالات منفردة مثل الغاء بيت الشباب في كوبنهاكن .

تضامنا مع مطالب الشعب العراقي في تظاهرات 25 شباط دعى عدد من منظمات المجتمع المدني وناشطين آخرين الى تظاهرة سلمية امام السفارة العراقية في كوبنهاكن في نفس يوم الجمعة الماضي . الناشط خليل ياسين دعى الى اجتماع عقد يوم الاربعاء الماضي الموافق 23 شباط لغرض التنسيق لانجاح التظاهرة . اتفق الاجتماع على صيغة مذكرة تقدم عبر السفارة العراقية الى الرئاسات الثلاث واعضاء البرلمان ومجلس الوزراء تتضمن التأكيد على مطالب الشعب العادلة ، وجرى الاتفاق على الشعارات التي ترفع في اللافتات الثلاث الرئيسية التي تبرع الناشط هاشم مطر بطباعتها على نفقته الخاصة مشكورا ، وتشكلت لجنة تنظيم للتظاهرة ضمت سبعة اسماء من الحاضرين وثلاث من النساء تحدد اسمائهن بعد اتصالات يجريها الناشط خليل ياسين . جرى تساؤل في الاجتماع حول ان البعض ينوي حرق صور قيادات اقليم كردستان ، واتفق الجميع ان التظاهرة سلمية وهدفها الرئيسي اعلان التضامن مع مطالب الشعب العادلة في العراق ولا مكان لحرق صور او اساءات شخصية . ولكن !!

رغم برودة الطقس الشديدة فقد حضر الى التظاهرة حشد ليس بالقليل ضم نساء ورجال في اعمار مختلفة ، ضم اطياف الشعب العراقي ولم يكن من بينهم الاخوة في الاحزاب الاسلامية الموجودة في السلطة في العراق ، ( ولا ادري هل انهم لا يريدون المطالبة بالماء والكهرباء والخضراء والوجه الحسن ) . ومر زمن التظاهرة عبر الهتافات المطالبة باصلاح النظام واسقاط الفساد ( رغم سهولة الخلط بين الهتافين ) ، حتى علم المتظاهرون ان الاخوة في السفارة سيخرجون لاستلام المذكرة حسب الاتفاق المسبق معهم ، حتى برزت اصوات عالية تدعو الى استقالة السفير ، وهتافات ضد السفارة وموظفيها ، وجرى الصاق صور للقيادات الكردستانية على باب السفارة وعليها علامات اكس وجرى الضرب على باب السفارة ، دونما اي اتفاق مسبق . ولم يفهم او يحاول ان يفهم اولئك المتظاهرون ان التظاهرة ليست موجهة ضد السفارة ، بل هم حلقة الوصل لايصال صوتنا الى اصحاب القرار في بغداد وبهذا الشكل فهم جزء من المتعاطفين مع مطالب الشعب ، وكان بامكانهم رفض استلام المذكرة .

رغم ان التظاهرة انتهت بسلام ، ولكن كان يجب ان تكون حضارية وسلمية منذ بدايتها حتى انفضاضها . دون التوتر غير المبرر ودون اساءة للشخوص ، ولا ادري كيف خرج علم النظام السابق ذو النجمات الثلاث ، حيث رأيت ذلك في الصور لاحقا . اعتقد انه يجب التدقيق مسبقا في بعض الاجراءات لتلافي حرف التظاهرات السلمية عن هدفها المعلن . لقد نجحت تظاهرات بغداد والمحافظات من ايصال صوت الشعب الى القادة الذين انتخبوهم قبل سنة ، وما قرار المالكي اعطاء الوزارات ثلاثة اشهر لتحسين ادائها الا استجابة للضغط الجماهيري ، واستقالة ثلاثة محافظين من حزب الدعوة تحديدا يضع المالكي امام خيارين ، خدمة الشعب او الرحيل باصوات المتظاهرين وليس بالعنف والسلاح .
 


المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور
 


 

free web counter