| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حامد الحمداني

WWW.Hamid-Alhamdany.com

Alhamdany34@hotmail.com

 

 

 

الثلاثاء 5/1/ 2010

 

أيها الأمريكيون: إنه من صنع أيديكم!

حامد الحمداني

المأزق الذي تجابهه الإدارة الأمريكية اليوم آخذ بالتصاعد كماً ونوعا جراء استشراء العمليات الأرهابية من قبل منظمات القاعدة وطالبان وأحزاب الاسلام السياسي التي انشأتها ومولتها وسلحتها الإدارات الامريكية المتعاقبة على السلطة أبان صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق.

ففي إيران إبان الصراع الذي اندلع بين الشعب الإيراني ونظام الشاه الذي خدم المصالح الأمريكية لعقود، وكان يمثل شرطي الخليج آنذاك، لضمان الهيمنة الأمريكية على منابع النفط التي تمثل عصب الحياة للإقتصاد الغربي، كانت الإدارة الأمريكية أمام خيارين آنذاك بعد أن أوشك نظام الشاه على السقوط، فإما استلام قوى اليسار والديمقراطية الحكم في إيران، أو قوى الاسلام السياسي بزعامة الإمام الخميني.

وهكذا اتخذت الإدارة الأمريكية قرارها باختيار الاسلام السياسي بزعامة الخميني ليقود الثورة والحكم في البلاد، حيث انتابها القلق والخوف مما دعته بوصول الاتحاد السوفيتي إلى مياه الخليج الدافئة، وهكذا أقدمت على نقل الخميني اللاجئ في فرنسا على عجل بطائرة خاصة إلى طهران ليتولى قيادة النظام في إيران، وليشكل النظام الجديد ستاراً ضد ما اسمته بالخطر الشيوعي على الخليج، وعلى مصالحها النفطية فيه.

وفي افغانستان التي كان قد وقع فيها انقلاب عسكري يساري بقيادة [نورمحمد تراقي]، ودخول قوات سوفيتية بدعوة من الحكومة الأفغانية الجديدة، اتخذت الإدارة الأمريكية قرارها بالتصدي لما اسمته بالتمدد السوفيتي في منطقة الشرق الأدنى، فقررت تشكيل منظمات ارهابية لمقاومة التدخل السوفيتي في افغانستان، فكانت منظمة القاعدة بزعامة عميل المخابرات الأمريكية أسامة ابن لادن، وحركة طالبان في افغانستان وباكستان، وأوعزت إلى حكام الدول الدائرة في الفلك الأمريكي، وفي المقدمة منها السعودية والباكستان لرفد القاعدة وحركة طالبان بالمزيد من العناصر المفسولة ادمغتها من قبل شيوخ الوهابيين في السعودية ليحاربوا ما كانوا يدعونه بالإلحاد الشيوعي، وأجبرت حكام الدولتين على تقديم الدعم المادي لتمويل هذه الحركات الإسلامية التي توسع نشاطها بعد انسحاب القوات السوفيتية من افغانستان، وانهيار النظام السوفيتي حيث شمل نشاط هذه القوى الارهابية البوسنة، والشيشان، وكوسوفو، وغيرها من الدول الأخرى.

لقد تجاهلت الادارات الأمريكية المتعاقبة على سدة الحكم الجانب السلبي الخطير لهذا العمل طالما الجانب الإيجابي، بالنسبة للمصالح الأمريكية والغربية يصب في مصلحتها الآنية معتقدة أن هذه التنظيمات مسيطر عليها طالما هي التي تتولى تمويها، وتسليحها، وتشرف على نشاطها.

لكن الحسابات الأمريكية باءت بالفشل، بعد أن قوى عود المنظمات الإرهابية التي صنعتها هي، وتوسعت نشاطاتها كماً ونوعاً في مختلف بقاع العالم، وخاصة العالم الثالث، حيث الفقر والحرمان والحياة البائسة،وفتك الأمراض، والاستغلال الإمبريالي لخيرات هذه الشعوب، مما خلق بيئة مثلى لتوسع النشاط الإرهابي استغلته المنظمات الإرهابية على اوسع نطاق لتمديد نشاطها في تلك البلدان، بل لقد تجاوت تلك الحدود للتوجه بنشاطها الإرهابي إلى مختلف البلدان الأوربية، وحتى الولايات المتحدة في عقر دازها، وعلى الرغم من قدرات وخبرات الأجهزة الأمنية وإمكاناتها التكنيكية، فقد استطاعت المنظمات الأرهابية، وفي مقدمتها القاعدة أن تنفذ جرائمها في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا واسبانيا وروسيا وغيرها من الدول الغربية الأخرى، وما تزال فيها الخلايا النائمة لهذه المنظمات الإرهابية تشكل تهديداً جدياً للأمن في هذه البلدان.

لكن الخطر الجدي الذي يواجه عالمنا اليوم هو تنامي النشاط الإرهابي الذي يفوق التصور في افغانستان والباكستان وإيران والعراق ولبنان وفلسطين والجزائر والمغرب واليمن والسعودية والصومال ومصر وسوريا، وأندونسيا والفلبين وغيرها من الدول الاسلامية الأخرى، بحيث بات من المتعذر السيطرة عليها رغم كل الجهود التي بذلتها وما زالت تبذلها حكومات هذه الدول وجيوشها وأجهزتها الأمنية، ومخابراتها، ورغم مئات المليارات من الدولارات التي تستنزفها الحرب على الإرهاب، فما زالت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عاجزين على تصفية المنظمات الارهابية التي وسعت هي الأخرى من قدراتها وإمكاناتها مستفيدة من التطور الكبير في عالم الاتصالات والانترنيت، ومن الدعم المادي التي تتلقاه من مصادر سرية عديدة، وفي مقدمتها تجارة المخدرات، وتجارة السلاح.
إن الوضع الخطير في افغانستان وباكستان، والتعاون والتنسيق بين منظمة طالبان الافغانية والباكستانية باتت تثير القلق الكبير ليس في هذه المنطقة فحسب ، بل في العالم أجمع.

فالوضع في الباكستان، هذا البلد النووي، تتصاعد مخاطره يوماً بعد يوم، والانفجارات تتسع في مختلف المدن الباكستانية، في وقت تواجه فيه الحكومة الباكستانية مصاعب جمة مع الأحزاب الإسلامية من جهة، ومع أعضاء المحكمة الدستورية التي سبق للرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف أن أقالها، وأعادتها الحكومة الحالية، والتي هي قريبة من الاحزاب الإسلامية، حيث بادرت المحكمة إلى إلغاء العفو الذي كان قد أصدره برويز مشرف عن وزيري الداخلية والدفاع الحاليين والرئيس الحالي سرداري، زوج بنازير بوتو، تمهيداً لتحالف الطرفين في الانتخابات النيابية، والتي عادت هي وزوجها من منفاها في دولة الأمارات العربية المتحدة، وجرى اغتيالها خلال الحملة الانتخابية، وتولى زوجها قيادة حزبها، وانتخب رئيساً للجمهورية بعد فوز حزبها في الانتخابات، مما ضعضع النظام القائم في الباكستان، وقوى نشاط حركة طالبان في محاولة لأسقاط النظام الحالي، مما يهدد بوقوع الأسلحة النووية الباكستانية بأيدي حركة طالبان والقوى الإسلامية الأخرى.

وفي إيران تسابق حكومة ملالي طهران الزمن في مشاريعها النووية من أجل الحصول على القنبلة الذرية، وفي الوقت نفسه توسع نشاطها التخريبي شرقاً في افغانستان وغرباً في البلاد العربية، وبات النظام الإيراني يلعب دوراً خطيراً في العراق مدعوماً من قبل احزاب الاسلام السياسي الشيعية المسيطرة على الحكومة والبرلمان بفضل السياسة الأمريكية الرعناء، والتي قادت البلاد إلى الحرب الأهلية الطائفية عامي 2006 و2007 ، ودفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً من أرواح الأبرياء، وما زال 4 ملايين من المهجرين يعيشون إما في الخيام أو في سوريا والاردن ومصر ودول اللجوء الأوربية والأمريكية.

وفي الوقت نفسه سهلت الحكومة السورية والبعثيين العراقيين من أيتام صدام المتواجدين على اراضيها دخول إعداد غفيرة من عصابات القاعدة لتعيث في البلاد قتلا ودماراً وتخريباً، مما أدى إلى تصاعد أعداد الضحايا من العراقيين الأبرياء حتى تجاوز 650 الفاً، وما يزال العراق حتى اليوم مسرحاً لنشاط القوى الارهابية، الذي تصاعد في الاشهر الأخيرة وما يزال يتصاعد كلما اقرب موعد الانتخابات النيابية.

وفي لبنان تلعب ايران دوراً أساسياً في تقرير مصير البلاد من خلال دعمها لحزب الله الذي بات يتحكم في مسيرة الحكم في البلاد دون منازع، وعرّض وما زال يعرّض أمن لبنان ، هذا البلد الضعيف والصغير، للخطر جراء تحكمه في قرار الحرب والسلم بمعزل عن الحكومة، وزج البلاد في حرب مع اسرائيل لا قدرة للبنان وشعبه على تحملها.

وفي غزا ما برحت إيران تمد حكومة حركة حماس بالسلاح والأموال، وتشجعها على السير على حافة الحرب مع اسرائيل، وهي تدرك أن لا قبل لها على كسب الحرب معها، متجاهلة ما سببته الحرب في العام الماضي من ضحايا وويلات ومآسي ودموع للشعب الفلسطيني المنكوب، دعك عن الحصار اللاإنساني واللا قانوني للقطاع مما حوله إلى سجن كبير ورهيب .

ولا شك أن الولايات المتحدة، بسياستها الداعمة لأسرائيل على طول الخط، هي التي تتحمل المسؤولية لما يجري في فلسطين ولبنان، وهي التي فسحت المجال واسعاً أمام حكومة ملالي طهران للتدخل في الشأن الفلسطيني واللبناني و العراقي واليمني أخيراً، ولا أحد يستطيع تقدير مدى التمدد الإيراني في المجال العربي إذا ما امتلكت السلاح النووي.

ولا شك أن الوضع الخطير في اليمن والصومال، ودولة اريتريا التي صنعتها الإرادة الامريكية بات يشكل تهديداً كبيراً على مستقبل الشرق الأوسط، حيث يتصاعد نشاط القاعدة وحلفائهم من القوى الاسلامية المتطرفة، وبات مضيق باب المندب ، الشريان الرئيسي للتجارة العالمية مع أوربا وأمريكا يتهدده الخطر الأكيد، حيث لا يمضِ يوم دون أن نسمع باختطاف سفينة تجارية في البحر العربي وسواحل الصومال والابحر الأحمر.

كل هذا الذي جرى وما زال يجري من نشاط إرهابي هو بالتأكيد من صنع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين صنعوا القاعدة وطالبان، وشجعوا القوى والأحزاب الإسلامية المتطرفة إبان صراعهم مع الاتحاد السوفيتي السابق واليوم وقد نمت وتوسعت هذه المنظمات الإرهابية بحيث بات من الصعب جداً معالجتها والقضاء عليها، وستدفع هذه الدول وسائر الدول الأخرى المبتلية بالإرهاب الفاتورة الكبيرة من دماء أبنائها، ومواردها المالية، لمكافحة هذا الخطر الجسيم الذي بات خطراً عالمياً ، ويتطلب الكفاح ضده جهداً عالمياً كذلك، ليس في مجال استخدام القوة فحسب، بل وفي معالجة مشاكل الانسانية المعذبة، ومعالجة مسألة الفقر والبطالة والجوع والأمراض الفتاكة، المفرخة الأساسية للإرهابيين، وذلك من خلال تحويل الأموال الضخمة المخصصة للحروب ومكافحة الارهاب إلى معالجة المشاكل التي تعانيها شعوب العالم الثالث، والكف عن استغلالها، وإقامة نظام عالمي جديد قائم حقاً وصدقاً على أسس قويمة من الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والعلاقات المتكافئة القائمة على المنافع المتبادلة، والمصالح المشتركة، دون التدخل في السيادة والاستقلال للدول الأخرى.

 


5/1/2010

 

 

free web counter