موقع الناس http://al-nnas.com/
إلى أي مصير تقودون العراق وشعبه ؟
حامد الحمداني
الثلاثاء 30/5/ 2006
يتصاعد التدهور الأمني في العراق
بشكل خطير، وتتعمق الأزمة السياسية جراء الصراع الذي تخوضه الأحزاب الدينية
الطائفية الشيعية منها والسنية على حد سواء ، بالإضافة إلى القوى الموالية للنظام
الدكتاتوري الصدامي المسقط عن السلطة ، وعناصر القاعدة التي يحتضنها البعثيون أعوان
صدام حسين ، ويوفرون لهم كل ما يلزم من مأوى وسلاح وأموال وتوجيهات لتنفيذ جرائمهم
البشعة في البلاد ، وتتصاعد المحنة القاسية التي يعيش في ظلها الشعب بشكل رهيب ،
مما حول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، بعد أن استشرت جرائم التفجيرات ، والخطف
والقتل على الهوية والاسم ، والتهجير تهديداً بالقتل ، على خلفية الانتماء الطائفي
الشيعي والسني ، وعلى خلفية الانتماء الديني ، كما هي الحال تجاه المواطنين
المسيحيين والصابئة والأيزيدية، وعلى خلفية الانتماء العرقي كما هي الحال مع
المواطنين الأكراد والتركمان ، مما اضطر جموع غفيرة من هؤلاء المواطنين إلى ترك
مساكنهم ، وأعمالهم ومصالحهم ومدارس ابنائهم، هرباً من الموت الذي يترصدهم على أيدي
القتلة من العناصر الطائفية المجرمة ، من الطائفتين الشيعية والسنية على حد سواء ،
وعلى أيدي العصابات البعثية المجرمة الموالية للنظام الصدامي المقبور ، وعلى أيدي
عصابات الجريمة المطلق سراحها من السجون من قبل دكتاتور العراق صدام قبيل إسقاط
حكمه الكريه .
إن الهجرة الجماعية التي يشهدها العراق اليوم تمثل كارثة إنسانية كبرى ، حيث يعيش
المهجرون حياة قاسية لا مثيل لها ، يهيم جانب منهم في شوارع عمان ودمشق والمدن
السورية والأردنية الأخرى ، والجانب الآخر في المدن العراقية التي تظم أكثرية من
تلك الطائفة في حالة مزرية ، وجانب ثالث يمتلك الإمكانية المادية ، ويدفع مبالغ
طائلة للمهربين بغية الوصول إلى دول اللجوء في أوربا وأمريكا .
وتمارس الميلشيات الموالية لإيران جرائم القتل بحق الضباط في الجيش العراقي السابق
، والطيارين بوجه خاص ، وكذلك أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين ، الذين يمثلون
ثروة البلاد العلمية التي لا غنى عنها ، مما اضطر أعداد غفيرة منهم إلى الهجرة خارج
العراق ، حيث شكل خسارة جسيمة للعراق لا تعوض .
وفي ظل هذه الظروف القاسية والمعقدة والتي تهدد بانتشار الحرب الأهلية القائمة
اليوم على ارض الواقع تستمر أزمة إكمال تشكيل الحكومة العراقية التي ستحكم العراق
في السنوات الأربعة القادمة ، وتعيين وزيري الدفاع والداخلية اللذين سيتولان المهام
الأمنية في البلاد ، حيث تتنازع الأحزاب المشاركة في الحكومة فيما بينها على هاتين
الوزارتين ، تاركين البلاد في حالة من الفوضى التي لم يشهد الشعب العراقي مثيلاً
لها من قبل . .
ولا شك أن وصول العراق إلى هذه الحال هو نتاج مباشر للسياسة الخاطئة التي اتبعتها
سلطة الاحتلال بعد إسقاط النظام الصدامي الفاشي ، وتشجيعها للطائفية السياسية من
خلال تشكيلها لمجلس الحكم ، والحكومات التي تلته ، ومن خلال الانتخابات التي أفرزت
هذا الانقسام الطائفي الذي نشهده اليوم ، ومن خلال الدستور الذي كرس الطائفية
المقيتة ، مما أوصل البلاد إلى هذا الاستقطاب الطائفي الحالي الذي ينذر بتوسع
وانتشار الحرب الأهلية الطائفية في عموم البلاد ، وهذه السياسة والإجراءات
الأمريكية لا تتفق بكل تأكيد مع الادعاءات الأمريكية بتحقيق نظام ديمقراطي في
العراق يكون نموذجاً يحتذا في الشرق الأوسط ، فقد جاءت تلك السياسة ، وتلك
الإجراءات بهذا النموذج البائس الذي يشهده العراق اليوم ، وهو يمثل ليس فشلاً
ذريعاً للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وحسب ، بل وجلب الكراهية للولايات
المتحدة في المنطقة العربية من الصعب معالجته .
إن الحكومة العراقية بوضعها الحالي ، حتى لو تم الاتفاق على تعيين وزيري الدفاع
والداخلية ، فإنها لا تبشر بعودة الأمن والسلام في البلاد طالما جرى تأليفها على
أساس المحاصصة الطائفية أولاً ، وطالما تمتلك الأحزاب الطائفية الشيعية منها
والسنية المليشيات التي تصول وتجول في سائر مناطق العراق ، ترتكب الجرائم الوحشية
بحق أبناء الشعب الآمنين ثانيا، مما حول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق .
إن على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في مجمل سياستها وإجراءاتها في العراق ،
وتعالج نتائج تلك السياسة الخاطئة ، والإجراءات الكارثية التي اعترف بها كل من
الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير في لقائهما الأخير في واشنطن .
وفي اعتقادي إن الشعب العراقي في وضعه الحالي ، والذي لم يشهد أو يمارس الديمقراطية
خلال تلك العقود السوداء من حكم طاغية العصر صدام حسين وحزبه الفاشي ، والذي ادى
على انهيار البنية الاجتماعية في العراق جراء الحروب الإجرامية الداخلية منها
والخارجية التي زج النظام بها العراق ، وجراء الحصار الظالم الذي فرضته الولايات
المتحدة على شعبنا خلال 13 عشر عاماً عجاف ، قد غيَّر كل القيم والسلوكيات والعادات
النبيلة في المجتمع من عفة ونزاهة وصدق ومحبة الآخرين والتعاون الخير بين المواطنين
، وحل
محلها قيم وعادات وسلوكيات هي على النقيض منها ، فقد بات على العراقي أن يشبع بطون
عائلته في ظل تلك الظروف بكل الوسائل والسبل ، وكل الطرق المشروعة وغير المشروعة .
ويذكرنا الكاتب الكبير [ تلستوي ] في وصفه الرائع لنتائج الحروب ، وما تسببه من
إنهيار خطير للبنية الاجتماعية حيث يقول :
[ إن سنة واحدة من الحروب تفسد المجتمع أكثر مما تفسده ملايين الجرائم لعشرات
السنين ] فكيف هو الحال بالشعب العراقي الذي زجه حكامه المجرمون بالحروب لثلاثة
عقود ونصف ؟
ومن هذا يتبين لنا أن هذه السلوكيات الإجرامية العنيفة التي تعم العراق اليوم تجعل
شعب العراق غير مؤهل للديمقراطية والانتخابات وتشريع الدستور الدائم ، إن الوضع
الحالي يتطلب تشكيل حكومة إنقاذ وطني من عناصر تنكوقراط وطنية نظيفة الأيدي لا
تنتمي للأحزاب الطائفية الشيعية منها والسنية التي تمثل وجهان لعملة واحدة ، ولا
يمكن أن تخدم العراق ، ولا تحقق مستقبلاً مشرقاً كما يتمنى العراقيون ، بل على
العكس من ذلك تقود العراق نحو مستقبل مظلم قاتم .
ولا شك أن في العراق عناصر كثيرة تحمل هذه المواصفات ، وتستطيع قيادة العراق في
فترة انتقالية لا تقل عن ثلاث سنوات يجري خلالها العمل على إعادة الأمن والسلام في
البلاد ، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن المواطنين ، وإعادة
اللحمة بين أطياف الشعب العراقي كافة على أساس من المساواة في الحقوق والواجبات ،
وعودة المهجرين إلى مناطق سكناهم ، وتقديم الحماية اللازمة لهم ، ومعالجة مشكلة
البطالة التي تمثل المرتع الخصب لتخريج الإرهابيين القتلة ، وإعادة بناء كافة
المنشئات الخدمية المدمرة من ماء الشرب والكهرباء والوقود ، والصرف الصحي ،
والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية ، وتكليف رجال قضاء مشهود لهم بالنزاهة
والكفاءة لإعداد دستور علماني جديد بعيداً عن الطائفية وشرورها، ويتضمن قانوناً
جديداً للأحزاب يحرم تأليف الأحزاب على أساس ديني أو طائفي أو عرقي ، ويحافظ على
تماسك النسيج الوطني للشعب العراقي ، استعداداً لإجراء انتخابات برلمانية جديدة بعد
انتهاء فترة الانتقال .
أما الاستمرار على هذه الحال فلن توصل العراق إلا إلى الحرب الأهلية التي ستأتي على
الأخضر واليابس ، وتحيل البلاد إلى خراب ، وتزهق أرواح مئات الألوف أن لم نقل
الملايين من المواطنين الأبرياء ، وتهجير ملايين أخرى إلى بلدان اللجوء ربما تكون
أشد وطأة من الهجرة التي جرت إبان حكم طاغية العصر صدام حسين ، وتفريغ البلاد من
كفاءاته ومثقفيه .
وعلى الشعب العراقي أن يأخذ في حسبانه ما آلت إليه الحرب الأهلية في لبنان التي
اشتعلت عام 1975 واستمرت 15 عاماً ، وخربت المدن اللبنانية ، وحصدت أرواح مئات
الألوف من المواطنين اللبنانيين ، وهجرت مئات الألوف الأخرى ، ودمرت اقتصاد البلاد
، وأغرقته بالديون ، ولا شك في أن ما حدث في لبنان سيمثل نزهة لما يمكن أن يحدث في
العراق إذا انتشر لهيب الحرب الأهلية ، وتدخلت الدول الإقليمية ، وفي مقدمتها إيران
وسوريا والسعودية وبقية دول الجوار في تسعير نيرانها .
إن الوضع الحالي خطير جداً ، وهو يتطلب من الشعب العراقي الحذر من الانزلاق في أتون
الحرب الأهلية المجنونة التي إن انتشر لهيبها فلن ينجُ من نيرانها أحد أبداً ، ولن
يربح من ورائها أحد ، وستكون الطامة الكبرى التي تأتي على كل شيئ لا سمح الله .