|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

       
 

 الأحد  29 / 9 / 2013                                 حامد الحمداني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

   
   

 

في الذكرى الثالثة والاربعين لرحيل عبد الناصر

عبد الناصر والسادات وحرب اكتوبر73
(1)

حامد الحمداني  

منذُ أن حلت نكبة 5 حزيران عام 1967 ، والتي انتهت باحتلال إسرائيل لكامل الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية، وصحراء سيناء المصرية، وفقدان مصر وسوريا معظم سلاحهما الجوي، ومدرعاتهما، كان هدف القيادتين المصرية والسورية، العمل على إعادة تسليح الجيشين من جديد، وإعدادهما للمعركة المقبلة، يقيناً أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة.

لقد أعلن عبد الناصر شعاره المعروف { إن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة }، وعلى ذلك كان إعادة بناء الجيشين هو الهدف الأول للقيادتين المصرية والسورية، مسخرين كل إمكانيات البلدين المادية والبشرية لهذا الهدف.

كان عبد الناصر يشعر بمرارة الهزيمة، وكان تصميمه على إزالة آثار العدوان الذي لحق بالأمة العربية في تلك الحرب، والتي كان يحلوا لحكام إسرائيل أن يسمونها تشفياً بـ[حرب الأيام الستة]،إمعاناً منهم في إذلال العرب، وإشعارهم بضعفهم، وبقدرة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر!!، وهذا بالطبع عنصر هام في الحرب النفسية التي دأب حكام إسرائيل شنها ضد العرب .

لقد صمم عبد الناصر على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وكان قادة مصر وسوريا، وبمساعدة الاتحاد السوفيتي اللامحدودة، يعملون الليل والنهار من أجل إعادة بناء الجيشين، وتجهيزهما بأحدث الأسلحة والمعدات وأعقدها، وتدفق الخبراء السوفييت على مصر وسوريا ليساهموا في تدريب الجيشين على الأسلحة الحديثة تلك، ولم يمضِ سوى عام واحد على الهزيمة حتى كان الجيشان المصري والسوري قد استعادا قوتيهما، وأسلحتهما، وأصبح الجيش المصري قادراً على تحدي الجيش الإسرائيلي.

وكان أمام الرئيس عبد الناصر مهمة خطيرة وشاقة، إلا وهي رفع معنويات الجيش المصري بعد تلك الهزيمة المرة، ومجابهة الحرب النفسية التي كانت تشنها إسرائيل على الجيش المصري باستمرار، وإشعاره بضعفه.

ووجد عبد الناصر أن السبيل إلى ذلك هو قيام الجيش المصري بحرب الاستنزاف ضد قوات إسرائيل، عبر قناة السويس، والقيام بعمليات [ كوماندوس ] ضده، وكان يرمي في ذلك إلى إفهام إسرائيل أن مصر قد استعادت قوتها، وأنها قادرة على التحدي، وأن باستطاعة الجيش المصري أن يحقق الأهداف المرجوة في إزالة آثار العدوان، كما يهدف إلى إفهام الولايات المتحدة، أن العرب لن يصبروا على الاحتلال والعدوان وأنهم عازمون على مقاومته بكل الوسائل والسبل.

وهكذا أصدر عبد الناصر أوامره للجيش المصري بالمباشرة في حرب الاستنزاف عبر قناة السويس، وانطلقت المدافع والصواريخ المصرية نحو القوات الإسرائيلية المرابطة على طول القناة، وردت عليها القوات الإسرائيلية بالمثل، وبدأت معنويات القوات المصرية تتصاعد، ويتصاعد معها حماسها وحماس الشعب المصري للاندفاع ومنازلة العدو الإسرائيلي لإزالة آثار العدوان.

واستمرت حرب الاستنزاف، وأخذت تتسع يوماً بعد يوم، وكلما مرت الأيام ازدادت شراسة، مما دفع بإسرائيل، التي لا تستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة الأمد، إلى اللجوء إلى الطائرات الحربية لضرب العمق المصري، وإنزال أقصى ما يمكن من الخسائر المادية والبشرية بالسكان، بغية إثارة الرعب في نفوس الشعب المصري، وفي تلك الأيام ظهر عجز في الدفاعات الجوية المصرية في العمق، حيث ركز الجيش دفاعاته الجوية على طول جبهة الحرب،على امتداد قناة السويس.

كانت الطائرات الإسرائيلية تهاجم أهدافها على ارتفاعات واطئة، تجنباً للصواريخ المصرية المخصصة للأهداف العالية، ووجد عبد الناصر أن جيشه بحاجة إلى نوع جديد من الصواريخ الخاصة بالأهداف الواطئة [ سام 3 ]، وتقدم بطلب إلى السوفييت لتزويده بها، ورد السوفييت انهم مستعدون لتزويده بها، ولكن التدريب عليها كان يتطلب مدة 6 أشهر، ولما كانت المعارك قد احتدمت، فلا يعقل الانتظار طيلة هذه المدة، وعليه قرر الرئيس عبد الناصر القيام برحلة عمل سرية إلي موسكو لإجراء مباحثات مع القادة السوفييت حول الموضوع .
وفي موسكو أجرى عبد الناصر مباحثات مستفيضة حول الوضع العسكري، ووجد أن لا مفر من أن يطلب من القادة السوفييت إرسال صواريخ [سام 3] مع أطقمها من العسكريين السوفييت، وطائرات مع طياريها لحماية العمق المصري.

فوجئ القادة السوفيت بطلب عبد الناصر، وطلبوا إمهالهم بضع ساعات لتدرس اللجنة المركزية الطلب، وعقدت اللجنة المركزية اجتماعاً بحضور مارشالات الاتحاد السوفيتي، وقرر المجتمعون السوفييت الاستجابة لطلب الرئيس عبد الناصر، وتم إبلاغه على الفور، وبدأت صواريخ [سام 3]، والطائرات الحربية مع أطقمها تنقل على عجل إلى مصر، وتم نصب الصواريخ في المناطق الحساسة في العمق المصري، وخاصة في قاعدتي [ جانالكس في الدلتا]، و[المينا في الصعيد]،وهكذا بدأت الطائرات الإسرائيلية، التي كانت تقصف وتعود سالمة مطمئنة فيما مضى تتهاوى الواحدة بعد الأخرى.

دهش الإسرائيليون لهذا التطور المفاجئ في مجرى الحرب، حيث خسرت إسرائيل أعداداً كثيرة من الطائرات المغيرة، حتى وصل الأمر بوزير خارجيتها أن صرح لصحيفة الديلي هيرلد تربيون قائلاً:
[إن السلاح الجوي الإسرائيلي قد بدأ يتآكل]، وقررت إسرائيل على الأثر إيقاف غاراتها الجوية على العمق المصري، في 18 نيسان 1970 .

ونظراً لتطور الأحداث واشتداد حرب الاستنزاف، بادرت الولايات المتحدة إلى تقديم مبادرة جديدة في 6 أيلول 1970،[ مبادرة روجرز] تتضمن وقف حرب الاستنزاف لمدة ثلاثة أشهر، والبدء بإجراء مفاوضات بين مصر وإسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242، وقام وزير الخارجية الأمريكية بتقديم المشروع إلى الرئيس عبد الناصر والذي عُرف مشروع بـ[ روجرز].

وفي مصر جرى تدارس المشروع من قبل القيادة المصرية، وأرتأ عبد الناصر أخذ فرصة للتشاور مع القادة السوفييت في الأمر، وعليه غادر في زيارة عمل سرية إلى موسكو، والتقى بالقادة السوفييت، وتدارس الأمر معهم، وتم الاتفاق على قبول المشروع، وإعطاء فرصة للسلام من جهة، ولإكمال استعدادات الجيش المصري، وتدريب كادره على بطاريات صواريخ سام 3 الضرورية لحماية العمق المصريمن جهة أخرى.
وهكذا أعلن عبد الناصر بعد عودته إلى مصر عن قبوله بمبادرة روجرز مبرراً قبوله بثلاثة أسباب :
1 ـ التطور في موازين القوى لصالح مصر.
2 ـ الحرص على عدم وقوع مواجهة بين الجبارين.
3 ـ تحديد وقف حرب الاستنزاف بثلاثة أشهر تتيح له الفرصة للحشد.

وقد دعا الولايات المتحدة إلى القيام بدور فاعل لدفع إسرائيل للالتزام بالقرار 242، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وقد أعطت فترة وقف حرب الاستنزاف المجال للجيش المصري لإكمال تنظيم وتدعيم دفاعاته في العمق المصري وعلى الجبهة، فقد كان عبد الناصر يعلم أن القوة وحدها هي التي تزحزح إسرائيل من قناة السويس وصحراء سيناء، وبقية الأراضي العربية المحتلة.

حكام العراق البعثيين، وعبد الناصر:

لم يكد عبد الناصر يعلن قبوله مبادرة [ روجرز ]، ووقف حرب الاستنزاف لمدة ثلاثة أشهر، حتى بادر حكام العراق بمهاجمة عبد الناصر، وموجهين إليه أبشع النعوت، من الإنخذالية، والانهزامية والخنوع الإمبرياليين والصهاينة، ومزايدين على القضية الفلسطينية، وهم الجالسون على بعد 1000كم من ساحات الحرب وحدود إسرائيل، معلنين الحرب الكلامية، عبر إذاعتهم وتلفزيونهم وصحافتهم، مدعين الحرص على قضايا العرب المصيرية. واستمروا على سلوكهم هذا حتى يوم 28 أيلول 1970، ساعة إعلان خبر وفاة الرئيس عبد الناصر بصورة مفاجئة، وقيل أن الوفاة كانت بسبب نوبة قلبية حادة داهمته، ولإنزال الشكوك تدور حول حقيقة تلك الأزمة القلبية حتى اليوم.

لقد كانت وفاة عبد الناصر في تلك الأيام الحاسمة من أيام الصراع العربي الإسرائيلي خسارة كبرى لمصر وسائر العرب الذين أصيبوا بصدمة عنيفة لم يعرفوها من قبل، فقد كانت الأمة العربية بأحوج ما تكون في تلك الأيام لعبد الناصر، ولاسيما وأن مصر وسوريا كانتا على أبواب الحرب مع إسرائيل، وكان حلم عبد الناصر أن يحقق النصر المنشود، الذي سخّر له كل وقته وإمكانياته.

وتنفست إسرائيل الصعداء بخبر وفاة عبد الناصر، بل كان ذلك اليوم عيداً كبيراً لها، يفوق عيدها حينما ألحقت الهزيمة بالعرب في حرب حزيران عام 1967.
كما ابتهجت الإمبريالية لمغادرة عبد الناصر الساحة، بعد سنوات من الصراع خاضتها ضد الأمة العربية منذُ تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والنهوض الثوري في العالم العربي، الذي أحدثته حركة التحرر العربي التي قادها عبد الناصر، رغم كل الأخطاء التي وقع فيها، والتي لو لم تقع لكان الحال قد تغير كثيراً بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العربي مع الإمبريالية، وبشكل خاص موقف الرئيس عبد الناصر من قائد ثورة 14 تموز الزعيم الخالد الشهيد عبد الكريم قاسم.

فقد كانت الظروف تقتضي، بل تحتّم تعاون مصر والعراق، بقيادة ناصر وقاسم، من أجل دفع حركة التحرر العربي إلى الأمام، بدلاً من الصراع، والأحقاد التي وصلت حد التآمر على الكيان العراقي، وتأييد انقلاب 8 شباط الفاشي 1963، وما جره على العراق وشعبه من ويلات ومآسي، والضرر البليغ الذي لحق بكفاح الأمة العربية للتحرر من ربقة الإمبريالية، وتبيّن فيما بعد أن عبد الناصر كان ضحية خداع البعثيين، وشريكهم خائن ثورة 14 تموز عبد السلام عارف.

أحدثت وفاة عبد الناصر فراغاً كبير في مصر والعالم العربي على حد سواء، في ظل ظروف بالغة الخطورة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية الإعداد للحرب التي كان عبد الناصر يدرك أن لا مفر منها بسبب التعنت والاستفزاز الإسرائيلي الوقح، ولذلك فقد كان من الأهمية بمكان ملئ الفراغ الذي أحدثه وفاة عبد الناصر المفاجئة بأسرع ما يمكن، والسير قدما ًفي عملية التهيئة لحرب التحرير.

كان أنور السادات وقتذاك يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وبموجب الدستور يتولى نائب الرئيس الحكم، في حالة شغور منصب الرئاسة، لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد من قبل مجلس الأمة، وبترشيح من قبل الاتحاد الاشتراكي.

وقبل إجراء الانتخاب كان هناك بالإضافة إلى السادات منافساً آخرهو [حسين الشافعي] أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952 ذو الاتجاه الإسلامي، هذا بالإضافة إلى كتلة رئيس الوزراء [علي صبري] الناصرية، والممسكة بجميع المراكز العليا في الدولة، من مجلس الوزراء، ومجلس الأمة، والاتحاد الاشتراكي، وكان بمقدور هذه الكتلة أن تتحكم في منْ يخلف عبد الناصر.

لكن سوء تقديرهم لأنور السادات، واعتقادهم أنه شخص ضعيف يسهل السيطرة عليه دفعهم إلى تأييد ترشيحه للرئاسة، وهكذا كان، وتم انتخاب أنور السادات رئيساً للجمهورية وهو لم يكد يصدق نفسه، فقد كان يعرف مركزه تماماً، ويعرف مركز مجموعة [ علي صبري ] وكانت تلك غلطة الناصريين الكبرى التي دفعوا ثمنها غالياً، و دفعت الأمة العربية تبعاً لذلك مستقبلها، الذي وضعه السادات رهينة بأيدي الأمريكيين لسنين طويلة .

أما أنور السادات فقد وضع نصب عينيه مسألة التخلص من الكتلة الناصرية بزعامة علي صبري، وبقية رفاق عبد الناصر، والاستحواذ على السلطة كاملة وحده بعيداً عن أي تأثير أو نفوذ لما كان يسميه بـ[ مراكز القوة ]،ولم تمضي مدة طويلة حتى تمكن السادات، بدعم من قائد الحرس الجمهوري، وعدد من كبار الضباط الموالين له، من توجيه ضربته لمجموعة علي صبري، وإزاحتها عن السلطة، بل وزجها في السجون، وليصبح بعد ذلك الحاكم المطلق للبلاد، ويصفي كل آثار الناصرية، بعد أن كان يقف خانعاً أمام عبد الناصر .

بعد أن تسنى للسادات تصفية القوى الناصرية، وكتلة علي صبري، أقدم على أخطر عملية تخص أمن مصر وشعبها، وتخص قضية الحرب التي أوقف عبد الناصر حياته لأجلها، فقد قرر السادات في تموز 1972، ودون سابق إنذار، إخراج الخبراء السوفيت من مصر، الذين كان ومازال لهم الدور الكبير في حماية مصر من قصف الطائرات الإسرائيلية، ولهم الدور الأكبر في تدريب، وإعداد الجيش المصري ليوم المعركة التي كان الشعب ينتظرها بفارغ الصبر، ليثأر لكرامته التي امتهنت يوم 5 حزيران 1967.

شكل القرار صدمة كبرى للشعب المصري، وللحكومة السوفيتية، بعد كل الذي فعلوه من أجل مصر والأمة العربية، وتساءل الناس كيف يستطيع السادات محاربة إسرائيل المدعومة كل الدعم أمريكياً، وقد جرد نفسه وبلده من سنده القوي الاتحاد السوفيتي؟

وعلى كل حال فقد استجاب الاتحاد السوفيتي لقرار السادات، وبادر إلى سحب خبرائه وقواته المتواجدة في مصر، وكان ذلك موضع ترحيب من قبل الإمريكان واسرائيل حيث اعتبرا ذلك العمل[بطولة]!! من قبل السادات، وبدأت الاتصالات تجري بين السادات، و[كيسنجر] وزير خارجية الولايات المتحدة، والصهيوني المتعصب عبر الخط السري، عن طريق مسؤول المخابرات الأمريكية في مصر، وكانت الرسائل بين الطرفين تصل باسم [ حافظ إسماعيل ] مستشار السادات للأمن القومي .

غير أن تلك الرسائل لم تحقق أي مصلحة لمصر في تحرير أرضها، وإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ذلك أن كيسنجر لا يفهم سوى مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، القاعدة المتقدمة للإمبريالية الأمريكية، والتي زرعتها في قلب الوطن العربي لتفصل مشرقه عن مغربه، ومدتها بكل وسائل القوة لتتفوق على سائر البلدان العربية، وتكون سيفاً مسلطاً على رقاب العرب، وحامية لمصالحهم النفطية في الخليج .

لم يكن بمقدور السادات أن يتخلى عن الهدف الذي كان يصبو إليه الشعب المصري وقواته المسلحة، والذي أوقف عبد الناصر حياته لتحقيقه، ألا وهو تحرير الأراضي العربية المحتلة، ورد الكرامة العربية التي أهانتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ، كما أن الجيش المصري كان قد وصل إلى أهبة الاستعداد لتنفيذ الإرادة الوطنية، فقد كان لابدّ من قيام الحرب، أو تقويض عرش السادات.

 

 

 28/9/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter