| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حامد الحمداني

 

 

 

 

الأحد 28/1/ 2007

 

 


ماذا لو افلح الديمقراطيون في حملتهم لسحب القوات الأمريكية من العراق ؟

 

حامد الحمداني

تتصاعد الضغوط على الرئيس الأمريكي بوش من قبل أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الديمقراطيين، وبشكل خاص بعد سيطرة الحزب الديمقراطي على المجلسين، على اثر الانتخابات النصفية التي جرت مؤخراً، وقد استقطبت الحملة العديد من الأعضاء الجمهوريين الذين تمردوا على خطة بوش الأخيرة، وقراراته بإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى العراق لمعالجة الوضع المتأزم والمعقد الذي يجابه القوات الأمريكية والبريطانية وحلفائها المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات، مطالبين بسحب القوات الأمريكية من العراق، ووضع جدول زمني قصير الأمد لهذا الانسحاب، بعد أن تصاعدت خسائر القوات الأمريكية في الأفراد والمعدات ، وبعد أن تكبدت الخزانة الأمريكية ما يربو على 400 مليار دولار لتمويل الحرب التي مازالت مستعرة منذُ بداية الغزو وحتى يومنا هذا، حيث بات الوضع الصعب للقوات الأمريكية يقلق أبناء الشعب الأمريكي الذي بدأت أصواتهم تتعالى في تظاهرهم يوم أمس مطالبين بعودة القوات الأمريكية والانسحاب من العراق، مما أوقع إدارة بوش في مأزق لا يدري كيف يخرج منه.
وبصرف النظر عن مبررات الغزو الحقيقية للعراق، والتي وبكل تأكيد لم تأت ِلتحرير الشعب العراقي من طغيان أبشع نظام دكتاتوري دموي جثم على صدور الشعب العراقي خلال 35 عاماً، وأشعل ثلاث حروب كارثية كبرى، بالإضافة إلى الحروب الداخلية التي استمرت لسنوات طويلة ضد الشعب الكردي ، وضد كل القوى المعارضة لنظام صدام وحزبه الفاشي لكي ينفرد في حكم البلاد .
لقد كانت المبررات الحقيقية للغزو تحقيق الأجندة الأمريكية في الهيمنة المطلقة على منطقة الخليج ، وأبعاد خطر أي قوة إقليمية تتطلع للهيمنة على المنطقة التي تطفو على بحار النفط الذي يمثل عصب الحياة لاقتصاد الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، ولا شك أن النظام العراقي والنظام الإيراني اللذان يمثلان أقوى دول المنطقة كانت لهما طموحات واسعة للهيمنة على منطقة الخليج ، وبات النظام الإيراني ،بعد زوال نظام صدام حسين، القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة يتطلع إلى الهيمنة المطلقة ، وفي المقدمة من ذلك العراق ، المنافس الأكبر في المنطقة ، والذي خاض ضد إيران حرباً شرسة استمرت 8 سنوات، وبتخطيط ودعم أمريكي مباشر، وعملت إدارة الرئيس الأمريكي ريكان على إذكاء نيرانها بين الطرفين أطول مدة ممكنة حتى ينهار اقتصاد البلدين ، وإنهاك قواتهما لكي يبقى نفط الخليج في مأمن ، ولست الآن في صدد عرض الخسائر الجسيمة التي سببتها تلك الحرب للبلدين الجارين المادية والبشرية والكوارث التي حلت بشعبيهما.
ولم تكد تضع الحرب أوزارها حتى بدأت إدارة بوش الأب في إعداد الخطط للحرب على العراق، وتحطيم قوته العسكرية، وأسلحة الدمار الشامل التي زودته الولايات المتحدة وحلفائها بها خلال حربه ضد إيران ، من خلال الفخ الذي نصبته لصدام، ودفعته لغزو الكويت، لكي تشن حربها على العراق عام 1991، وتجرد العراق من أسلحته الفتاكة ، وتحد من تعاظم قوته العسكرية ، لكن تلك الحرب صبت في صالح النظام الإيراني الذي تخلص من منافس قوى لتطلعاته في الهيمنة على المنطقة ، وجاء ت الحرب الأخيرة [ حرب الخليج الثالثة] لتنهي أي دور للعراق في صراع الهيمنة الإقليمية لصالح نظام ملالي طهران، والذين وضعوا في مقدمة أهدافهم الهيمنة على العراق ذاته من خلال تدخلهم المكشوف في الصراع الدائر فيه اليوم ، ودعمهم اللا محدود لقوى الإسلام الطائفي الشيعي، وبوجه خاص مليشياتهم التي نشأت وتررعت وما تزال في الحضن الإيراني تدريباً وتسليحاً وتمويلاً، يحدوها الأمل في هيمنة هذه القوى الطائفية المؤتمرة من جانب ملالي طهران على السلطة المطلقة في البلاد
ونتيجة الأخطاء الكبرى التي وقعت بها الإدارة الأمريكية في معالجة الوضع في العراق ، قبل وبعد وقوع الغزو، وتعاملها غير المكترث مع قوى النظام الدكتاتوري الصدامي المنهار، وحلها للجيش والقوى الأمنية بأسلوب خاطئ، واعتمادها على قوى الإسلام الطائفي بشقيه الشيعي والسني، في تشكيل مجلس الحكم ، وفسح المجال واسعاً أمامها، بعد تهميش القوى الديمقراطية العلمانية التي كان أمل الشعب في أن تتولى قيادة البلاد ، أدى ذلك إلى هيمنة هذه القوى على مقاليد الحكم ، وعلى البرلمان، مما مهد السبيل لتوسع النشاط الإيراني التخريبي في العراق بغية فرض الإرادة الإيرانية على مقدراته، وهذا ما أدى بطبيعة الحال إلى توسع وانتشار الصراع الطائفي في البلاد، وإغراقها في الحرب الأهلية الطائفية التي باتت تحصد أرواح المئات من المواطنين الأبرياء كل يوم، وإلى الاستقطاب الطائفي المقيت، والتهجير الجماعي داخلياً وخارجياً مما لم يشهده الشعب العراقي حتى في أحلك أيام صدام ونظامه القمعي الفاشي. واستمرت الأوضاع في التدهور يوماً بعد يوم لكي يتحول العراق إلى جحيم لا يطاق، والذي أوصل الوجود العسكري الأمريكي في البلاد إلى مأزق حقيقي ، ونزيف مادي وبشري يتعاظم يوماً بعد يوم ، وتتخبط الإدارة الأمريكية في إجراءاتها للخروج من هذا المأزق دون أن تجد أي ضوء في آخر النفق المظلم الذي وضعت نفسها ، ووضعت بالتالي الشعب العراق فيه.
واليوم تتصاعد الحملة في الولايات المتحدة لسحب القوات الأمريكية من العراق دون التفكير فيما سيؤول إليه مصير العراق وشعبه لو جرى الانسحاب في ظل هذه الكارثة الخطيرة التي حلت بالبلاد.
لسنا بكل تأكيد سعداء في أن نجد العراق محتلا ، ولقد سبق وحذرنا من الحرب قبل وقوعها ، مدركين كل الإدراك النتائج الكارثية للحرب والاحتلال، وخراب العراق ، وخراب بنيته الاجتماعية، ونحن اليوم نجد حالنا كما قال المتنبي :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بدُ
إن أي تفكير في الخروج من العراق وترك شعبه في خضم هذه الكارثة التي حلت بالبلاد سوف لن يعني سوى توسع وانتشار الحرب الطائفية بين قوى الإسلام الطائفي الشيعي وحلفائهم نظام طهران من جهة ، وقوى البعث الفاشي وحلفائهم قوى الإسلام الطائفي السني، وعناصر القاعدة السلفية المتخلفة والمتوحشة، وفي نهاية المطاف سيصبح العراق ميداناً للصراع الطائفي الإقليمي، وستلقي إيران بكل ثقلها إلى جانب قوى الإسلام الطائفي الشيعي ،فيما تلقي السعودية والعديد من البلدان العربية بثقلها لدعم الجانب السني ليتحول العراق في نهاية المطاف إلى قاعدة كبرى للتطرف والإرهاب ليس في الشرق الوسط فحسب بل في العالم اجمع ، وستمتلك القوى الإرهابية هذه من الإمكانيات المادية والبشرية ما يؤهلها لتهديد الأمن والسلام في العالم ، وعندها ستندم الولايات المتحدة وحلفائها على ما فعلوه بالعراق، وسيدفع الجميع ثمناً باهظا جراء تلك الحرب التي كان بالإمكان تجنبها، والاعتماد على الأمم المتحدة، وبوسائل سلمية لإجبار نظام الطاغية صدام بإجراء الإصلاحات السياسية في البلاد، تنهي هيمنة الحزب الواحد، وتلغي كل القوانين الاستثنائية ، وتطلق الحريات العامة ، وتقيم نظام حكم ديمقراطي سليم في البلاد، من خلال قرار ملزم تحت البند السابع يصدره مجلس الأمن ،لا كما فعلت الولايات المتحدة عندما سعت أصدرت القرار 688 خارج البند السابع، وغير الملزم للنظام العراقي.
إن الخروج من المأزق العراقي الراهن لا يكمن بالهروب كما يريد الديمقراطيون ، ولا بالمضي في السياسة الخاطئة كما يفعل الرئيس بوش، بل يكمن في الاتفاق على مخرج للأزمة، من خلال الاتفاق على خطوات سليمة وكفيلة في إنهاء تمرد القوى البعثية وأعوانها من جهة، وتصفية كافة المليشيات الشيعية الطائفية من جهة أخرى ، والسيطرة على مصادر التمويل والدعم والتسليح الإيراني ، وإنهاء نفوذ ملالي طهران وعملائها في العراق .
ولا اعتقد أن حكومة المالكي بتركيبتها الطائفية، والمليشيات التابعة لأركانها بقادرة على المشاركة في تحقيق الأمن والسلام في ربوع العراق ، ولا بد من تشكيل حكومة مستقلة عن سائر الأحزاب السياسية، من ذوي الكفاءة والقدرة على التصدي للقوى الطائفية ومليشياتها، والتدخلات الإقليمية ، وذلك من خلال إعلان حالة الطوارئ لمدة لا تقل عن 3 سنوات ، يتم خلالها حل البرلمان الحالي ، وتجميد الدستور تمهيداً لإعادة النظر الجذرية فيه بعد نهاية فترة الانتقال المذكورة ، وحل المجالس البلدية، وتعيين محافظين مستقلين ذوي كفاء خلال فترة الانتقال، والتصدي للقوى الإرهابية بكل أصنافها وتوجهاتها، وحماتها، فلا سلاح إلا للدولة، ولابد من التصدي الحازم لكل العصابات التي تعيث في البلاد فساداً ، بعد منح فرصة أسبوع أو أسبوعين لتسليم السلاح ، وإنزال العقاب الصارم بكل من يخالف الأمر بنزع سلاحه.
كما يتطلب الأمر معالجة مسألة البطالة المستشرية، والتي تمثل المرتع الخصب لتوليد الإرهاب والإرهابيين، والاهتمام الجاد بتأمين الخدمات للمواطنين، وفي المقدمة منها الكهرباء، وماء الشرب، والصرف الصحي والوقود، والخدمات الصحية، وغيرها من الخدمات الأخرى .

 28/1/2007