نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حامد الحمداني

 

 

 

 

السبت 28 /1/ 2006

 

 

 

حماس وجهاً لوجه مع إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين

 

حامد الحمداني

على الرغم من كل ما قيل من مفاجأة إسرائيل والغرب بوجه خاص والعالم بوجه عام بفوز منظمة حماس في الانتخابات الفلسطينية بأغلبية المقاعد التي تؤهلها لتشكيل الحكومة الجديدة بصورة منفردة ، إلا أنني اعتقد أن لا مفاجئة ولا غرابة في الأمر، فقد كانت الأمور والأحداث والمسارات الجارية كلها تصب في هذا الاتجاه ، ولم يكُ من الصعب على المتتبعين للسياسة الإسرائيلية والولايات المتحدة وحلفائها إدراك ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الحالية بعد أن جرى تهيئة الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني الذي بات أكثر من ثلثيه يعيش دون خط الفقر ، ويعاني أشد المعانات من قوات الاحتلال التي تمارس إذلاله كل يوم على الرغم من اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية ، والسلطة الفلسطينية بوجود دولة إسرائيل ، وقبولها باتفاقية أوسلو وبخارطة الطريق ، واستماتتها في إرضاء شارون وحزب الليكود ، وحزب العمل من قبله ، من أجل تنفيذ خارطة الطريق ، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وغزة تمهيداً لقيام دولة عربية فلسطينية معترف بها ، وقابلة للحياة عليها .
لقد مهدت الأحداث التالية للوصول إلى هذه النتائج والتي يمكن لنا إيجازها بما يلي :
أولاً ـ تعنت حكام إسرائيل السابقون منهم والحاضرون في تنفيذ كافة الاتفاقيات المعقودة مع السلطة الفلسطينية ، وقيادتها المتمثلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات ، وتشبثها باقتتطاع أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ، وإقامة المستعمرات الواسعة والعديدة فيها ، وفي قطاع غزا ، وإقامة جدار الفصل العنصري في الصفة الغربية ، مما حول بصورة عملية أراضي الضفة إلى مجموعة من الجزر بين تلك المستعمرات ، وجعل من أمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمر في غاية الصعوبة إن لم يكُ من المستحيل ، وبات من الصعوبة بمكان تنقل للمواطنين الفلسطينيين في مناطقهم بسبب تعرضهم لمضايقات القوات الإسرائيلية وتصرفاتها الهمجية بقطع الطرق وجرفها ووضع الحواجز فيها ، وبات المواطن الفلسطيني معرضٌ للقتل أو للاعتقال بصورة اعتباطية ، مما خلق حالة من التذمر والغليان لدى الشعب الفلسطيني ، وحالة من اليأس من نتائج المفاوضات الطويلة الأمد مع حكام إسرائيل الذين يشعرون وكأنما يقدمون منة للشعب الفلسطيني بانسحابهم من غزة ، والتي لم ينسحبوا منها ويهدموا كل تلك المستعمرات العديدة لولا الضربات التي تعرضوا لها على أيدي القوى الاسلامية المتطرفة والمتمثلة بحماس والجهاد .
لقد كانت تلك المواقف الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة بلا حدود ، واستفزازها وإذلالها المستمر لمشاعر الشعب الفلسطيني ، والاعتقالات المستمرة دون محاكمة للآلاف من أبنائه ، كل هذه التصرفات الخرقاء هي التي مهدت السبيل لحدوث الانتفاضة الثانية ، والحرب التي شنها حكام إسرائيل على السلطة الفلسطينية ، وسحق قواتها الأمنية وتدمير مؤسساتها ، وإيصال الشعب الفلسطيني إلى حالة من اليأس هي مَنْ مَنحَ القوى الإسلامية هذه الشعبية الواسعة على حساب منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية المتمثلة برئيسها المناضل ياسر عرفات الذي قاد المنظمة خلال أربعين عاماً من الكفاح المرير من أجل تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، وتحقيق حياة كريمة للشعب الفلسطيني بعيداً عن الهيمنة الإسرائيلية .

ثانياً ـ حملة العداء التي شنها حكام إسرائيل على قيادة الرئيس ياسر عرفات حتى بعد أن تم وقف الانتفاضة والعودة للمفاوضات ، ورغم كل المؤتمرات واللقاءات بين قادة إسرائيل وعلى رأسهم شارون ، وبين الحكومة الفلسطينية والتي حضرتها قوى دولية متعددة فلم تفلح هذه المؤتمرات واللقاءات في زحزحة القيادة الإسرائيلية عن مواقفها العدائية تجاه الشعب الفلسطيني وقائده التاريخي ياسر عرفات الذي كان شارون حتى اللحظة الأخيرة من حياة عرفات يسعى للتخلص منه ، وأعرب مراراً عن ندمه لأنه لم يتخلص منه أثناء احتلال قواته للعاصمة اللبنانية بيروت عام 1982 والمجزرة التي ارتكبها بحق الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتلا .
وحتى عندما كلف الرئيس ياسر عرفات السيد محمود عباس أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ، ومهندس اتفاقية اوسلو ، والمقرب من الجانب الإسرائيلي بتشكيل الحكومة الفلسطينية ، فلم يشأ شارون أن يقدم أي شيئ لهذه الحكومة ما دام ياسر عرفات على رأس السلطة ، بل حاصرت قواته الرئيس عرفات في مقره الذي جرى تهديم معظم أجزائه وأبقته سجيناً فيما تبقى من ذلك المبنى ومنعت عنه الزيارات ، ومارس شارون مختلف الضغوط السياسية والاقتصادية على السلطة الفلسطينية ، وسعى لإضعافها وتهميشها، وبالتالي إلى إدامة معانات الشعب الفلسطيني ، وإيصاله إلى حالة اليأس من تغير أحواله في ظل السلطة الفلسطينية .

ثالثاً ـ رحيل الرئيس الفلسطيني والقائد التاريخي ياسر عرفات في ظل ظروف غامضة لا تخفى على المتتبعين للسياسة الإسرائيلية والأمريكية ، فكل الشكوك تدور حول حالة من التسمم البطيئ للرئيس عرفات رغبة في التخلص منه ، ولم يكُ من الصعوبة بمكان على الطب الفرنسي والطب العدلي التحقق من سبب الوفاة ، لكن الذي جرى هو ذهاب سر الوفاة مع جثمان عرفات إلى القبر، وأخلى الجو لتولي السيد محمود عباس ـ أبو مازن ـ قيادة السلطة الفلسطينية . لكن شارون رغم كل التطورات التي حدثت على الجانب الفلسطيني استمر على ممارسة سياسته تجاه الشعب الفلسطيني ، ولم يقدم الدعم اللازم للسلطة الفلسطينية بزعامة السيد محمود عباس ، واستمر في إضعاف سلطته والحيلولة دون إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية المختلفة .
لقد كان رحيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات تمثل الضربة القاضية لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي بدأت تتآكلها الخلافات والانقسامات ، وأخذت العناصر الشابة والثورية وقد تملكها الغضب واليأس من الإصلاح تطالب بموقع لها في تقرير سياسة منظمة التحرير الفلسطينية ، ووصلت الخلافات بينها وبين القيادة الفلسطينية إلى التقدم بقائمتين للانتخابات ، ووقوع صراعات عنيفة بين الجانبين ، واستخدام السلاح في احتلال مباني السلطة الفلسطينية .
ورغم المحاولات التي بذلت في الساعات الأخيرة لرأب الصدع في منظمة التحرير ، وتقديم قائمة واحدة للانتخابات ، إلا أن الأوان كان قد فات ، ولم تنفع تلك الإجراءات الترقيعية في سد تلك الهوة الواسعة بين القاعدة والقيادة ، وبذلك تم تمهيد الطريق أمام منظمة حماس المتطرفة لاكتساح انتخابات المجلس التشريعي ، وفوزها بأغلبية المقاعد التي تؤهلها بتشكيل الحكومة الجديدة بصورة منفردة .
لقد أخطأت القيادة التاريخية لمنظمة فتح في تمسكها بالقيادة ، وتجاهل الشبيبة الناهضة وعدم تطعيمها بالعناصر الكفوءة للمشاركة فيها وتدريبها وتدرجها وتأهيلها لقيادة المنظمة مستقبلاً ، فقد شاخت قيادة منظمة فتح دون أن تسعى إلى تحديث نفسها ، مما خلق بوناً شاسعاً بينها وبين الشبيبة الفتحاوية ، ومهد السبيل لتمردها على القيادة .
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتتبعين للسياسة الإسرائيلية والأمريكية هو هل أن أمريكا وإسرائيل سعتا إلى حصول هذه النتيجة لوضع منظمة حماس التي ما زالت تحمل السلاح ،وتطلق الصواريخ على المدن الإسرائيلية وترسل السيارات المفخخة والانتحاريين الملتفين بالأحزمة الناسفة لتفجيرها في المدن الإسرائيلية ، وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل ، والدعوة لتحرير كامل الأرض التاريخية لفلسطين وجهاً لوجه أمامهما لإجبارها على الركوع أمام المطالب الإسرائيلية ؟
أم أنهما تراهما قد أخطأ الحسابات ووقعا في ورطة تهيئة الظروف لنجاح حماس في اكتساح مقاعد المجلس التشريعي والاستعداد لتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة ؟
أغلب الظن أن ما جرى مخطط له بدقة وعناية ، فليس حكام الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وإسرائيل على هذه الدرجة من السذاجة والجهل لكي يوصلوا منظمة التحرير وسلطتها إلى هذه النهاية المأساوية ، ويدعوا منظمة حماس التي يعتبرونها إرهابية لتولي مقاليد السلطة في فلسطين ، ولاسيما وأن منظمة التحرير قد رفضت أي محاولة من جانب حماس للمشاركة في السلطة وحسننا فعلتْ ، وهو قرار يمثل عين الصواب ، فليس من المعقول أن تتحمل منظمة التحرير مسؤولية سياسة حماس وتوجهاتها المتناقضة معها ، وباتت منظمة حماس وجهاً لوجه أمام إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ، فإما الإذعان للمطالب الإسرائيلية ، والكف عن حمل السلاح ، والاعتراف بوجود إسرائيل، والقبول بالحلول الإسرائيلية المبتورة ، وإما قيادة الشعب الفلسطيني نحو مهالك الحرب والخراب والدمار ، وانهيار ما تبقى من البنية الاقتصادية والاجتماعية ، وما يترتب على ذلك من جوع وفقر وحرمان ، فقد أعلنت الولايات المتحدة والدول الغربية المانحة للمساعدات للسلطة الفلسطينية عن وقفها لكافة المساعدات إذا لم تذعن منظمة حماس للشروط الإسرائيلية والغربية ، وعند ذلك ستحل الكارثة الكبرى بالشعب الفلسطيني ـ لا سمح الله ـ على أيدي المتطرفين من كلا الجانبين حماس وإسرائيل .
أخيراً بقي أن أتوجه بالأسئلة التالية لقيادة منظمة حماس :
1 ـ ما هو مصير ميلشياتها بعد استلام السلطة ؟
2 ـ هل سيتم دمج ميلشياتها مع قوات السلطة التابعة لمنظمة التحرير ؟
3 ـ هل ستستخدم حماس قوات السلطة رأس رمح في صراعها مع إسرائيل؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة من الأحداث .