| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

الأربعاء 9/6/ 2010

 

الجندي المجهول ... والآخـر المعلوم ..

حسن حاتم المذكور        

الجندي المجهول ... هو ذاك الذي سحقته نزوات وغزوات طغات الأنظمـة الشمولية فتركته ضحية مجهولة الهوية في ساحات القتال’ او ذاك الذي افترسته البحار والصحاري والغابات او غيبته مقرات التصفيات والأبادات التي ابتكرها الطغات للعقاب الجماعي او من ابتلعتهم المقابر الجماعيـة قتلى او احياء صغار وكبار كحصيلـة للأنتقام الطائفي العرقي ’ او مغيباً بشكل وآخر بعيداً عن الوداعات الأخيرة للأهل والأحبة’ وقد ابتكرت اغلب دول العالم رمزاً او نصباً تذكارياً لتخلد تلك الملايين المغدورة .

قبل فترة شاهدت عودة بعض رفات ضحايا حرب الخليج الأولى مـن ايران ثم رفات اكثر مـن خمسين ضحيـة عراقيـة من حرب الخليج الثانيـة عائدة مـن الكويت ’ يتقدمهم موكب مهيب يعزف النشيد الوطني واجساد الضحايا يحتضنها العلم العراقي .

كنت حينها مسروراً جداً لهذا الموقف الذي اعاد الأعتبار لتلك الأجساد المغدورة .

موقف جميـل ذكرني بصديقنا الفنان التشكيلي والشاعـر احمـد امير الجاسم ’ حيث كان ولوحاته يتقدم مواقفنا الرافضة للنظام البعثي المقبور ’ ولا زالت ذكرياتنا معه طرية تعيد علينا نكهة الأنتماء والولاء للناس والوطن العزيز’ وهناك العشرات مـن امثالـه جنوداً معلومين بمواقفهم وعطاءاتهم ووطنيتهم وانسانيتهم .

اعدت على نفسي اسئلة كانت تخص المعنيين بأعادة الأعتبار لضحايا رواد الفكر والمعرفـة والأبداع ’ وكذلك بسطاء الناس الذين قدموا دماءً وارواحـاً اكثر مـن غيرهـم .. متى سنرى مواكب عودة طلائعنـا الى احضان مدنهم واهلهم ... ومتى ستستقبل الناصريـة ابنها البار احمد امير الجاسم ’ وكذلك البصرة والعمارة وبغداد وكربلاء والمدن العراقيـة الأخرى ... متى ستطرز الساحات والشوارع ومؤسسات العلم والمعرفـة بأسماء تلك الجنود البواسـل الى جانب مـن سبقوهم لتكتسب مدنهم هوياتها التي تليق بها حقاً ... ؟

متى سنرى لجان ومنظمات ومؤسسات حكوميـة وغير حكوميـة تتخـذ خطوات الوفاء لتلك الأعلام اللامعـة ’ لتعيدها حيث مدنها واهلها لتستعيد ويستعيدون كحـل ذكراهم الى عيون الذاكرة الوطنيـة ... ؟

قبل اسبوع تقريباً ’ كنت وعائلتي في زيارة لضريح فقيدنا العزيز احمد امير الجاسم في برلين ’ ونحن نتنفس ذكرياتنا معـه في لحظات حالمـة بأشياء كثيرة ’ كانت ولا زالت امنيات مشروعـة ... متى سنزوره ويزوره الكثير مـن اهلـه ومحبيـه ومعجبيه في مدينته الناصريـة التي كان هائماً في عشقها ... ؟

اقترب منـا مسؤول في المقبرة ’ فأفسد علينا احلام مجانيـة مـع انها جميلـة ’ فأخبرنا بما لا نتوقعـه ولا نريد سماعـه ’ حيث لا يملك احمد امير الجاسم غير هذا المتر يستضيفنا فيـه " سادتي امامكم عامين فقط ’ بعدها سنرفع ضريح فقيدكم ’ ويؤسفني حينها سوف لن تجدوا مـن ستزورونـه ’ ارجو ان تعلموا ذلك ’ انها قوانين " ’ شعرت بقسوة عفويـة موظف المقبرة ’ كما شعرت بقسوة الوطن على مغيبيـه ’ انها مفارقـة مؤلمـة ان يدفع الأنسان ضريبـة صدق عواطف الولاء والأنتماء لوطنـه ’ كما شعرت ايضاً بالمرارة والضعف وعقدة الجحود ’ ان هذا المتر واللوحـة الصغيرة التي تحمل الرقم ( 175 ) آخـر ما تبقى لنا مـن صلـة الوصل مع العزيز احمـد ’ امر مرعب حقاً ’ ان يصبح هذا الفنان والشاعر مجرد رقماً يتصدر متراً مستعاراً مكفناً بثلج الغربـة وبردها ’ انـه تعبير عـن عجزنا وخيبـة املنا بأنفسنا وبؤس مواقفنا واكتفاءنا بالرجوع احياناً الى عطاءاتـه عبـر لوحـة او قصيدة شعر ’ وهذا اضعف ما فينا مـن الوفاء .

جميل جداً ان يبحث الوطن عن المجهولين مـن ضحاياه ليكرم ذكراهم ... لكن كيف يمكن لـه ان يتجاهل المعلومين مـن رموزه الفكرية والفنيـة والمعرفيـة والأجتماعيـة والسياسيـة ’ نأمل ان يصحح الوطن تلك المعادلـة البائسـة وتحترم الدولـة ارث وحق وارواح المبدعين.

كيف لي ان اتصور ’ ان احمد امير ’ ذلك الجندي المعلوم والعراقي الباسل ’ لن يجد له في وطنـه العراق ومدينتـه الناصريـة متراً يستقبل فيـه ضيوفـه مـن رفاق دربـه لتستعيد روحه بهجتها ومرحها وابتسامتها وهي تستمع الى ذكريات ايام كان فيهـا طليعتنـا في كل ما هو جميل .


 

07 / 06 /2010
 

 

free web counter