| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

السبت 9/8/ 2008



حكـومتنــا تخشـى الثقـافــة الوطنيـــة ...

حسن حاتم المذكور

فـي زيارة لصديقي الكاتب ( فضل عـدم ذكـر اسمـه ) اخبرتني زوجتـه بأنـه قـد ذهب الى مقهـى الأنترنت ليطبـع مقالتـه ثم ينشرهـا لأن جهاز الكومبيوتر عندنا قـد تعطـل وليس بأستطاعتنـا دفـع تكاليف اصلاحـه وبنفس الوقت لا يمكننـا شراء بديـل لـه .
شعرت بالأسـى وتذكرت شابـاً المانيـاً كان قبـل خمسة عشر عامـاً يطلب منـي شـرح النهايات الثلاثيـة لمقاطـع ــ الأبوذيـة العراقيـة ــ ’ وقـد اخبرني بأن الدولـة دعمت اهتمامنـا انا وزوجتي التي تخصصت فـي بحث ـــ الهيوة البصريـة ـــ واستغرق مكوثنـا في جنوب العراق اكثـر مـن نصف عـام وقـد دفعت الدولـة اكثـر مـن ( 300 ) الف مارك المـاني ’ تذكرت حينهـا صديقـي الشـاعـر ( .... ) الذي كنت اعمـل معـه قبـل عشرة اعوام فـي شركـة للمطاعـم ــ اي سـي سي ــ في مجال التنظيفـات وكان يحمـل في جيبه ورقـة وقـلم يدون فيهـا بعـض مـن خواطره اثنـاء الثـواني التي يسرقهـا مـن وقت العمـل . .. وكنت اسألـه .
ـــ مـاذا تعمـل ... ؟ يجيب مازحـاً
ــــ انتـج ثقافـة ايهـا الكسول ... ثـم يقرأ لـي بعض المقاطـع مـن قصيـدة ابتـدأ كتابتهـا . انـه العراقـي ...
بـودي ان انهـي الموضوع الى هنـا ـــ والحـر تكفيـه الأشارة ـــ لكنـي فضلت ان اشير الى جريمـة معنويـة ونفسيـة ترتكبهـا الدولـة ممثلة بحكومتنا بحـق الوطـن والمجتمع فـي تعاملهـا السلبي مـع الثقافـة الوطنيـة ’ فالدولة التي لا تقـدر اهميـة الوظيفـة الأجتماعيـة للمثقف وقيمتـه المستقبليـة ودوره الأستثنائي ’ لايمكـن لهـا ان تكون الا اميــة على كـل الأصعـدة لا تصلـح لبنـاء وطنـاً يحتـرم نفسـه ويحترمـه الأخرون ... دولـة لا تدرك القيمـة الأجتماعيـة والروحيـة للقصيـدة واللوحـة والمقالـة والبحث والفنـون والطاقات الأبداعيـة الآخـرى وتخاف الثقافـة الوطنيـة وترتعش ريبـة تجـاه المثقف الوطنـي وهـو يبحث فيهـا ويصلـح عيوبـاً وعاهـات واشيـاء كريهـة اخـرى ... انهـا بالتأكيـد تتستـر علـى فضيحـة اجتماعيـة وخـلل في تركيبتهـا وانحرافـاً في نهجهـا وتطفـلاً في علاقاتهـا فـي المجتمـع .
ان الموقف السلبـي مـن المثقف والفكـر والوعـي والجهـد الأنساني لأعادة انتـاج الحيـاة وتحرير المجتمـع مـن كارثـة تخلفـه وتحجره ثـم موتـه المعنوي والروحـي ’ هـي عـاهـة الشرق ومحنتـه وعقـدتـه التـي تربطـه منهـاراً الـى اوتاد اطلالـه حتى يصبـح جـزاءً منهـا عاجـزاً عـن فهـم واستيعاب الأهميـة التاريخيـة للثقافـة الوطنيـة ودور المثقف فيهـا ’ وحتى غيـر قادر علـى حسـن الأنفتاح على الآخـر والتفاعـل انسانيـاً مـع انجازاتـه الحضـاريـة ... وسيبقـى فخـوراً بغيبوبتـه على سريـر نهايتـه وستتجاوزه الحيـاة دون الأهتمام بموعـد دفنـه .
الحكومـة العراقيـة لا زالت وفي افضل حالاتهـا ورغـم الفرص التـي توفـرت لديهـا مصـرة على ان تبقـى فـي متحف الدينصورات الشرقية ’ مترددة فـي السماح لدخـول نـور الثقافات الوطنيـة والكونيـة الى كهوفهـا ’ لاتسمح لعطـر الحضـارة والتقـدم والتطور والتجدد ان يزيـل روائـح التحـلل والتعفـن فـي كيانهـا ... انهـا تحاصـر الثقافـة ’ تخنقهـا في رئــة المثقف ’ وتضغط عليـه انتظاراً لأستسلامـه لتتحكـم بـه صيـداً فـي شباكهـا المذهبيـة والطائفية والقوميـة المتعنصـرة وايديولوجياتهـا وشرائعهـا المتحجـرة ’ لتحتـويه وتأتـي على دوره المستقـل مبدعـاً عصامياً وطنيـاً وانسانيـاً ’ او تحييـده علـى الأقـل بأنتظار تفسخــه .
الثقافـة الوطنيـة محاصـرة بقسوة والمثقف العراقي مهمشـاً اعزلاً في مواجهـة شرسـة مـع الدولـة ــ الحكومـة ـــ المسلحـة بالمال والجـاه واجهزة حكوميـة ومليشيات جانبيـة سريـة وعلنيـة ودستور ذو حـدين وعـدة وجـوه وقوانين مشرعنـة تحت طلب المحافظ والمقـر الحزبي وقائـد الكتيبـة ومدير الشرطـة ورجال الأمـن ’ وجمهـور تمت مصادرة وعيـه مغيبـاً مستسلمـاً لمخدرات التضليل الشامـل والأستغال ومصادر الشعوذة والأوهـام يرزح روحيـاً ونفسيـاً وضميريـاً وعاطفيـاً تحت اسمنـت الأزمنـة الميتـة .
دولـة لـم تكتمـل استرجاع سيادتهـا وحكومة تصارع مـن اجـل شرعيتها غير قادرة على تجاوز مأزق صراعاتها يمسك عنقهـا الأحتلال مذعـورة مـن غمـوض نـواياه وخلفيـة مشاريعـه ومخططاتـه وقراراتـه النهائيـة المخيفـة بالنسبـة للوطـن والناس ولهـا بالذات ’ تمارس السريـة فـي التعاطي مـع مصالحـه الأبعـد واجراءاتـه وتصرفاتـه ومناوراتـه على الواقـع العراقي ’ هكـذا حكومـة لا يمكـن لهـا وغيـر مؤهلـة اصلاً وليس مسموح لهـا ان تفكـر بأهميـة الدور التاريخـي الحاسـم للمثقف العراقي والقيمـة الوطنيـة لوظيفتـه الأجتماعيـة ودوره فـي اعادة اصلاح وانتاج الوعـي والمعرفـة والمواقف الأنسانيـة ’ كمـا ان قـوى الأحتلال غير معنيـة ولا يهمهـا ان كانت الحكومـة مثقفـة واعيـة لخطـورة المرحلـة او مترددة علـى الأقـل عـن الأنزلاق في هـوة خـذلان الشعب والوطـن او تصبـح طرفـاً فـي بيـع العراق ’ بقـدر مـا يفكـر ــ الأحتلال ــ بسهولـة وسلاسـة العبور علـى ظهرهـا الى الجانب الآخـر مـن اهـدافه ومشاريعـه ومخططاتـه ’ كمـا لا يهمـه شأن الثقافـة الوطنيـة بـل ومـن مصلحتـه ان يبقـى المثقف مهمشـاً مشلولاً بعيـداً عـن اسرار تلك اللعبـة القذرة تمثلـه حكومـة اميـة بالمطلـق .
البعض مـن الأطراف والقوى والشخصيات ومنهـا مـن هـم داخـل الحكومة بالذات ’ تشعر بخطورة المآزق ويبدو عليهـا نـوبات التذمـر والتململ وطنيـاً وتحاول الأبتعاد بقدر المستطاع عـن هـوة المنزلق مترددة مـن الأقتراب الى التيار الشعبي الوطنـي الذي يتصـدره المثقف والثقافـة ’ لكـن بنفس الوقت ليس مـن السهولـة الأمساك بمـدى جديـة بعضهـا فـي التحرر مـن شرنقـة الأيديولوجيات والثقافات الطائفيـة والمذهبيـة والقوميـة المتعنصـرة او رغبتها وقرارها الحاسـم فـي الخروج بلا رجعة الى افاق التحرر والديموقراطية واجواء الثقافـة الوطنيـة والوعي الأنساني واستنشاق ريـاح التغيير والتنويـر برئــة الثقافـة الوطنيـة .
الثقافـة الوطنيـة ــ مـع الأسف ــ هـي الآخـرى تعاني ثغـرات ضعفهـا وارباك مواقفهـا وضبابيـة نهجهـا ’ وتلك الأمـور يفرضهـا عليهـا المثقف العراقي ذاتـه ’ حيث ان الكثير مـن مثقفـي العراق والذين لم يستطيعـوا الحفاظ على اسطوريتهـم ومثالية صمودهـم وصلابة مواقفهـم بـوجه ضغـوط التهميش والحرمان والفاقـة الخانقـة ’ فـوجد بعضهـم يـده في جيوب السياسيين والمستحوذين علـى الثـروة الوطنيـة لتخـرج دبقـة تحمـل شـروط طـوي اللسـان والقلـم علـى بكـرة المواقف التـي كانت وطنيـة وانسانيـة . .
ان وطناً يـذل ويبتـز مثقفيـه ويقطع شريان وعيهـم النقـي ويشوه انتاجهـم الأنساني ويذبـح النص والكلمـة والفكـرة ووجهـة النظـر والأجتهاد الموجـه ’ ليستبدلـه بتخريفات الأيديولوجيات المتطرفـة للمذهبيـة والطائفيـة والعنصرية وتشريعات شرسـة لا تقـر موتهـا وترفض دفنهـا بعـد ان اشبعهـا الواقـع تحللاً وتفسخـاً ... وطـن كهـذا لايمكـن ان يكون الا لعنـة لا تستحـق الحب والوفـاء .
كـل مـا ارى احـداً كان بالأمس يخرج لسانـه وطنياً معارضاً مضحياً ثـم وبعـد عـام او عامين وفـي عراقنـا الجديد جداً يتحول الى سياسي منتفعاً يشيد قصراً هنا وفيلة هناك ويؤجـر احزاباً ومظاهرات ومسيرات واحتجاجات اشعر بالأسـى والحزن والأسف على ضحايـا وشهـداء سكبت كـل طاقاتهـا ودمائهـا وارواحهـا وثقتهـا تحت اقـدام الدجالين فـي دواخلهـم ’ ممـن ينحروا القيـم بمـا فيهـا السماويـة على مذبـح انـانيتهـم وفسادهـم وتفاهتهـم .
كثيرون مـن اساتذتنا الموهبين في مجالات الوعي والمعـرفة والأبـداع قد رحل اغلبهم وهم يعانون حصار اوضاعهم الماديـة والمعنويـة والنفسيـة وقـد دفناهـم فـي مقابر الغربـة ’ ونسمع الآن دون ان نرى ’ ان ضمن الطاقـم الحكومـي ثمـة وزارة للثقافـة بمدرائهـا ومستشاريهـا وفي سلكهـا الدبلوماسي ملحقيات ثقافيـة واعلاميـة دون ان نشعـر بذلك الهرم الهائـل مـن المحسوبيين والمنسوبيين او نلاحظ جهـداً مهمـا كان متواضعـاً بالدعـوة مثلاً الى نشاطات وامسيات ثقافيـة ليتعرفوا مـن خلالهـا على دور الثقافـة الوطنيـة غيـر المؤدلجـة والتي تشكل اكثر مـن 80% مـن الثقافـة العراقيـة بشكـل عام ’ وتكريـم ذكـرى الذين رحلـوا واعادة نشر تراثهـم والعمـل على نقـل رفاتهم الى الوطن بجوار اهلهم ومحبيهـم ’ ربما لا يرغبون بذلك رؤية اميتهم غسيلاً لأفرازات التحاصص .
المثقف الوطنـي مصراً ان يبقـى حيـاً واقفـاً الى جانب ثقافتـه ومواهبـه ووحيـه وادواره ورغبـة الأحتراق شمعـة بـوجـه ظلام التطرف العنصري الطائفي المذهبـي ’ انـه مثاليـاً فـي وطنيتـه وانسانيتـه واكبـر مـن ان يستفزوه حصاراً ماديـاً وتهميشـاً معنويـاً ’ انـه تيـار مـن المثقفين الوطنيين داخـل وخارج الوطـن ... انهـم دائمـاً مشروع استشهاد حتى وان لـم يتـم انجـاز العمليـة المؤجلـة دائمـاً لتصفيتهـم جسدياً كمـن سبقهـم .
الوطن يعيش اليـوم محنــة انعـدام الثقـة بين المثقف والدولـة ويدفـع ضريبتهـا ’ والمجتمـع يتعـرض الى اخطـار وأد ثقافتـه الوطنيـة اجتثاثـاً لتاريخـه الحضاري .


09 / 08 / 2008





 

free web counter