نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

 

الخميس 4/5/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

بين ثقافتين

 

حسن حاتم المذكور
smathcor@web.de

بعيداً عن المفهوم الأكاديمي لمفردة الثقافة كتراكمات وظواهر تتطور وتنعكس في سلوك المجتمع’ وقد تكون ايجابية او سلبية’ وافضل ان اترك فلسفة الأمر ثم تبسيطه وترتيب اوراقه لمن هو مختصاً فعلاً’ واكتفي هنا بمد باعي القصير دون ان يتجاوز غطاءه بهذا الخصوص .

الثقافات داخل المجتمعات متعددة’ فهناك ثقافات العنف والقمع وتعميم الخوف والغاء الآخر والعدوان والحروب والغزوات والأذلال ’ ثقافات شوفينية عنصرية ضيقة الأقق’ ومثل تلك الثقافات يمكن ان نختزلها بثقافة التسلط ( السلطة ) والتي تمتد جذورها ايضاً الى الطائفة والقومية والعشيرة ثم الأسرة والفرد.

هناك ثقافات معاكسة تماماً كثقافات التسامح والمساواة والتعايش وحسن الجوار وقبول واحترام الآخر’ وثقافة الألفة والمحبة والبناء المشترك والفداء من اجل الوطن والأنسان ’ وغيرها .. وتلك هي الثقافة الوطنية .

الثقافة السلطوية : ثقافة الدولة وما يتجمع حولها او يشكل هرمها القمعي داخل المجتمع ’ العنصر الطائفة الحزب العشيرة الأسرة ’ فالدولة وبشكل خاص في محيطنا العربي والشرق اوسطي ونموذجها الأسواء في العراق قبل التغيير في 09/نيسان/2003 ’ هي المؤسسة العسكرية والأمنية وورشاتها للأبادة والتصفيات والقمع بأشكاله واحتكارها للأجهزة القمعية والمؤسسات الأعلامية والثروة الوطنية والعلاقات الخارجية ولوي عنق العدالة والقانون لخدمة ايديولوجيتها ونهجها وجنونية ممارساتها’ وفي حالات كثيرة يطلق على مثل تلك السلطات بدولة العقداء التي ابتداءت سراً وغدراً ببيان رقم واحد للزمر الظلامية المتآمرة في لحظة انقلابها الدموي بواسطة الدبابة والمدفع والطائرة ولغة الرصاص ’ وبعد ايغالها بسحق القيم الوطنية والأنسانية والأعراف والتقاليد الأجتماعية ’ تعمل بوحشية مفرطة لأخضاع المجتمع لأرادتها ومشيئتها الى الحد الذي تنتزع فيه مجمل الأرادة الجمعية وحالات الوعي والرفض والأعتراض ’ فتقوده لمجابهة واخضاع ذاته والأنتصار على قضيته’ وبواسطته وعلى جسر مآساته تعمل على توسيع دائرة عدوانها وخرابها وعاهاتها فتصبح دول الجوار هدفاً لاحقاً لغزواتها .

الدولة ــ السلطة ــ وبعد تكريس ثقافتها الشوفينية العنصرية الطائفية’ تركيزوسائل قمعها بيد حزب القائد ومدينته وعشيرته ثم افراد عائلته’ وتنظر الى ابناء الوطن كأعداء طبيعيين لها والوطن بمجمله يشكل بؤراً للتآمر على وجودها’ فتعمل على تقسيم السكان والمناطق على اساس اجتماعي وجغرافي ’ فبالنسبة لسلطة النظام البعثي السابق يوجد في شمال الوطن جيب عميل انفصالي وفي الجنوب شعوبيون مشبوهي الأصل والأنتماء’ والأحزاب الوطنية المعارضة مجرد زمر من الخونة والكفرة والعملاء ’ الجميع مدانيين ويجب قتالهم وابادتهم ’ وبقدر ما يزداد خوفها من ردود افعال المجتمع تزداد قسوتها وعدوانيتها فتمارس اساليب الأبادة والتهجير واستيراد العنصر المشابه المنتفع من خارج الوطن تحت شعارات قومية اسلامية ووحدوية وتحويل تلك الزمر المستوردة الى اداة اضافية لأجهزة قمعها .

ان ما حدث في حلبجة والأنفال والدجيل وعرب الأهوار و الكرد الفيلية وغيرها من مجازر بشعة غطت مساحة الوطن بمقابرها الجماعية كان نتاجاً للثقافة السلطوية للنظام البعثي السابق .

لقد استنزفت ثقافة السلطة من الأنسان العراقي دماء وارواح وثروات وطنية على امتداد قرون سببت له المحن والكوارث والحروب والغزوات ورسخت في ذاته بعضاً من تقاليد الأحقاد والعداوات والكراهية وايديولوجيات سلبية للطائفية والعرقية والحزبية والشللية’ وازدواجية المواقف والمعالجات الخاطئة للأشكاليات الأجتماعية’ لهذه الأسباب وكثير غيرها يجب وبشكل ملح على الأنسان العراقي ان يبداء معركته الحضارية من اجل استعادة الروح الأنسانية والأدوار الأيجابية للثقافة الوطنية’ وعليه مع طلائعه وعلى جميع الأصعدة ان يخلع نهائياً وبجراءة وحزم جميع ما تعلق بحاضره من مخلفات تاريخ سلطات القمع والأبادة والتمييز والتشويه واستعادة ما فقده من ركائز ومظاهر الجوانب الأنسانية والحضارية من ثقافته الوطنية ’ وان الأمر يتعلق بأعادة بناء واعمار ذات الأمة العراقية على اصعدة التربية والفكر والمعرفة والممارسة والتقاليد والعدل والقانون والتطور الأقتصادي والتوزيع العادل للثروات الوطنية وتحسين وسائل الأنتاج والأكتفاء الذاتي وتعميم الأزدهار’ابتداءً من ابسط الخطوات الى اكثرها اهمية واختزال المسافة السلبية التي تفصل ما بين ثقافتي الوطن والسلطة ’ ويكون التحرر الفكري والنمو المعرفي وتطور النهج الديموقراطي كقاطرة يجتاز بها المجتمع تلك المسافة الفاصلة بين الثقافتين حيث تندمج ثقافة السلطة مع ثقافة الوطن وتتغذى منها ( الأمم الأوربية مثالاً ) ’ تلك الخطوات التي يمكن بواسطتها قطع تلك المسافة بين الثقافتين يمكن تلخيصها ببعض النقاط .

1 ــ مفهوم الأمة العراقية : كحقيقة تاريخية حضارية جغرافية واجتماعية تتكون الأمة من مجموعة حقائق قومية واثنية ودينية ومذهبية’ بهذه الحالة لا يمكن ان تكون جزاءً من كل آخر خارج كينونتها التاريخية ’ ولا يمكن ان تكون الأمة العراقية جزاءً من الأمة العربية او الأسلامية مثلاً مع التأكيد على مبداء التضامن وتبادل المنافع مع الأخرين .

2 ــ الفهم المتبادل لأبناء الأمة : بما ان الأمة العراقية تشكلت من مجموعة قوميات واعراق ’ فعلى العرب مثلاً ان يتفهموا اشقائهم الكرد وانتمائهم الى حقيقة آخرى تسمى الأمة الكردية’ تمزقت وابتلعت اجزائها في مراحل مظلمة من الأزمنة الرديئة’ ويجب ان لا تتعارض حرية قرارهم وطموحاتهم مع مباديء السلم الأجتماعي داخل الأمة العراقية’ وبنفس النظرة الموضوعية يجب ان يتفهم الأكراد اشكاليات اخوانهم العرب وبشكل خاص في مناطق الجنوب والوسط وتلغى من ذاكرة الجميع كل المخلفات السلبية لثقافة سلطات الأنظمة الشمولية’ وهكذا وبنفس الفهم الوطني الأنساني المشترك يجب ان ينظر العرب والكرد الى اشقائهم التركمان وباقي المكونات الآخرى للأمة العراقية .

3 ــ القيمة الأنسانية للمواطن : ينبغي صيانة وتقديس القيمة الأنسانية والأجتماعية للمواطن العراقي’ وتأكيد وتثبيت مبداء المساواة في الحقوق والواجبات والتمتع بالحريات الديموقراطية والأجتماعية واحترام الخصوصيات الثقافية والتقاليد والعادات والمعتقد والحق الطبيعي بثروات الوطن وانجازات المجتمع ووحدة الأنتماء والهوية وعدم تجاوز حدود عراقية الأنسان او اختراقها بتشويهات التخلف والأنحطاط القادم من خارج اطار الأمة .

4 ــ المرأة في المجتمع : يجب النظر الى المرأة بعين غير مصابة بعمى الموروث المتخلف للشرائع والتقاليد والعادات والمفاهيم التي فرضتها ازمنة الأنحطاط والتردي’ والنظر الى تكوينها ودورها الطبيعي كأبنة وآخت وام وزوجة لها ما لرجل من حقوق وواجبات’ ومعه تقف موازية على سلم المساواة’ وبالوعي والتحضر ودمقرطة المجتمع يجب مطاردة والغاء المظاهر غير العادلة للتسلط الذكوري’ وتحرير جميع طاقاتها كعاملة ومربية وناشطة سياسية ومرشدة اجتماعية فعالة في البناء الأخلاقي والمادي والمعنوي للمجتمع .

5 ــ هناك امور كثيرة يمكن ادراجها على ملاك الثقافة الوطنية منها استرجاع الهوية الوطنية للمدن العراقية’ فالمدينة كالأنسان لها شخصيتها الوطنية وهويتها التاريخية’ واذا ما آخذنا بغداد مثلاً واطلع المشاهد على اسماء شوارعها وساحاتها ومؤسساتها فيجد ان تاريخ العراق مغيباً فيها تماماً’ لهذا يجب استبدال اللأفتات والأشارات والأسماء المستوردة بآخرى وطنية تذكرنا بالتاريخ الحضاري للأمة’ واعادة غسل وجه مدننا العراقية من كل ما من شأنه ان يدل على الثقافة العنصرية والطائفية’ وان تشترك الجماهير العراقية في الدفاع عن ضحايا الأنظمة الشمولية’ فتكون قضية المهجرين الأكراد والتركمان والكرد الفيلية وابناء الجنوب والمكونات الآخرى قضية عراقية مشتركة يتبناها ابناء العراق كافة وبمسؤولية وطنية’ وان لا تبقى محصورة بين اروقة اهواء وخلفيات النخب السياسية .

علم الدولة وشعارها وكذلك نشيدها الوطني يجب وبالضرورة ان تعبرا عن تاريخ الأمة وحضارتها وخصوصيتها وجغرافيتها ومكونات مجتمعها.

يبقى دور القاعدة الشعبية حاسماً في انعاش الثقافة الوطنية’ وفي مناخ من الحريات الديموقراطية تمارس الفعاليات الجماهيرية المختلفة ــ الفنون الشعبية ذات الأفاق الوطنية والأنسانية ’التعارف عبر النشاط السياحي ’ وتعزيز العلاقات الهادفة بين الشبيبة والطلبة ومختلف التجمعات النقابية والأتحادات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة على عموم الوطن ـــ ادواراً تثقيفية متميزة في ازالة اثار ازمنة التعصب والتطرف والتسلط الشوفيني العنصري واشاعة تقاليد المحبة والتسامح وفهم وقبول الآخر والتعايش السلمي داخل خيمة الوطن ’ ومثل تلك الأهداف المستقبلية لا يمكن ان تعطي كامل ثمارها بمعزل عن حماس واندفاع ومساهمة المثقف والكاتب والباحث والمفكر والسياسي والأعلامي وجميع الخيرين من ابناء الوطن’ انها عملية صراع ومخاض ومواجهة جريئة وعلينا ان نرفع رايتها جيل بعد جيل ’ وبالنوايا الشريفة والأرادة الوطنية والعمل الجاد سنضع حتماً سفينة العراق في موقعها اللأئق بين الأمم المتحضرة ’ حيث الرفاه والأزدهار والتقدم والأمان والأستقرار والمساواة والحياة الحرة الكريمة .