| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

الأثنين 24/8/ 2009

 

مدينـة الثورة فـي يوبيلهـا الذهبي

حسن حاتم المذكور
 
 ليلـة البارحـة احتفلت بالعيد الخمسين لميلاد مدينتي وهي لازالت محاصرة بأجراءات عهـر اغتصابها الأخير ’ احتفـلت وكأن العراق والتاريخ معي ’ ومثلما سلام عادل والحيدري والمهداوي وماجد امين ووصفي وحسن السريع وبشار وغيرهم ’ كان سماحـة الأمام محمد باقر الصدر وكأنـه يقبل صورة الزعيم عبد الكريم قاسم قائلاً ’ انا عالم وشهيد ولست بحاجـة الى استعارة ما قام بـه الأخرون مـن عمل الخير ’ لقـد سبقني شهداء ويأتي بعدي شهداء وانا اصلي مـن اجلهم جميعاً ولا اقبل الأساءة لأحـد او ادّعي مدينـة لم اضع فيهـا حجر واحـد ’ اني اشهد انها كانت مـن اعمال الخير الكثيرة التي قام بهـا الشهيد عبد الكريم .

نعم السيد الشهيـد يستحق تخليده بمؤسسة علمية هامـة مثلما يجب ان يخلد كـل شهيد سبقـه او استشهد بعده ’ لأن العلمـاء والفنانين والأدباء والمبدعين هـم دائماً الوجه المشرق لهويات وتواريـخ المدن .لـم اشاهد مع الأسف في الأحتفالية كاتباً او فناناً او شاعراً او اديبـاً مـن ابنائهـا سـوى الكاتب الوفـي اميـر اميـن في مقالته ( نصف قرن على مدينـة الثورة ) بعكسه نسمع بعضهم ينطقون بغير اسمها وكأنهم يبصقون في وجـوه امـهاتهم .

الصديق الجنرال هاشـم عبد الجبار وهو ابن خالـة عبد الكريم حدثنا " في يـوم طلبت اخت الزعيم عبد الكريم ان نتوسط ( بلكي يشوف النـه بيت ’ جندوب انظل بالأجار ) عندما سمعها الزعيم اسطحبها معـه ثم وقفنا على السدة المشرفة على مستنقع خلفها وكان عدد مـن الأكواخ واطفال يسبحون مـع الدابات والكلاب في المستنقع فأشار قائلاً "اذا حصلوا هؤلاء على بيوت وهم الأحق ، سيأتي دورك" قبلته اختـه "خويـه بارك اللـه بيك واللـه يحفظك الهـم". كنت ضمن وفـد للتضامـن مـع المكونات العراقيـة التي تتعرض للأضطهاد الديني والعرقي ’ وقدر لي ان اقيم في بعض مـدن كردستان وقراهـا اكثر مـن عشرة ايام ’ كان البعض في المطاعم والمقاهي يسألوني :

- كاكه انت منين ... ؟
- مـن العمارة واسكن في بغـداد . مـن مدينة الثـورة ... ؟

ثم يدفعون حسابي دون ان يتركوا لي فرصـة الأعتراض " كاكـه احنـه اخوة وماكو فرق بينـه " ’ انهم شعب طيب مسالم يحبون الآخر ولم يعرفوا الأنانيـة ’ وفوق كل هذا لا يقبلوا لمدينـة الثورة غيـر هويتهـا وكنيتهـا . في الطريق مـن كركوك الى بغداد ’ توقفنا - استراحـة - في احد المطاعم وبعد حديث مـع شاب قال " حجي اذا انت مـن بغداد فمن اللهجـة مـن مدينـة الثورة ". لا اتصور ان بنات وابناء مدينـة الثورة سوف يتعايشون طويلاً مـع بشاعـة المنظر ’ وهم يدركون ان وثائقهـم وذكرياتهم وسمرة وجوههـم تحمل ما يميزهم ( ولـد في مدينـة الثورة ) .

حادثـة انقلها كما هـي ’ كنا نريد زيارة قريب لنا في مدينـة الثورة ’ وقرب احدى الكراجات سمعت " ثـورة ... ثورة .. نفرين ثورة " همس صديقي وهو مـن نفس المدينـة " هذا كان ممنوع وانا اسمعـه لأول مرة ’ ونحن في السيارة سألت السائق ’ انت مـن مدينـة الصدر ... ؟

- عمـي يا صدر ’ قبل يومين حررها جيشنـا ...
- ومـنين حررهـه ... ؟ ...
- مـن الأيرانيين ’ حجي لو جاي قبل اسبوع عبالك ساكـن بقـم .
- وين راحـوا ... ؟ ....
- عمـي هربوا لـو لأيران لو لسوريـه والأردن ... راحوا يتدربون لشيب موتاهـم ثـم قهقـه .

اقسم باللـه ’ لو رأيت لوحـة لا تحمل اسم الثورة اشعر بالحزن وتأخذ العبرة مأخذها منـي ’ وعندما ارى صـور مقتدى الصدر بهيئتـه المريبـة تغطي واجهات المدارس والساحات والشوارع او معلقـة على الأعمدة ’ اشعر وكأن حالـة زنــا ترتكبهـا الدولـة والحكومـة وامانـة العاصمة مع الحقيقـة والتاريخ وهويـة المدينـة .

عندما غادرت مدينتي في نهايـة الستينات ’ تركتها مكتضـة بالمبدعين والفنانين وادباء ومطربين وشعراء ورياضيين ’ ورغم بؤسها كانت شوارعها ودرابينهـا تتنفس الحركـة الطامحـة لأحلام الشباب والصغار ’ امسياتها تبدأ والى وقت متأخر بحفلات الأعراس والخطوبـة والمناسبات ’ كان الغناء بألحانه المبتكرة والرقص بأنواعـه والهوسات وهلاهل الحبايب والأمهات والأخوات وقهقهات الأحفاد ’ انهم يعيشون الفرح والألفـة وظرافـة النكتـة والأبتسامة مثلما لا يخشون التضحيـة والفداء .

لم اراها في محنـة اغتصابهـا الأول ’ قالوا لي كان الأسوء ’ لكني زرتها بعد اغتصابها مـن قبل زمـر الجنرا ابو درع ( الآن في مدينـة قـم ) لصاحبـه رجـل الدين الشاب وكان كل شي قـد تغير وكأن اعصار قد نزع جلد المدينـة وترك شوارعها وساحاتها وملاعبها وكأنها اشلاء ’ المدينـة مغلفـة بالسواد ورائحـة الخوف والجريمـة ولوعـة المخطوفين تنبعث مـن مكاتب السيد الشهيد ’ ومحاكمها الشرعيـة تسحق عظام الضحايا وتشرعن الحوسمـة الشاملـة ’ والحزن قائم على وجوه الناس وواجهات البيوت وصور نجل الحوزة الناطقـة تشـخ على تاريخ المدينـة وتراثهـا ’ غربان الفطائس منتظمـة في مليشيات التيـار مسلحـة منفلتـة تتجول رعبـاً على صبـر اهل المدينـة ’ هكذا رأيت مدينتي في حالـة اغتصابها الأخير ولا زالت تنزف تاريخها المجيد وتراثها الشعبي الخالد ’ مـع كل ذلك قررت ان اواصل احتفالي وانا على ثقـة بأن مستقبل العراق سيبتسم في عيون مدينتي وهي مغتسلـة مـن اوحال الفكر الطائفي وقـذارات البعث الشيعي وشعوذات المتسللين مـن ( ذاك الصوب ) .



24 / 08 / 2009

 

free web counter