| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

 

الأحد 17 / 9 / 2006

 

 

ام الكوارث : معقدة جداً ..

 

حسن حاتم المذكور

كثير من الكوارث مرت على العراق وتركت فيه جروحاً واحزاناً واستقرت احزاناً في ضمير الأنسان العراقي .

كوارث الغزوات والأحتلالات والحروب ’ داخلية وخارجية ’ ومرت عليه ايضاً سلطات عميلة همجية شمولية قمعية .

ومرت كذلك كوارث القحط والمجاعة والأوبئة والفيضانات وغيرها .. وقد ترك لنا الموروث الشعبي والثقافة الوطنية والتقاليد حقائقاً تدل على ان العراقيين كانوا دائماً يواجهون الكوارث والمصائب متوحدون متعاضدون متحابون يتكي بعضهم على الآخر ’ رافضون متمردون ثائرون يقدمون بسخاء ثمن ردود افعالهم وانتصاراتهم واستعادة ما فقدوه من كرامة وحرية وسيادة ثم يبداءون مشتركون بترميم واصلاح وطنهم وما تشوه من ماهيتهم ’ ويواصلون حياتهم اخوة تحت خيمة الوطن والسلم الأجتماعي والبناء المشترك .

الكارثة الراهنة غريبة معقدة متشابكة التناقضات مرعبة النتائج غامضة الرأس والأساس ’ كارثة للأبادة الصامته المتسارعة المشرعنة طائفياً وعرقياً وقومياً وعشائرياً وحزبياً ’ حريق الفتنة المفتعلة متواصل لايمكن فهمه والأستدلال على مصادره واتجاهاته .. جنون الأنتحار الجماعي سائر على قدم وساق .. الطائفة تتهم الطائفة وتأخذ ثأرها وبالعكس ’ الطائفة تتهم القومية وبالعكس .. الطائفة تتهم ذاتها وتتراشق بدم ابنائها .. القتيل يتهم القتيل .. والدم يتهم الدم .. الأنسان البسيط الساذج المغفل الواثق خطاءً يتفرج على دماءه تقطر من بين مخالب وانياب ديموقراطية الفرهود المحاصصاتي’ العملية السياسية تواصل تمزيق ما تبقى من الهوية الوطنية المشتركة لأيتام الوطن المقتول .

مؤسسات الكارثة من طائفيين وقوميين وعرقيين وعشائريين وحزبيين متزمتين تتنافس على فرهدة ما تستطيعه من بقايا الوطن المحترق ثروات واسلاب وفدراليات وجغرافية ’ وحتى الأنسان تمت محاصصاته بعد سرقته .. الآخرون دخلوا لعبة حرق العراق وفرهدته ( حشر مع الناس عيد ) دون وازع من تقاليد الأمس القريب .

الأنسان العراقي المقتول ذبحاً وتفجيراً وحرقاً ورمياً بالرصاص .. المذعور الخائف المطارد الجائع المعذب , وحده يبكي العراق ويحزن للعراق .. ويتسائل :

ــ من هذا الذي يقتلنا ويتهم بعضنا ... ؟

ــ من فرخ بيننا كل تلك المليشيات المسعورة التي تسرقنا وتصادر حريتنا وكرامتنا وتمتلك حق قتلنا ثم تدعي حمايتنا ... ؟

ــ من هذا الذي افتعل وصنع الأرهابيين والتكفيريين والمفخخين والمفجرين والأنتحاريين وسلطهم علينا اذلالاً..؟

من اين تأتي تلك الصواريخ الغبية والذكية التي تتساقط علينا .. تسفك دمنا وتزهق ارواحنا وتدمر ممتلكاتنا وتشوه حياتنا ومستقبل اجيالنا ... ؟

ــ من اين يأتي وما مصدر كل ذلك الدمار الشامل .. من الطائفية .. من القومية والعرقية .. من العشائر واحزابها .. من معسكرات الأحتلال الذي استباحنا وخلط اوراقنا وحرق اخضرنا ويابسنا .. ؟

من هذا الذي يقاتلنا ببعضنا ... ثم يجمعنا في قدر الكارثة .. يطبخنا يجهزنا ثم يأكلنا عصيدة في وليمة موتنا ... ؟

أسئلة تقف منتظرة خلف قضبان سجون اجوبتها .. في المنطقة الخضراء ومعسكرات الأحتلال والكواليس المغلقة لأغبياء الطائفة والقومية ومقرات القوائم الفائزة .. سجون ومعتقلات لأجوبة لا يملك مفاتيحها الا الأرادة المتوحشة للمصالح الأمريكية , تطلق سراحها فقط عندما تعلم ان اسألتها قد فارقت الحياة وتحجرت خلف اسوار الواقع .

السياسيون في العهد الملكي ’ كانوا يخجلون على الأقل من تهمة العمالة والرشوة والفساد ... سياسيوا ثورة 14 / تموز / 1958 قد اصلحوا الكثير من اعوجاج ما سبقهم واعادوا الكثير من القيم الى نصابها .. حتى مرحلة البعث ’ كانت بؤرة الفساد والأنحطاط والرذيلة محصورة داخل صفوف الحزب وبطانته ’ وكان يعاني من ضغط ارادة الجماهير ورفضها ’ لهذا حاول ان يكون وباءه ظاهرة عراقية غير مخجلة فأصطدم بأخلاقية الناس وتقاليدهم ’ فكانت مجازر التبعيث وردود الأفعال المشينة لعصابات حزب البعث .

الآن وبعد 09 / نيسان / 2003 ’ نجح الأحتلال ــ القديم الجديد ــ بأغراق الساحة السياسية على عموم العراق بكم هائل من الوكلاء والنصابين والفاسدين والمرتشين وفاقدي الضمير والذمة والقيم الوطنية .

ان حالة التنافس على ولوج الرذيلة اتسعت واكتسحت الشارع العراقي بجنون رقصة الأنحطاط والرذيلة للطائفية والعرقية والعشائرية والحزبية .

الكارثة اصبحت متشابكة ملتبسة في غاية التعقيد ’ واخذت تترسخ كظاهرة عراقية ضحيتها الوطن والأنسان والقيم والأخلاق والتقاليد الموروثة .

الأنسان العراقي شارداً مطارداً مهمشاً مغيباً مذلولاً مقتولاً ولم يبقى امامه الا ان يتراجع نحو الذات ويتمسك بعروة اشلاء وطنه ويدفع ما مفروض عليه ثمناً فادحاً حتى يداوي جراحه ويستعيد رشده وبصيرته ووعيه المغيب ويصلح عافيته وينهض .. لكن الأمر يبقى في جميع الحالات كارثة للعبة قذرة يكلف تجاوزها ثمناً باهظاً سيدفعه العراق شعباً و وطناً ولأجيال قادمة .. و التاريخ سيترك سيماء تلك الكارثة على وجوه من اشتركوا بصنعها ولعبوا ادواراً مشينة في عملية تدمير العراق وتعذيب اهله .