| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسن حاتم المذكور

Smathcor@web.de

 

 

 

الخميس 16/10/ 2008



الـمـشـه يـوصـــل ...
(2)

حسن حاتم المذكور

كيف افسر شجاعـة ذلك الرجـل ...لماذا هـو مصر على ان يموت ... هـل لأن السقوط اشـد بشاعـة .. ماذا يفكـر وايـة قرارات اتخذ خلف صمتـه هذا ’ هـل كان متعمداً ان يعطينـا درساً فـي ان الذكرى العزيزة هـي اجمـل واحب الى النفس ووجدان الناس مـن السقوط عمراً كريهـاً ثمنـه تافهـاً جداً ... ؟

سيموت هذا الرجـل شهيـداً وسيعيش الساقطون مـوتـاً .

نظرت الى عينيـه بعيـداً وفي اعماقهـا اشياء لا افهمهـا ’ ربمـا منظومـة لوعات واحزان ووداعات صعبـة ’ وربمـا قرارات اخرى مصيريـة ... كربلاء وحـدهـا تفسر اسرار العيون التي تطبق اجفانهـا على اسرارهـا في لحظات حاسمـة ’ لكن بالتأكيد ستكتبـه بغـداد على صفحات التاريخ المآساوي للرافدين .. وستحفره في ذاكـرة فقراء الناس رمزاً على جبينهـا.

هـل ان اللـه  يحب الوطـن والناس ... ؟  بالتأكيـد ’ ويحب شهدائهمـا  ويدعو المتطفلين على دينـه  ليغتسلوا مـن كفـر السنتهـم  .

المشـه يـوصـل
 

ـمـرنـه  لا تـظـل  زعـلان

ولا دمـعـك  خـسـاره  بـعـبـرة  الـنـدمـان

مــر  بـيـنـه  سـوالـف  عـيـد

تـسـولـفـنــه  الـطـريـج  بـعـيـد

عـلـيـه  روح  الـشـهـيـد  تـبـسـمت  شمـعـات

دلـيـل  الـنـه  ودلـيـل  الـجـاي  ويـانـه

بـعـيـونك  شـفـت بـغـداد

شـفـت  بـيـهـن  دمـوع  الـنـاس

شـفـت  مـوت  الـوطـن  يـنـعـاد

شـفـت  ـلـبـه ...  شـفـت  ـبـده 

وشـفـت ريـــه

عـلـى  رمـح  الـكراهـيـه

شـفـت الـنـاس ... مـضـيـعـه  الـنـاس

بـجـيـوب  الـحـرامـيــه

وتـفـز  يـا  حـيـف  مـنـسـيـــه

وتـلـــه  الـــاع  مـسـبـيـــه

نـخـت  غـيـره ...  بـوجـه ديــره

طـريــج  الـلـيـل  تـتـعـثـر  مـشـاويـره

وـمـرنـه  مـا  يـريـد  يـغـب

عـيـنـه  عـلـى  الـصـبـح  جـيــه

بـنـهـايــة  لـيـل

بـيـه  نـجـوم  مـسـبـيـــه

الـسـمـه  والــاع  مـسـبـيـــه

وشـفـت  بـغـداد  مـو  هـيـه

يـبــهـه  الـوطـن  دمـعــه

عـلـى  جـفـن  الـنـهـر  مـنـسـيـــه

يـا  بـغداد ... نـسـيـتـي  اسـمــ

نـسـو  اهـلــ

لـو  بـالـزور  واويـــه

ابـسـطـيــة  شـرفـهـم  رخـصـوا  دمـعــ

............

نـافـع  نـشـفـت  الـغـيـره
بـوجـه  ذاك  الـيـبـو  اهـلــه
نـافـع  بـا
ـوا  الـديــره
وبــ
ــه  جـرحـك  دمـوع  اهـلـه
الـصـبـر  مـل  وكـره  صـبـره
ومــل  الـلـيــل  مـن  لـيـلـــه
وكـتـنـه  مـا  غـلـط  مـره
وجــرب  هـمـتـه  وحـيـلــه
الــمـر  مـا  غـاب ...  بـس  زعـلان
يـبـ
ــي  دمـعـة  الـشـاطـــر
ويــدري  الـي  مـشــه  يـوصــل

غادر الحرس القومـي ذاهبـاً لقضاء حاجـة "  هسـه اجـي "  تجراءت الحديث مـع الرجل .

ــ  هـل تقبل صداقتي .. ؟
ـــ  نحن اصدقاء .
ـــ يشرفنـي .
ـــ  ويشرفني ايضـاً .
ـــ  هـل تحتاج شيئـاً في وقت مـا ... ؟
ـــ تـذكـر  اني صديقك ..  ثـم ابتسم .

كان منهكـاً حتى النهايـة ’ اشعر وكأن اضلاعـه تحاول القفز خارج جلـده وان شرايينـه قـد تيبست وقلبـه اخذ منـه الأعياء مأخذاً ... كرهت كل الأشياء بما فيهـا نفسي والقيم المدعيـة بجميع مصادرهـا واقتنعت ان هناك اكاذيب كونيـة افسدت الحياة وخلعت عنهـا شرفهـا ’ احقـاً يمـوت هـذا العظيم وتعيش تلك الفطائس وان البقـاء اصبـح للأسواء ’ هـل ان تلك اللعبـة السافلـة هي خارج رحمـة اللـه او ان الرحمـة هـي الأخرى نكتـة تسخر مـن الحياة ... ؟  بسقت على الجدار وغفوت ’ ايقضتني ضربـة حـذاء على اضلاعـي " اكعـد ابن  الكـ.... تكول ما عندي شي ’ اعترفوا عليك .. " ذهبت معهـم ... كان التحقيق حول امور لا علاقـة لي بهـا .. على اني انتمي الى مجموعـة تخطط لأغتيال الحرس القومي ... استيقضت في اليوم التالي في مكاني ...

ـــ  " صديقك البارحـه ما نام يفكر بيك " قال حسن عبود واشار الى الزاويـة .
ـــ   " وين هـو " ... ؟  
ـــ  اخــذوه ... قال حسن عبود .
ـــ  قــل لي رجاءً ما اسمـــه ... ؟
ـــ  انتظــر ...وفي لحظـة غياب الحرس اقترب حسن عبود قليلاً ...
ـــ  نحـن فـي قصــر النهـايــة  ’ والرجـل هــو  نـافـع يـونس .. كانت هيئـة التحقيق تعذب حتى الموت ’ وهناك قبل مجيئك بعشرة ايام استشهد سلام عادل والحيدري  والعبلـي ’ امـا لآن فهم يعذبون حـتى الأعتراف  وكمـا ترى ما يحصل مـع نافـع يونس .
ــ وهـل سيعترف ... ؟
ـــ  لا اعتقـد  حتى ولو تركوه على ما هو عليـه فأنـه لا يعيش طويلاً ’ فكـل احشاءه مهشمـة .
ـــ  ومـن هؤلاء الذين يشرفون على التعذيب ... ؟
ـــ عمار علوش وخالد طبره واحمـد ابو الجبن واحيانـاً ناظـم كزار ومنعـم الأعظمـي وكثير غيرهـم .
ـــ  وما اسم الطبيب ... ؟
ـــ  انـه تحسين معلــه

سمعنـا صوت حذاء الحرس  وغيرنـا وضعنـا ...  مـن المعتاد ان يجلبوا نافـع يونس صباحـاً بعـد جولـة التعذيب ’ لكن مرت عليـه ليلتان ولـم يعودوا بــه ’ كنا قلقين على مصيره ’ وفي صباح اليوم الثالث جلبوه  سحلاً وبرفقتهـم الطبيب تحسين معلـه ’ وبعـد الفحص كانت اشارة مـن الطبيب فسرهـا لنـا حسن عبود  " انــه حي " ثـم ادار رأسـه الى الحائط ’ سهرنـا ليلتنـا نراقب فيهـا نافـع يونس ’ مضت عليـه ثلاثـة ايام  لـم يأكـل شيئـاً سوى بعض المشروبات يقدمهـا لـه حسن عبود بموافقـة الحرس ... حضرت لجنـة التحقيق مـع الدكتور ’ فحصـه فكانت اشارة مـن راسـه تدل على انـه شبـه الميت .

ـــ  دكتور هـل هـو مضرب عـن الطعام ...؟  سأل المحقق
ـــ  لا  انـه لا يستطيـع .

علمت انـي قـد مضى علي في تلك الصالـة  شهـر وخمسـة ايام ’ ذهبت خلالهـا الى التحقيق اربعـة مرات وكل مـرة يسألوني عن امور لا علاقـة لي بهـا  ثـم يعيدوني في اليوم التالي ’ اثنين مـن الشباب تـم نقلهـم ولا اعرف عـن شيئـاً عـن قضيتهـم  ومصيرهـم .

سألني حسن عبود .." شنهو قضيتك ... شيردون منك : ..؟  اجبتـه " ماكو شي  متوهمين ابأسمي يجوز "

سمـع نافع يونس الحديث فحاول ان يلتفت الينـا فلم يستطـع فأكتفى بحركـة يده اليسرى  دون ان نعلم ما يريد قولـه لنـا ... يحدث هـذا في اللحظات التي يتركنا فيهـا الحرس لوحدنـا .

فـي صباح اليوم التالي حضر ملازم ثاني وطلب منـي مرافقتـه ’ وقفت امام هيئـة التحقيق .

ـــ  " شوف انتـه هـم لو شيوعي بالجعبيـه ... لو تموت ما نسويك مناضـل .. ثـم ضحكـوا .. بعدهـا وجـه لي الملازم صفعـة جانبيـة بكلتا  يديـه  ثـم قال " باجـر تطلع بس بشرف الثوره اذا تلكمت  ’ وين جنت وشفت السانك انكصــه  افتهمت "  قلت لهـم نعـم ثم اعادني الى مكاني فأخبرت حسن عبود وسمع الحديث نافـع يونس واشار ايضـاً بيده اليسرى .

علمت بأنـه سيطلق سراحي مـن قصر النهايـة ’ لأن مجرد التواجـد فيـه هو تعذيبـاً بحـد ذاتـه ’ وعلمت ايضـاً سيقتلوا نافـع  تصفيـة بشعـة  ’ وان يتذكر الناس شهيداً بخيـر افضـل مـن احتقارهـم حيـاً منتفعـاً وان السقوط اسوء مـن الموت واكثر دماراً للنفس .

ان نافـع يونس سيرحـل ’ لكن بالتأكيد ستضيفـه مدينتـه نصبـاً تذكاريـاً الى هويتهـا .

في اليوم التالي وفي الصباح قلت الى حسن عبود وبصوت يسمعـه نافـع يونس .

قـل لـه لن انساه ... وقـد تعلمت منـه الكثير وتغلغل فـي ادق تفاصيل شخصيتي وسأحدث الناس عنـه ... رفـع نافع يـده اليسرى ربمـا قال عبرهـا الكثير ’ بعـد ساعات رافقت الحرس القومي في السيارة ثـم سلموني الى جهات اخرى كانت ( الخيالـة ) وكان معي السيد عبد الرزاق هاشم الصراف ( ابو سوسن ) بقينا في الموقف ليلـة تحدثنا فيهـا الكثير وفي اليوم التالي نقلنـا الى مديريـة الأمـن العامـة ثــم ... ثــم .. وثـم’ وهكـذا واصلت الحياة دورتهـا ’ فكان مستشفى البروفسور ياروش في جيكوسلوفاكيـا انذاك آخـر محطـة لـي  في 17 / 05/ 1967 ابتدأت عندهـا اعادة تقييم تجربتي الشخصيـة والسياسيـة والفكريـة والتنظيميـة وشعرت اني ولأول مـرة اقف على قدمـي وارى نافـع يونس كما ينبغي ان يكون وان الأهداف الكبرى والقضايا المصيريـة لا يمكن لهـا ان تكون الا في نهايـة الطرق الوعـرة ’ ومـن يختار الأسهل حتى ولو كان خطأ فسيبقى واهمـاً وينتهي بلا طريـق . 

بعـد انقلاب 18 / تشرين  لعبد السلام عارف ’ علمت ان الحرس القومـي قـد قتلوا نـافـع يونس .

ايضاح : سأنشر القصيدة بعد مراجعتهـا بمفردهـا مهداة الى الشهيد نافـع يونس في وقت قريب .
 

16 / 10 / 2008

  ¤ الجزء الأول
 

free web counter